أجندة 2011م برؤية غزة
د. يوسف رزقة
اعتادت وسائل الإعلام أن تقدم في نهاية كل عام جرداً لأهم الأعمال والأحداث والمواقف التي تضمنها العام المنصرم لتضعها بين يدي عام جديد للعبرة والموعظة الحسنة. إنك حين تفكر في وقائع عام مضى يعني أنك تتهيأ نفسياً لعام جديد، ويعني أنك تقدر الزمن وتحترم أيامه ولياليه، لذا تخضعه للحساب والتقييم.
لكل شعب قراءته الخاصة به للعام (2011م) الذي يلفظ ما تبقى له من نفس أو نفسين في هذه الحياة الدنيا، وهو في طريقه إلى الخلود السرمدي بلا عودة وإن تمنينا البقاء. لقد مضى عام 2011 بخيره وشره بطيئاً على شعبنا الفلسطيني ولكنه وإن كان بطيئا فقد كان حافلا بالأحداث والمبشرات. فقد احتضن هذا العام الثورات العربية التي هزت عروشاً ما كان يدور بخلد أصحابها وسلالتها أنها ستهتز وتسقط على هذا النحو من السقوط الدراماتيكي.
لقد احتفى شعبنا الفلسطيني في عام 2011 احتفاء المستبشرين بقدوم السنوات المبشرات بالنصر والعزة، وجدير بشعب فلسطين الذي فقد الفرح لحساب الألم سنين طويلة ممتدة أن يفرح بسقوط الديكتاتوريات المعطلة لقضيته في تونس وطرابلس والقاهرة، وتحرك عواصم أخرى لاحتواء التعبير الجذري بالإصلاح من خلال المرور بالقدس وفلسطين وغزة. يعلم الله أننا فرحنا للحرية في تونس، وللحرية في مصر، وللحرية في ليبيا، ولحركة الحرية في كل العواصم العربية، لذا فإن وقائع عام 2011 ستبقى محفورة في ذاكرة فلسطين.
في نهاية عام 2011 تمكن رئيس الوزراء إسماعيل هنية أن يخرج من غزة المحاصرة والقيام بجولة عربية وإسلامية بعد خمس سنوات من الحصار المعطل لمثل هذه الزيارات التي باتت ضرورية رغم تقدم وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، إذ لا يغني الاتصال التقني وإن تميز بالدفء عن الزيارة الشخصية، والالتقاء مع القادة العرب وجهاً لوجه، وأحسب أن العام 2012 سيشهد زيارات أخرى، وسيكون عام تآكل الحصار السياسي الذي فرضته أمريكا و(إسرائيل) واستجابت لمتطلباته السيئة أنظمة عربية عديدة.
كان الحصار يستهدف منع حركة الوزراء وقادة حماس، ونواب المجلس التشريعي إضافة إلى رئيس الوزراء وحرمانهم جميعاً من الالتقاء بنظرائهم في العواصم العربية والإقليمية والدولية، فجاءت العواصم الدولية وبالذات الأوروبية إلى غزة، في تحد للحصار السياسي، وفي إعلان مباشر يقول إذا لم تتمكن غزة من التجوال في العالم، فإن العالم نفسه سيتجول في غزة ويلتقي الحكومة والبرلمان وقادة الحركة.
لقد أعلنت حركة وفود التضامن في 2011م عن فشل الحصار في تحقيق أهدافه وأثبتت الوفود المتضامنة أن غزة مركز مهم في تجليات الأحداث والوقائع التي تضمنتها أجندة 2011م (الحرية لا تحاصر، والعبيد هم الذين يحاصرون)، وغزة بلد الأحرار وحريتها مركز عزتها، وموطن سموها في السياسة الإقليمية والدولية.
في أجندة عام 2011 إعلان بقوة الدم (أن الحرية لا تحاصر)، ومن ثمرتها التي كتب سطورها ومضو لها الشهداء (صفقة وفاء الأحرار) التي انتزعت الحرية لـ(1027) أسيرًا فلسطينيًا ثلثهم على الأقل من ذوي المؤبدات العديدة. الحرية تنتزع ولا تستجدى، وأحسب أن "الوهم المتبدد" التي جاءت في ذاكرة 2006 قد أثمرت حرية في 2011م، وسجلت تفوق العقل الأمني لحماس على العقل الأمني للموساد، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات.
أجندة 2011 مليئة بالآيات والعلامات الربانية الدالة على تحول الأيام والوقائع لصالح الإسلام وفلسطين، ففي الربيع العربي آيات القدرة الإلهية التي أودعها شعوبًا ظن المتسرعون بها مواتًا لا قيامًا منه. وفي صفقة (وفاء الأحرار) آيات وعلامات على توفيق الله للفئة الصغيرة المستضعفة مشارق الأرض ومغاربها، أن مكّنها من سلطة القرار وتحريره بحسب رؤيتها واستراتيجيتها، فانتزعت الحرية من أنياب قتلة الحرية وقتلة الإنسان. وفي تآكل الحصار، وتبعثر مقوماته، وتشتت سدنته، وهلاك بعضهم، آيات وعلامات حملت رئيس الوزراء، والوزراء إلى عواصم عربية وإسلامية، في إعلان واضح أن عسرًا لن يغلب يسرين مع الصبر، والتوكل على الله، والتمسك بالطاعة وبالثوابت. 2011 منذ الآن في ذمة التاريخ، وفلسطين تستقبل عام 2012 بوجه جديد، وميلاد جديد ليس كغيره مما مضى قبل الربيع العربي المجيد.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية