أزمة المقاومة في الضفة
ليس من الصعب على المتابع لأوضاع الضفة الغربية في السنوات الأخيرة أن يدرك أن المقاومة فيها قد أصبحت تمر بما يصح وصفه بالأزمة. فالعارف بالضفة وما قدمته من تضحيات جسام طيلة سنوات الانتفاضتين الأولى والثانية يخلص إلى أن أوضاعها الحالية ليست على ما يرام، خصوصا إذا ما استحضرنا خطورة الممارسات الصهيونية الحالية فيها وفي القدس وضآلة الرد على تلك المخاطر. ومن أجل الحصول على فهم دقيق للواقع في الضفة وأسباب تعطل المقاومة فيها فإن المرء بحاجة للبحث في كافة العوامل والأسباب التي أوجدت هذه لأزمة، على أمل الخروج بآليات تعالج هذه الأسباب وتساعد على تجاوز هذه العقبات.
جذور الأزمة
لا يوجد حل سحري لأزمة المقاومة في الضفة، كما يستحيل النجاح بعلاج أوضاع تشكلت على مدى أكثر من عقد عبر الصعقة الكهربائية! فالمأمول للضفة الغربية ومنها ليس مجرد استعادة أوضاعها إلى ما كانت عليه في فترة الانتفاضة الثانية، وإنما الهدف هو تحريرها بالكامل وخلق قاعدة مناسبة فيها لتحرير باقي الوطن.
لذا فإن المرجو في هذه الفترة هو التخطيط المحكم والعمل المتأني العميق لإعادة تشكيل الأوضاع في الضفة، مع عدم تفويت أي فرصة سانحة لضرب الاحتلال وإضعافه أمنيا أو سياسيا أو اقتصاديا. ومن الضروري أن تكون خطط وآليات العمل قادرة على علاج جذور الأزمة جميعها، ما ذكر منها وما لم يذكر، وتوفير حلول خلاقة لها. ورغم قناعتي التامة بأن المشروع الصهيوني يحمل جذور انهياره في داخله –لاستحالة استمرار مجتمع متطرف بالحياة- فإن المطلوب منا جميعا هو تسريع هذا الانهيار!
مسلم عمران
يدرك المتتبع للمارسات الاسرائيلية التهويدية والتوسعية -القائمة على أسلوب فرض الأمر الواقع على الأرض- في سائر أرجاء الأرض المحتلة وخصوصا في القدس أن حجم المقاومة الفلسطينية والعربية والاسلامية لهذه الممارسات ليس بالمستوى المطلوب. فبعض الانتهاكات الاسرائيلية -التي قادت لاشتعال انتفاضة الأقصى قبل 15 عاما- أصبحت ممارسات يومية لا ترقى ردة الفعل المواجهة لها للحد الأدنى المتوقع من أمة تمثل فلسطين ومقدساتها درة لتاج تاريخها وحضارتها.
ورغم موجات المقاومة والصمود التي أبداها الشعب الفلسطيني خلال عقود طويلة من نضاله إلا أن الخطر الداهم يدفع لمضاعفة الجهود وتركيزها. فالشعب الفلسطيني، بما يمثله من رأس لحربة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، يتحمل بأفراده ومجموعه مسؤولية الدفاع عن الأرض والمقدسات. فهذه المسؤولية مسؤولية تشاركية، يتحملها أبناء الضفة وغزة والداخل والشتات، ويسأل عنها أبناء سائر الفصائل كما يسأل عنها المستقلون.
وفي ظل تصاعد الحملات الصهيونية المعادية كمشروع برافر والاعتداءات المتكررة على القدس وتشديد الحصار على غزة، فإنه من الواجب النهوض بمهمة المقاومة على أكمل وجه. يحاول هذا المقال البحث في التحديات التي تواجه المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، ولعل مقالات أخرى تكمل مهمة البحث في التحديات التي تواجه المقاومة في الساحات الأخرى.
أزمة المقاومة في الضفة
يدرك المتتبع للمارسات الاسرائيلية التهويدية والتوسعية -القائمة على أسلوب فرض الأمر الواقع على الأرض- في سائر أرجاء الأرض المحتلة وخصوصا في القدس أن حجم المقاومة الفلسطينية والعربية والاسلامية لهذه الممارسات ليس بالمستوى المطلوب. فبعض الانتهاكات الاسرائيلية -التي قادت لاشتعال انتفاضة الأقصى قبل 15 عاما- أصبحت ممارسات يومية لا ترقى ردة الفعل المواجهة لها للحد الأدنى المتوقع من أمة تمثل فلسطين ومقدساتها درة لتاج تاريخها وحضارتها.
ورغم موجات المقاومة والصمود التي أبداها الشعب الفلسطيني خلال عقود طويلة من نضاله إلا أن الخطر الداهم يدفع لمضاعفة الجهود وتركيزها. فالشعب الفلسطيني، بما يمثله من رأس لحربة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، يتحمل بأفراده ومجموعه مسؤولية الدفاع عن الأرض والمقدسات. فهذه المسؤولية مسؤولية تشاركية، يتحملها أبناء الضفة وغزة والداخل والشتات، ويسأل عنها أبناء سائر الفصائل كما يسأل عنها المستقلون.
وفي ظل تصاعد الحملات الصهيونية المعادية كمشروع برافر والاعتداءات المتكررة على القدس وتشديد الحصار على غزة، فإنه من الواجب النهوض بمهمة المقاومة على أكمل وجه. يحاول هذا المقال البحث في التحديات التي تواجه المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، ولعل مقالات أخرى تكمل مهمة البحث في التحديات التي تواجه المقاومة في الساحات الأخرى.
أزمة المقاومة في الضفة
ليس من الصعب على المتابع لأوضاع الضفة الغربية في السنوات الأخيرة أن يدرك أن المقاومة فيها قد أصبحت تمر بما يصح وصفه بالأزمة. فالعارف بالضفة وما قدمته من تضحيات جسام طيلة سنوات الانتفاضتين الأولى والثانية يخلص إلى أن أوضاعها الحالية ليست على ما يرام، خصوصا إذا ما استحضرنا خطورة الممارسات الصهيونية الحالية فيها وفي القدس وضآلة الرد على تلك المخاطر. ومن أجل الحصول على فهم دقيق للواقع في الضفة وأسباب تعطل المقاومة فيها فإن المرء بحاجة للبحث في كافة العوامل والأسباب التي أوجدت هذه لأزمة، على أمل الخروج بآليات تعالج هذه الأسباب وتساعد على تجاوز هذه العقبات.
جذور الأزمة
أولا: تصاعد الاستهداف الأمني لكل أشكال المقاومة
أول العوامل المودية لتراجع المقاومة وانحسارها في الضفة هو تصاعد الاستهداف الأمني لكل أشكال المقاومة الفاعلة. فقد نجح الكيان الصهيوني –بفضل التطور التكنولوجي والاجراءات الميدانية فضلا عن التنسيق الأمني- بتحويل الضفة الغربية إلى جبهة آمنة نسبيا.
فالتطور الهائل الذي حصل في تكنولوجيا المراقبة والكاميرات أصبح يعيق قدرة المقاومة على استهداف جنود الاحتلال ومستوطنيه، فأي عملية تقع اليوم معرضة للتصوير من مئات الكاميرات الحديثة المزروعة في معظم شوارع ونواحي الضفة. كما أن رصد الفلسطينيين عبر مئات النقاط الاستيطانية والحواجز الامنية لا يكاد يتوقف.
أما الجراءات الميدانية الكثيرة التي لجأ إليها الاحتلال خلال العقد الأخير كبناء الجدار العازل، وإنشاء الطرق الالتفافية وتقطيع أوصال الضفة ونشر الحواجز الأمنية في كل مكان فقد قلل بشكل كبير من نقاط الصدام مع الاحتلال في مدن وقرى الضفة، وجعل عمليات التسلل الى الداخل الصهيوني أكثر صعوبة من أي مرحلة سابقة.
ولعل أخطر الاجراءات الأمنية الصهيونية كان تطور أساليب ارباك المقاومة، ويتجلى ذلك في الاعتقالات الإدارية والتنظيمات الوهمية والتنسيق الأمني. فقد أتاحت الاعتقالات الإدارية للاحتلال الفرصة لارباك المقاوم الفلسطيني حتى قبل أن يبدأ بالتخطيط لأي عمل، وزادت من صعوبة التواصل بين المقاومين من أجل الشروع في أعمال مقاومة جديدة. كما كان للتنظيمات الوهمية التي نسج الاحتلال شبكتها عبر مدن وقرى الضفة أثر فاعل في الايقاع بالكثير من الشباب المتحمس للقيام بأعمال عسكرية ضد الاحتلال. وكانت نتيجة هذه التنظيمات الوهمية اعتقال المئات من الشباب الفلسطيني بصورة استنزفت أهم موارد المقاومة أي العنصر البشري.
أما الأسلوب الأمني الأكثر تأثيرا في إضعاف المقاومة فهو التنسيق الأمني. فقد استطاعت أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية -التي تم تدريبها وتأهيلها على مدى سنوات على أيدي قيادات أمنية أمريكية وعربية- أن تفشل أي حراك منظم للمقاومة الفلسطينية في الضفة منذ انحسار الانتفاضة الثانية. ويتمثل نجاح هذه الأجهزة بهذه المهمة في عدة أوجه، فعلى صعيد تكوين هذه الأجهزة فقد تم إنتاج جيل جديد من العناصر الأمنية الفلسطينية ليس له أي تاريخ نضالي، وهو جيل مقتنع بـ أو منتفع من مشروع التسوية السلمية بشكل مباشر، ويعتبر حماس وفصائل المقاومة الأخرى تهديدا لوجوده ومكتسباته. فعلى مدى سنوات الانقسام، قامت قيادة الأجهزة الأمنية باستبعاد أي عناصر وطنية من الأجهزة الأمنية، وكثفت من تنسيقها المباشر مع الاحتلال مما أفرز حالة أمنية وظيفية شديدة التعقيد وبغطاء شبه وطني (مشروع الدولة).
فعلى صعيد أداء هذه الأجهزة، فقد ظهرت كمؤسسات أكثر حرفية –فنيا- من القوات الأمنية التي شكلها الرئيس الراحل ياسر عرفات من الفدائيين والمتطوعين. فهي، مثلا، أكثر قدرة على الوصول لأهدفها وبوقت أقل (ومن الشواهد على ذلك –مع فارق التشبيه طبعا- نجاحها على الصعيد الجنائي في تتبع المجرمين). هذه الحرفية تم توظيفها في مواجهة المقاومة الفلسطينية مما أدى إلى شل حركتها بشكل كبير. فقد ساد شعورعام لدى عناصر المقاومة أن هذه الأجهزة قادرة على تتبع المقاوم والوصول اليه بسهولة ومن ثم ايقاع الضرر به، مما جعل الكثير من المقاومين يلجأون للحذر الشديد انتظارا لتغير الظروف.
ثانيا: العامل الاقتصادي-الاجتماعي
بدى واضحا في السنوات الأخيرة ميل شريحة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى الترقب وانتظار المتغيرات الخارجية كي تغيّر الظروف، ولعل هذا يدل على نجاح الرئيس محمود عباس –نوعا ما- في تسويق مشروع الدولة الذي طرحه في الأمم المتحدة.
هذا المشروع السياسي المرتقب دفع بالكثير من النشطاء نحو أشكال "أكثر نعومة" من المقاومة، مثل المقاومة الشعبية أوالعمل عبر آلاف المنظمات الأهلية والشعبية التي انتشرت مؤخرا. ورغم أهمية وجود وانتشار أشكال مختلفة من المقاومة الشعبية إلا أنه من الضروري أن تكون هذه المقاومة الشعبية حاضنة لأشكال أكثر "صلابة" من المقاومة كالكفاح المسلح لا بديلا عنها. كما أن هذه المقاومة الشعبية يجب أن تبنى على رؤية أكثر شمولية للمقاومة تكون مقاطعة الاحتلال، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، أساسا لها.
أما على صعيد الأثر المباشر للتغيرات الاقتصادية-الاجتماعية، فقد ساهمت سنوات من العمل على مشروع التسوية بتحويل شرائح كبيرة من المجتمع الفلسطيني في الضفة إلى الاعتماد المباشر على اقتصاد خدمي (اقتصاد السلطة) يرتبط بشكل عضوي بالاحتلال. فعلى مدى عقدين من وجود السلطة الفلسطينية وتضخم بيروقراطيتها، استطاعت السلطة أن تستوعب في قطاعاتها الخدمية مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين أضحوا معتمدين على رواتب شهرية تصلهم من مالية السلطة. وليس سرا أن ميزانية السلطة تعتمد بدورها على المنح والهبات الدولية المرتبطة عادة بمشروع التسوية، بالإضافة إلى عوائد الضرائب التي يتحكم بها الاحتلال.
لذا فقد أضحى الفلسطينيون مكبلين بأغلال اقتصادية تزيد من تقييد حركتهم الوطنية. فقبل أوسلو كانت شرائح كبيرة من سكان الضفة تعتمد على الاقتصاد الزراعي وبشكل أقل الاقتصاد الصناعي اللذان يمثلان نواة لاستقلالية نسبية عن الاحتلال ومشروع التسوية. أما اليوم، فالمعضلة متجذرة فأي عمل مقاوم سيعني وقوع ضرر مباشر على مصدر رزق المجتمع.
ثالثا: غياب التوافق الوطني والفصائلي
فشلت الفصائل الفلسطينية جميعا في بلورة مشروع وطني موحد تتعاون في إنجازه قوى العمل الوطني المختلفة. فعلى مدى سنوات الانقسام الماضية كانت الجهود الفلسطينية مبعثرة ولا تصب في اتجاه واحد يعاكس سياسات الاحتلال. وبدا أن بعض الفصائل غير جادة في مقاومة الاحتلال، فبدل أن تكون عاملا مساعدا في توفير حاضنة للمقاومة كانت عامل إضعاف لها.
فعلى مدى سنوات الانقسام عملت السلطة على ضرب الحاضنة الأساسية لعمل الفصائل الاسلامية في الضفة الغربية عبر تقييد المساجد وإبعاد عناصر المقاومة الاسلامية عنها. كما لاقى العمل الطلابي في الجامعات مصيرا شبيها مما أضعف سائر فصائل العمل الوطني –إسلاميين ويساريين وغيرهم- وحرمها من منبع مهم للموارد البشرية.
هذه الجهود، مضافا إليها نفور كثير من الشباب عن الفصائل قاطبة بسبب الانقسام، أفرزت بيئة جديدة عزلت المقاومة عن حاضنتها الشعبية. فوصل الأمر في مرحلة معينة إلى اقتصار العمل المقاوم على نخب محدودة من النشطاء وأهالي الأسرى والشهداء بينما بقيت جهود الكثير من الفصائل كامنة.
ولعل الغياب الأوضح للغطاء الفصائلي والوطني عن المقاومة يتجلى في مشهد العمل العسكري المقاوم. فقد اقتصرت الجهود على بعض الاشتباكات المحدودة مع العدو من قبل كوادر بعض الفصائل أو المبادرات الفردية التي أخذت حيزا واسعا في الفترة الاخيرة وخصوصا في القدس (من المهم هنا الإشارة إلى أن القدس منفصلة تقريبا عن الضفة وظروفها مختلفة رغم موقعها الجغرافي بسبب عوامل الحصار والاستيطان). ولولا العمليات الفدائية التي تصاعدت مؤخرا في القدس لكانت الممارسات الاسرائيلية أكثر شدة وخطورة.
الحل السحري!
أول العوامل المودية لتراجع المقاومة وانحسارها في الضفة هو تصاعد الاستهداف الأمني لكل أشكال المقاومة الفاعلة. فقد نجح الكيان الصهيوني –بفضل التطور التكنولوجي والاجراءات الميدانية فضلا عن التنسيق الأمني- بتحويل الضفة الغربية إلى جبهة آمنة نسبيا.
فالتطور الهائل الذي حصل في تكنولوجيا المراقبة والكاميرات أصبح يعيق قدرة المقاومة على استهداف جنود الاحتلال ومستوطنيه، فأي عملية تقع اليوم معرضة للتصوير من مئات الكاميرات الحديثة المزروعة في معظم شوارع ونواحي الضفة. كما أن رصد الفلسطينيين عبر مئات النقاط الاستيطانية والحواجز الامنية لا يكاد يتوقف.
أما الجراءات الميدانية الكثيرة التي لجأ إليها الاحتلال خلال العقد الأخير كبناء الجدار العازل، وإنشاء الطرق الالتفافية وتقطيع أوصال الضفة ونشر الحواجز الأمنية في كل مكان فقد قلل بشكل كبير من نقاط الصدام مع الاحتلال في مدن وقرى الضفة، وجعل عمليات التسلل الى الداخل الصهيوني أكثر صعوبة من أي مرحلة سابقة.
ولعل أخطر الاجراءات الأمنية الصهيونية كان تطور أساليب ارباك المقاومة، ويتجلى ذلك في الاعتقالات الإدارية والتنظيمات الوهمية والتنسيق الأمني. فقد أتاحت الاعتقالات الإدارية للاحتلال الفرصة لارباك المقاوم الفلسطيني حتى قبل أن يبدأ بالتخطيط لأي عمل، وزادت من صعوبة التواصل بين المقاومين من أجل الشروع في أعمال مقاومة جديدة. كما كان للتنظيمات الوهمية التي نسج الاحتلال شبكتها عبر مدن وقرى الضفة أثر فاعل في الايقاع بالكثير من الشباب المتحمس للقيام بأعمال عسكرية ضد الاحتلال. وكانت نتيجة هذه التنظيمات الوهمية اعتقال المئات من الشباب الفلسطيني بصورة استنزفت أهم موارد المقاومة أي العنصر البشري.
أما الأسلوب الأمني الأكثر تأثيرا في إضعاف المقاومة فهو التنسيق الأمني. فقد استطاعت أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية -التي تم تدريبها وتأهيلها على مدى سنوات على أيدي قيادات أمنية أمريكية وعربية- أن تفشل أي حراك منظم للمقاومة الفلسطينية في الضفة منذ انحسار الانتفاضة الثانية. ويتمثل نجاح هذه الأجهزة بهذه المهمة في عدة أوجه، فعلى صعيد تكوين هذه الأجهزة فقد تم إنتاج جيل جديد من العناصر الأمنية الفلسطينية ليس له أي تاريخ نضالي، وهو جيل مقتنع بـ أو منتفع من مشروع التسوية السلمية بشكل مباشر، ويعتبر حماس وفصائل المقاومة الأخرى تهديدا لوجوده ومكتسباته. فعلى مدى سنوات الانقسام، قامت قيادة الأجهزة الأمنية باستبعاد أي عناصر وطنية من الأجهزة الأمنية، وكثفت من تنسيقها المباشر مع الاحتلال مما أفرز حالة أمنية وظيفية شديدة التعقيد وبغطاء شبه وطني (مشروع الدولة).
فعلى صعيد أداء هذه الأجهزة، فقد ظهرت كمؤسسات أكثر حرفية –فنيا- من القوات الأمنية التي شكلها الرئيس الراحل ياسر عرفات من الفدائيين والمتطوعين. فهي، مثلا، أكثر قدرة على الوصول لأهدفها وبوقت أقل (ومن الشواهد على ذلك –مع فارق التشبيه طبعا- نجاحها على الصعيد الجنائي في تتبع المجرمين). هذه الحرفية تم توظيفها في مواجهة المقاومة الفلسطينية مما أدى إلى شل حركتها بشكل كبير. فقد ساد شعورعام لدى عناصر المقاومة أن هذه الأجهزة قادرة على تتبع المقاوم والوصول اليه بسهولة ومن ثم ايقاع الضرر به، مما جعل الكثير من المقاومين يلجأون للحذر الشديد انتظارا لتغير الظروف.
ثانيا: العامل الاقتصادي-الاجتماعي
بدى واضحا في السنوات الأخيرة ميل شريحة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى الترقب وانتظار المتغيرات الخارجية كي تغيّر الظروف، ولعل هذا يدل على نجاح الرئيس محمود عباس –نوعا ما- في تسويق مشروع الدولة الذي طرحه في الأمم المتحدة.
هذا المشروع السياسي المرتقب دفع بالكثير من النشطاء نحو أشكال "أكثر نعومة" من المقاومة، مثل المقاومة الشعبية أوالعمل عبر آلاف المنظمات الأهلية والشعبية التي انتشرت مؤخرا. ورغم أهمية وجود وانتشار أشكال مختلفة من المقاومة الشعبية إلا أنه من الضروري أن تكون هذه المقاومة الشعبية حاضنة لأشكال أكثر "صلابة" من المقاومة كالكفاح المسلح لا بديلا عنها. كما أن هذه المقاومة الشعبية يجب أن تبنى على رؤية أكثر شمولية للمقاومة تكون مقاطعة الاحتلال، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، أساسا لها.
أما على صعيد الأثر المباشر للتغيرات الاقتصادية-الاجتماعية، فقد ساهمت سنوات من العمل على مشروع التسوية بتحويل شرائح كبيرة من المجتمع الفلسطيني في الضفة إلى الاعتماد المباشر على اقتصاد خدمي (اقتصاد السلطة) يرتبط بشكل عضوي بالاحتلال. فعلى مدى عقدين من وجود السلطة الفلسطينية وتضخم بيروقراطيتها، استطاعت السلطة أن تستوعب في قطاعاتها الخدمية مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين أضحوا معتمدين على رواتب شهرية تصلهم من مالية السلطة. وليس سرا أن ميزانية السلطة تعتمد بدورها على المنح والهبات الدولية المرتبطة عادة بمشروع التسوية، بالإضافة إلى عوائد الضرائب التي يتحكم بها الاحتلال.
لذا فقد أضحى الفلسطينيون مكبلين بأغلال اقتصادية تزيد من تقييد حركتهم الوطنية. فقبل أوسلو كانت شرائح كبيرة من سكان الضفة تعتمد على الاقتصاد الزراعي وبشكل أقل الاقتصاد الصناعي اللذان يمثلان نواة لاستقلالية نسبية عن الاحتلال ومشروع التسوية. أما اليوم، فالمعضلة متجذرة فأي عمل مقاوم سيعني وقوع ضرر مباشر على مصدر رزق المجتمع.
ثالثا: غياب التوافق الوطني والفصائلي
فشلت الفصائل الفلسطينية جميعا في بلورة مشروع وطني موحد تتعاون في إنجازه قوى العمل الوطني المختلفة. فعلى مدى سنوات الانقسام الماضية كانت الجهود الفلسطينية مبعثرة ولا تصب في اتجاه واحد يعاكس سياسات الاحتلال. وبدا أن بعض الفصائل غير جادة في مقاومة الاحتلال، فبدل أن تكون عاملا مساعدا في توفير حاضنة للمقاومة كانت عامل إضعاف لها.
فعلى مدى سنوات الانقسام عملت السلطة على ضرب الحاضنة الأساسية لعمل الفصائل الاسلامية في الضفة الغربية عبر تقييد المساجد وإبعاد عناصر المقاومة الاسلامية عنها. كما لاقى العمل الطلابي في الجامعات مصيرا شبيها مما أضعف سائر فصائل العمل الوطني –إسلاميين ويساريين وغيرهم- وحرمها من منبع مهم للموارد البشرية.
هذه الجهود، مضافا إليها نفور كثير من الشباب عن الفصائل قاطبة بسبب الانقسام، أفرزت بيئة جديدة عزلت المقاومة عن حاضنتها الشعبية. فوصل الأمر في مرحلة معينة إلى اقتصار العمل المقاوم على نخب محدودة من النشطاء وأهالي الأسرى والشهداء بينما بقيت جهود الكثير من الفصائل كامنة.
ولعل الغياب الأوضح للغطاء الفصائلي والوطني عن المقاومة يتجلى في مشهد العمل العسكري المقاوم. فقد اقتصرت الجهود على بعض الاشتباكات المحدودة مع العدو من قبل كوادر بعض الفصائل أو المبادرات الفردية التي أخذت حيزا واسعا في الفترة الاخيرة وخصوصا في القدس (من المهم هنا الإشارة إلى أن القدس منفصلة تقريبا عن الضفة وظروفها مختلفة رغم موقعها الجغرافي بسبب عوامل الحصار والاستيطان). ولولا العمليات الفدائية التي تصاعدت مؤخرا في القدس لكانت الممارسات الاسرائيلية أكثر شدة وخطورة.
الحل السحري!
لا يوجد حل سحري لأزمة المقاومة في الضفة، كما يستحيل النجاح بعلاج أوضاع تشكلت على مدى أكثر من عقد عبر الصعقة الكهربائية! فالمأمول للضفة الغربية ومنها ليس مجرد استعادة أوضاعها إلى ما كانت عليه في فترة الانتفاضة الثانية، وإنما الهدف هو تحريرها بالكامل وخلق قاعدة مناسبة فيها لتحرير باقي الوطن.
لذا فإن المرجو في هذه الفترة هو التخطيط المحكم والعمل المتأني العميق لإعادة تشكيل الأوضاع في الضفة، مع عدم تفويت أي فرصة سانحة لضرب الاحتلال وإضعافه أمنيا أو سياسيا أو اقتصاديا. ومن الضروري أن تكون خطط وآليات العمل قادرة على علاج جذور الأزمة جميعها، ما ذكر منها وما لم يذكر، وتوفير حلول خلاقة لها. ورغم قناعتي التامة بأن المشروع الصهيوني يحمل جذور انهياره في داخله –لاستحالة استمرار مجتمع متطرف بالحياة- فإن المطلوب منا جميعا هو تسريع هذا الانهيار!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية