أزمة مالية أم مأزق سياسي!
لمى خاطر
لم تبدأ الأزمة منذ أن قررت إسرائيل تحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية لسداد ديونها، ولا منذ قررت قيادة السلطة التوجّه إلى الأمم المتحدة للحصول على صفة مراقب غير عضو، بل منذ أن صدّقنا كفلسطينيين أن الدولة يمكن أن تبنى وهي محتلة، وأن الرخاء والتطور والظفر بدولة المؤسسات ممكن قبل التحرير، وأن الأولويات الوطنية الأخرى قابلة للتأجيل لصالح تطوير النظم الإدارية الداخلية وتوسيع قطاع الموظفين وتعزيز الأجهزة الأمنية بالمزيد من العناصر والإنشاءات!
لماذا غضّت السلطة طرفها لهذه الدرجة عن التبعات المترتبة على إمساك الاحتلال بشريان حياتها ومصادر تمويلها؟! ولماذا غامرت هكذا مغامرة وهي تعلم أن الأمر سيلزمها بأن توجّه سياساتها المختلفة وفق مزاج المحتل، وبما لا يتجاوز السقوف التي يحددها هو؟ ولماذا بقي خطاب السلطة يتحدث عن الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وعن تمسكها بالثوابت، فيما كانت تدرك أنها مجرد كيان وظيفي لا يحقّ له أن يتكلم أكثر مما يجب في الخيارات وهوامش المناورة؟!
ها هي السلطة اليوم تجرب تبعات امتناع إسرائيل عن دفع المستحقّات الضريبية، وها هي تشاهد كيف أنها ستقف عاجزة عن دفع رواتب الموظفين ما لم تلجأ للاقتراض من البنوك، فلماذا ضخمت سابقاً أجهزتها الإدارية والأمنية، ولماذا تناست أن حالة الرخاء ستكون مؤقتة، لأنه رخاء موهوم يستند إلى نظرية السلام الاقتصادي الذي روّج له نتنياهو! فهل كان الفلسطينيون بحاجة إلى مغازلة خيالهم بأوهام النظم الإدارية النزيهة والبناء الأمني المتين حتى يصدّقوا أكذوبة بناء الدولة ويتحولوا عن خيار المقاومة؟
لا ندري إن كانت السلطة الفلسطينية قد أعدت نفسها لمثل هذا اليوم، ولا إن كانت بدائلها حاضرة لطرحها أو التلويح بها، بل لا ندري إن كانت هي معنية بإدامة أجواء الأزمة في الأراضي الفلسطينية لصرف الجمهور عن التفكير خارج حدود ثقافة الراتب، أم أنها فعلاً متضررة من تصاعد حالة الاحتقان والغليان في الضفة وفي صفوف الموظفين تحديدا، وتحسب حساب الشهور القادمة حين تتفاقم الأزمة وتزداد تعقيدا وتتراكم مسؤوليات السلطة وتغدو عاجزة عن أداء واجباتها!
ولكن في كلّ الأحوال، فإن السلطة اليوم في وضع لا تحسد عليه، فلا هي أنجزت شيئاً على الصعيد السياسي، ولا نجحت في تحقيق وعود الرفاه والرخاء، ولا تبدو قادرة على النزول عن شجرة التسوية التي صعدت إليها، فيما تركّز إنجازها الوحيد في المجال الأمني، أي توفير الأمن للمحتل وإجهاض جميع محاولات مقاومته في الضفة. ولعل من يسير في شوارع الضفة ويستمع إلى حديث عامة الناس سيسمع تساؤلات عن جدوى التوجه إلى الأمم المتحدة، وعن فائدة الدولة التي قالت قيادة السلطة إنها جلبتها لشعبها، فما من شيء تغير على الأرض، وبدل أن ينعم الفلسطينيون بانفراجة، ولو قصيرة، تضاعفت أحوالهم سوءا، وعاد حديث الرواتب وأزمة السلطة يشغل أوقاتهم!
ومع كل هذه الأزمات؛ لا تبدو قيادة السلطة معنية بخروج شجاع منها، أو ببحث جدي عن آليات ناجعة لمواجهتها، وكأنها تدرك تماماً أنه ليس مسموحاً لها أن تتجاوز ما هو مرسوم لدورها حتى في سياق بحثها عن حلول للأزمة، ويبدو أنها ما زالت تراهن على تدّخل دولي يخلّصها من ورطتها، أو على تراجع الاحتلال عن سياساته المالية الأخيرة، وكل هذا لأن السلطة توقن أن انهيارها غير مطلوب إسرائيلياً أو دوليا، ولذلك فهي لا تستشعر الخطر، ولا تبدو مكترثة بالموظّف الذي هو وقود هذه الأزمة، ويُراد منه أن يظلّ كذلك، وأن يوقن أن مصيره ومستقبله مرهون بالسلطة أولاً وأخيرا، مع كلّ ما يتطلّبه ذلك أو يترتّب عليه!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية