أسئلة الحرب والانتفاضة: المقاومة والمجتمع
ساري عرابي
تتصاعد عمليات الفلسطينيين التي تهدف إلى قتل جنود ومستوطنين صهاينة؛ مع تصاعد المواجهات التي تجري في القدس المحتلة وأحيائها؛ فقد أعلنت قوات الاحتلال مساء يوم الإثنين الموافق للعاشر من شهر تشرين الثاني الجاري، عن وقوع عملية دعس وطعن مزدوجة نفذها فلسطيني قرب مستوطنة "غوش عتصيون" الواقعة في جنوب الضفة الغربية، وقد اعتقل منفذها بعد إصابته بجراح خطيرة، وذلك بعد عملية طعن أخرى سبقتها في نفس اليوم، واستهدفت جنديًا صهيونيًا في محطة القطارات بمدينة "تل ابيب" المحتلة، نفذها شاب فلسطيني، اعتقل إثر العملية، تسلل من مدينة نابلس في الضفة الغربية إلى أرضنا المحتلة عام ١٩٤٨.
وهذه هي العملية السادسة من هذا النمط في أقل من شهر (١٩ يومًا)؛ منذ عملية الدعس التي نفذها الشهيد المقدسي عبد الرحمن الشلودي في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وتلتها عملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد معتز حجازي وحاول فيها اغتيال الحاخام الصهيوني "يهودا غليك"، ثم عملية الدعس التي نفذها الشهيد المقدسي إبراهيم عكاري في حي الشيخ جراح أيضًا.
أما العملية الرابعة، والتي تضاربت بشأنها المعلومات إن كانت حادثًا عرضيًا أو عملية دعس متعمدة، فقد وقعت على مدخل مخيم العروب بمدينة الخليل المحتلة، واعتقل منفذها لاحقًا والذي اتضح أنه من إحدى بلدات محافظة الخليل.
ثمة مجموعة من الملاحظات حول هذه العمليات، نحاول أن ندرجها في سياق علاقة المجتمع الفلسطيني بالمقاومة المسلحة:
أولاً- رغم انتماء بعض منفذي هذه العمليات إلى الفصائل الفلسطينية، كما في حالة الشهيدين عبد الرحمن الشلودي، وإبراهيم عكاري، اللذين ينتميان لحركة حماس، والشهيد معتز حجازي الذي تبنته حركة الجهاد الإسلامي، في حين ادعى الاحتلال أن منفذ عملية الطعن في تل أبيب مؤيد لحركة حماس، بينما تشير المعلومات إلى أن منفذ العملية المزدوجة قرب مستوطتة "غوش عتصيون" ينتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي، فإن الظاهر من استقراء هذا النمط من العمليات، أن تكون بمبادرات فردية، لا بتعليمات تنظيمية.
ثانيًا- ورغم حالة النضال الشعبي المتواصلة في القدس المحتلة، والتي تلجأ إلى الأساليب النضالية البسيطة المستدعاة من زمن الانتفاضة الأولى، فإن تطور المواجهات من رمي الحجارة إلى محاولة إيقاع خسائر أكبر في جنود ومستوطني العدو بالوسائل المتاحة، يعني أن السعي إلى المقاومة المسلحة لم يكن خيارًا حزبيًا مفروضًا على المجتمع الفلسطيني، وإنما هو خيار شعبي يبحث في تطوير ممكناته.
ثالثًا- من الواضح مستوى التداخل بين المقاومة الشعبية العفوية، وتلك المنظمة، ما يثبت خطأ فرضية (ثنائية المجتمع والمقاومة) التبسيطية والمخلة والتي تفضي إلى جملة من النتائج الخاطئة، من قبيل افتراق خيارات المجتمع عن خيارات المقاومة المسلحة، أو تصور إمكان اجتراح انتفاضة شعبية وضبطها في إطار المقاومة المدنية العزلاء، ففي هذه العمليات الأخيرة التي نرصدها، يتضح أن العمليات ذات الطابع العنيف/ المسلح (دعس، إطلاق نار، طعن) تأتي بمبادرات فردية لا بخيارات حزبية فوقية، وهو ما يعني أن الفصائل ليست قادرة بالضرورة على حصر النضال الفلسطيني في إطار محدد، فالأمر لا يتعلق بإرادة الفصائل، بل بصيرورة طبيعية تتداخل فيها العفوية الجماهيرية بالمبادرة الفردية بالجهود التنظيمية بالظروف الموضوعية والإمكانات المتاحة.
رابعًا- تبدو الأحداث المتصاعدة في القدس أقرب إلى الفعل المجتمعي الواسع الذي يتميز بالتنظيم الذاتي، والعفوية الجماهيرية، التي تنتج بدورها المبادرات الفردية العنفية/ المسلحة، والمؤهلة لإفراز حالة تنظيمية موجِّهة، بينما لا تزال الضفة الغربية بواسطة بعض الأوساط التنظيمية، وبالتحديد حركة حماس، تحاول مدَّ المواجهة مع الاحتلال إليها دون القدرة على الوصول إلى مستوى الأحداث في القدس، لفارق موضوعي جوهري، وهو وجود السلطة الفلسطينية التي تمنع تمدد الأحداث من القدس إلى الضفة، أما في القدس فإن الشعب الفلسطيني في مواجهة مباشرة مع الاحتلال لانعدام العازل الفلسطيني. وإدراك هذا الفارق الموضوعي يفرض على كل من يدعو إلى اعتماد خيار المواجهة الشعبية العزلاء مع العدو أن يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي أملاها وجود السلطة الفلسطينية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.
خامسًا- ومع أن الضفة الغربية الألصق بالقدس لا تزال متخلفة عن الوصول إلى مستوى الأحداث في القدس، للسبب المذكور في الملاحظة الرابعة، فإنها لم تتخلف عن محاولة النكاية بالاحتلال بما هو متاح، كما حصل في عملية "تل أبيب" التي نفذها شاب من نابلس، وعملية "غوش عتصيون" التي نفذها شاب من الخليل.
هذه الملاحظات المنبثقة عن هذه العمليات تجيب على الكثير من الادعاءات التي ظهرت أثناء حرب (العصف المأكول) عن خضوع المجتمع الفلسطيني لخيارات المقاومة المسلحة بإرادة فصائلية فوقية، لا باختيار مجتمعي طبيعي، دون أن تأخذ تلك الادعاءات هذه المقاومة الموجودة في قطاع غزة في سياق تطور النضال الفلسطيني منذ انتفاضة الأقصى تحديدًا، والتي بدأت بمواجهات شعبية اختلط فيها العفوي بالتنظيمي، حينما كانت تنطلق المواجهات في الأساس من الجامعات بتنظيم الكتل الطلابية، أو من المساجد بتنظيم الفصائل، ثم تطورت بمبادرات فردية، وتنظيمية، وضغط شعبي، إلى حالة مقاومة مسلحة، انتهت من الضفة بعد حملها السور الواقي، واستمرت في غزة إلى اليوم، تمامًا كما أنتجت الانتفاضة الشعبية الأولى عملاً مسلحًا دون أن يكون على حساب البعد الشعبي والجماهيري، إلا أن الفارق بين الانتفاضتين يتمثل في وجود احتلالي مباشر أثناء الانتفاضة الأولى سهل الاصطدام الشعبي به ووفر له إمكانات استمراره، بينما وجود السلطة الفلسطينية أثناء الانتفاضة الثانية بعد انسحاب الاحتلال وفقًا لاتفاق أوسلو من المناطق (أ) جعل فرص الاصطدام الشعبي بالاحتلال أضعف، إضافة إلى تذرع الاحتلال بوجود السلطة لتسويغ عنفه في مواجهة الفعاليات الشعبية المنطلقة من أراضي السلطة.
من ناحية أخرى، فإن هذه الأحداث التي تنتظم فيها المواجهات الشعبية بالعمليات النوعية ذات الطابع الهجين (عمليات فردية يقوم بها منتمون للفصائل)، تبين عمق التداخل في العوامل التي تؤثر في مسار حركة النضال الفلسطيني، فإن عملية فردية واحدة، من شأنها أن تغير في مجرى الأحداث بصورة كبيرة، دون أن يكون الأمر متعلقًا بإرادة الفصائل.
وقبل ذلك وبعده؛ فإن الفصل بين المقاومة المسلحة والمجتمع، بما يفترض أن المجتمع وحده هو الذي يدفع أثمان المقاومة المسلحة، يقوم على رؤية تبسيطية اختزالية لا تتوفر على تصور صحيح، ذلك لأن المقاومة في الأساس حالة انبثاق مجتمعي، فرضتها طبيعة الصراع مع الاحتلال، وخضعت لصيرورة تطور حكمتها مجموعة متداخلة من العوامل، وهذه المقاومة سابقة على قيام السلطة الفلسطينية وعلى وجود حكومات في كل من الضفة وغزة، ما يعني أنها الأصل المستمر الذي طرأ عليه طارئ وهو قيام السلطة الفلسطينية، وما سوى هذه القراءة يسقط في فخ اللحظة وكأن السلطة هي الأصل والمقاومة هي الطارئ.
وما دامت المقاومة سابقة على وجود السلطة، فهذا يعني أنها حالة مجتمعية بامتياز، وليست حالة دولاتية ولا سلطوية ولا حكومية.
وهذا يعني من الناحية النظرية؛ أن الثمن يدفعه الجميع، وليس طرفًا دون آخر، ما دامت المقاومة ابنة المجتمع، لأن هذه الثنائية متوهمة أكثر مما هي حقيقة، وهذا بصرف النظر عن نقاش الثمن والكلفة، والدور الذي ينبغي أن يتحمله المجتمع في النضال، إلا أن الناحية الفعلية تدحض تصورات هذه الثنائية، فالمقاتلون في غزة والمنتمون إلى الفصائل المقاومة يدفعون ثمن مقاومتهم من أعمارهم وأسرهم وبيوتهم ومصالحهم، وليس مفهومًا استهجان أن يشاركهم بقية الناس في تحمل تبعات المقاومة، بينما في الضفة الغربية تكاد تقتصر اجراءات الاعتقال والمنع من السفر على المنتمين لفصائل المقاومة تحديدًا.
* ملاحظة: لفظ "دعس" للدلالة على وطأ جنود ومستوطني الاحتلال بالسيارات، هو لفظ فصيح، ويناسب هذا المقام.
ساري عرابي
تتصاعد عمليات الفلسطينيين التي تهدف إلى قتل جنود ومستوطنين صهاينة؛ مع تصاعد المواجهات التي تجري في القدس المحتلة وأحيائها؛ فقد أعلنت قوات الاحتلال مساء يوم الإثنين الموافق للعاشر من شهر تشرين الثاني الجاري، عن وقوع عملية دعس وطعن مزدوجة نفذها فلسطيني قرب مستوطنة "غوش عتصيون" الواقعة في جنوب الضفة الغربية، وقد اعتقل منفذها بعد إصابته بجراح خطيرة، وذلك بعد عملية طعن أخرى سبقتها في نفس اليوم، واستهدفت جنديًا صهيونيًا في محطة القطارات بمدينة "تل ابيب" المحتلة، نفذها شاب فلسطيني، اعتقل إثر العملية، تسلل من مدينة نابلس في الضفة الغربية إلى أرضنا المحتلة عام ١٩٤٨.
وهذه هي العملية السادسة من هذا النمط في أقل من شهر (١٩ يومًا)؛ منذ عملية الدعس التي نفذها الشهيد المقدسي عبد الرحمن الشلودي في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وتلتها عملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد معتز حجازي وحاول فيها اغتيال الحاخام الصهيوني "يهودا غليك"، ثم عملية الدعس التي نفذها الشهيد المقدسي إبراهيم عكاري في حي الشيخ جراح أيضًا.
أما العملية الرابعة، والتي تضاربت بشأنها المعلومات إن كانت حادثًا عرضيًا أو عملية دعس متعمدة، فقد وقعت على مدخل مخيم العروب بمدينة الخليل المحتلة، واعتقل منفذها لاحقًا والذي اتضح أنه من إحدى بلدات محافظة الخليل.
ثمة مجموعة من الملاحظات حول هذه العمليات، نحاول أن ندرجها في سياق علاقة المجتمع الفلسطيني بالمقاومة المسلحة:
أولاً- رغم انتماء بعض منفذي هذه العمليات إلى الفصائل الفلسطينية، كما في حالة الشهيدين عبد الرحمن الشلودي، وإبراهيم عكاري، اللذين ينتميان لحركة حماس، والشهيد معتز حجازي الذي تبنته حركة الجهاد الإسلامي، في حين ادعى الاحتلال أن منفذ عملية الطعن في تل أبيب مؤيد لحركة حماس، بينما تشير المعلومات إلى أن منفذ العملية المزدوجة قرب مستوطتة "غوش عتصيون" ينتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي، فإن الظاهر من استقراء هذا النمط من العمليات، أن تكون بمبادرات فردية، لا بتعليمات تنظيمية.
ثانيًا- ورغم حالة النضال الشعبي المتواصلة في القدس المحتلة، والتي تلجأ إلى الأساليب النضالية البسيطة المستدعاة من زمن الانتفاضة الأولى، فإن تطور المواجهات من رمي الحجارة إلى محاولة إيقاع خسائر أكبر في جنود ومستوطني العدو بالوسائل المتاحة، يعني أن السعي إلى المقاومة المسلحة لم يكن خيارًا حزبيًا مفروضًا على المجتمع الفلسطيني، وإنما هو خيار شعبي يبحث في تطوير ممكناته.
ثالثًا- من الواضح مستوى التداخل بين المقاومة الشعبية العفوية، وتلك المنظمة، ما يثبت خطأ فرضية (ثنائية المجتمع والمقاومة) التبسيطية والمخلة والتي تفضي إلى جملة من النتائج الخاطئة، من قبيل افتراق خيارات المجتمع عن خيارات المقاومة المسلحة، أو تصور إمكان اجتراح انتفاضة شعبية وضبطها في إطار المقاومة المدنية العزلاء، ففي هذه العمليات الأخيرة التي نرصدها، يتضح أن العمليات ذات الطابع العنيف/ المسلح (دعس، إطلاق نار، طعن) تأتي بمبادرات فردية لا بخيارات حزبية فوقية، وهو ما يعني أن الفصائل ليست قادرة بالضرورة على حصر النضال الفلسطيني في إطار محدد، فالأمر لا يتعلق بإرادة الفصائل، بل بصيرورة طبيعية تتداخل فيها العفوية الجماهيرية بالمبادرة الفردية بالجهود التنظيمية بالظروف الموضوعية والإمكانات المتاحة.
رابعًا- تبدو الأحداث المتصاعدة في القدس أقرب إلى الفعل المجتمعي الواسع الذي يتميز بالتنظيم الذاتي، والعفوية الجماهيرية، التي تنتج بدورها المبادرات الفردية العنفية/ المسلحة، والمؤهلة لإفراز حالة تنظيمية موجِّهة، بينما لا تزال الضفة الغربية بواسطة بعض الأوساط التنظيمية، وبالتحديد حركة حماس، تحاول مدَّ المواجهة مع الاحتلال إليها دون القدرة على الوصول إلى مستوى الأحداث في القدس، لفارق موضوعي جوهري، وهو وجود السلطة الفلسطينية التي تمنع تمدد الأحداث من القدس إلى الضفة، أما في القدس فإن الشعب الفلسطيني في مواجهة مباشرة مع الاحتلال لانعدام العازل الفلسطيني. وإدراك هذا الفارق الموضوعي يفرض على كل من يدعو إلى اعتماد خيار المواجهة الشعبية العزلاء مع العدو أن يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي أملاها وجود السلطة الفلسطينية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.
خامسًا- ومع أن الضفة الغربية الألصق بالقدس لا تزال متخلفة عن الوصول إلى مستوى الأحداث في القدس، للسبب المذكور في الملاحظة الرابعة، فإنها لم تتخلف عن محاولة النكاية بالاحتلال بما هو متاح، كما حصل في عملية "تل أبيب" التي نفذها شاب من نابلس، وعملية "غوش عتصيون" التي نفذها شاب من الخليل.
هذه الملاحظات المنبثقة عن هذه العمليات تجيب على الكثير من الادعاءات التي ظهرت أثناء حرب (العصف المأكول) عن خضوع المجتمع الفلسطيني لخيارات المقاومة المسلحة بإرادة فصائلية فوقية، لا باختيار مجتمعي طبيعي، دون أن تأخذ تلك الادعاءات هذه المقاومة الموجودة في قطاع غزة في سياق تطور النضال الفلسطيني منذ انتفاضة الأقصى تحديدًا، والتي بدأت بمواجهات شعبية اختلط فيها العفوي بالتنظيمي، حينما كانت تنطلق المواجهات في الأساس من الجامعات بتنظيم الكتل الطلابية، أو من المساجد بتنظيم الفصائل، ثم تطورت بمبادرات فردية، وتنظيمية، وضغط شعبي، إلى حالة مقاومة مسلحة، انتهت من الضفة بعد حملها السور الواقي، واستمرت في غزة إلى اليوم، تمامًا كما أنتجت الانتفاضة الشعبية الأولى عملاً مسلحًا دون أن يكون على حساب البعد الشعبي والجماهيري، إلا أن الفارق بين الانتفاضتين يتمثل في وجود احتلالي مباشر أثناء الانتفاضة الأولى سهل الاصطدام الشعبي به ووفر له إمكانات استمراره، بينما وجود السلطة الفلسطينية أثناء الانتفاضة الثانية بعد انسحاب الاحتلال وفقًا لاتفاق أوسلو من المناطق (أ) جعل فرص الاصطدام الشعبي بالاحتلال أضعف، إضافة إلى تذرع الاحتلال بوجود السلطة لتسويغ عنفه في مواجهة الفعاليات الشعبية المنطلقة من أراضي السلطة.
من ناحية أخرى، فإن هذه الأحداث التي تنتظم فيها المواجهات الشعبية بالعمليات النوعية ذات الطابع الهجين (عمليات فردية يقوم بها منتمون للفصائل)، تبين عمق التداخل في العوامل التي تؤثر في مسار حركة النضال الفلسطيني، فإن عملية فردية واحدة، من شأنها أن تغير في مجرى الأحداث بصورة كبيرة، دون أن يكون الأمر متعلقًا بإرادة الفصائل.
وقبل ذلك وبعده؛ فإن الفصل بين المقاومة المسلحة والمجتمع، بما يفترض أن المجتمع وحده هو الذي يدفع أثمان المقاومة المسلحة، يقوم على رؤية تبسيطية اختزالية لا تتوفر على تصور صحيح، ذلك لأن المقاومة في الأساس حالة انبثاق مجتمعي، فرضتها طبيعة الصراع مع الاحتلال، وخضعت لصيرورة تطور حكمتها مجموعة متداخلة من العوامل، وهذه المقاومة سابقة على قيام السلطة الفلسطينية وعلى وجود حكومات في كل من الضفة وغزة، ما يعني أنها الأصل المستمر الذي طرأ عليه طارئ وهو قيام السلطة الفلسطينية، وما سوى هذه القراءة يسقط في فخ اللحظة وكأن السلطة هي الأصل والمقاومة هي الطارئ.
وما دامت المقاومة سابقة على وجود السلطة، فهذا يعني أنها حالة مجتمعية بامتياز، وليست حالة دولاتية ولا سلطوية ولا حكومية.
وهذا يعني من الناحية النظرية؛ أن الثمن يدفعه الجميع، وليس طرفًا دون آخر، ما دامت المقاومة ابنة المجتمع، لأن هذه الثنائية متوهمة أكثر مما هي حقيقة، وهذا بصرف النظر عن نقاش الثمن والكلفة، والدور الذي ينبغي أن يتحمله المجتمع في النضال، إلا أن الناحية الفعلية تدحض تصورات هذه الثنائية، فالمقاتلون في غزة والمنتمون إلى الفصائل المقاومة يدفعون ثمن مقاومتهم من أعمارهم وأسرهم وبيوتهم ومصالحهم، وليس مفهومًا استهجان أن يشاركهم بقية الناس في تحمل تبعات المقاومة، بينما في الضفة الغربية تكاد تقتصر اجراءات الاعتقال والمنع من السفر على المنتمين لفصائل المقاومة تحديدًا.
* ملاحظة: لفظ "دعس" للدلالة على وطأ جنود ومستوطني الاحتلال بالسيارات، هو لفظ فصيح، ويناسب هذا المقام.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية