أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(4-5)
سري سمّور
ثالثا:نجاح تجارب أخرى:-
ومما زهّد الإسلاميين في التجارب الإسلامية القائمة على الإعلان الرسمي الصريح عن الهوية الإسلامية، والتي تتخذ إجراءات على الأرض تتعلق بتطبيق بعض أحكام الشريعة، وجود تجارب أخرى نجحت دون ذلك، وهي تحسب على المشروع الإسلامي، ومنها تجربة ماليزيا والتجربة التركية الصاعدة، وقد كان للثانية نصيب أكبر من الاهتمام، نظرا للعلاقات التاريخية، والجوار مع العرب، وتحمّس المحبطون من التجارب السابقة لها، وبدؤوا يتبنون خطابا فكريا جديدا موائما لها في محاولة لاستنساخها.
فماليزيا دولة آسيوية من مجموعة النمور، ومع أن 40% من سكانها ليسوا مسلمين، إلا أن ثمة تعايش داخلي، وتطور ونمو اقتصادي، واستقرار أمني...ولكن ماليزيا ما زالت متأثرة بكونها مستعمرة بريطانية سابقة، وهي عضو في الكومنولث، وخصائصها الثقافية تختلف عن الدول العربية والإسلامية الأخرى، حتى مع كونها عضوا في منظمة التعاون الإسلامي.
أما تركيا التي أصبحت منذ بضع سنين مصدر إلهام لكل الطامحين إلى مشروع إسلامي ناجح، فلا ننسى أنها عضو في حلف الناتو، ولا ننسى أن وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو صرح بعدم إمكانية استنساخ تجربتها، ولا ننسى أن العلمانيين هناك سكتوا عشرة أعوام كانت كافية كي يشتد عود التجربة، وأنها لم تتعرض لحصار وعقوبات، وأن التجربة مرت بمراحل عدة خلال سنوات طويلة، وأن أوروبا والغرب، وإن كانوا يتخوفون من الإسلاميين إلا أنهم ضد فكرة الانقلاب العسكري التي باركوها سابقا، كما أن تركيا تعتمد على أن تصبح قوة اقتصادية ناجحة أهم من الأمور الأخرى.
التنظير والتبشير بالتجربة التركية أخشى أن ينقلب إلى ضده؛ فمن الطبيعي تشجيع التجربة ومباركتها، ولكن اعتبارها أنموذجا يحتذى، وضالة وجدها الإسلاميون بعد صراع طويل فتلك سذاجة يقع فيها حتى مفكرون، وأكرر هنا ضرورة التروّي وعدم التسرّع...ولا يمكن بسهولة تغيير ثقافة عمرها عشرات السنين قامت على ضرورة إقامة دولة إسلامية تشربتها كل القواعد الحركية، وإلا حدث انسلاخ بين فكر النخبة وفكر القاعدة الحركية.
رابعا:عدم دفاع الناس عن خياراتهم:-
مع أن العديد من المفكرين الإسلاميين نبهوا إلى أن الناس لهم حدود يقفون عندها، واستعدادهم للتضحية من أجل خياراتهم أو الناس والأشخاص الذين أحبوهم ضئيل غالبا، إلا أن هذه الحقيقة تغيب؛ فننسى أن الحسين بن علي سبط الحبيب –عليهم السلام- قتل ومثّل في جثته ولم تتحرك الأمة، وابن تيمية مشى في جنازته 50 ألفا على أقل تقدير كان مئات منهم يستطيعون إخراجه من القلعة المحبوس فيها.
الإسلاميون أحبطوا وهم يرون الجنرالات في الجزائر ينقلبون على خيار الشعب، فيما لم يخرج من صوّتوا لجبهة الإنقاذ لوقف المهزلة، وأحبطوا وهم يرون نجم الدين أربكان يسجن دون حراك شعبي لإنقاذه، وأحبطوا حين رأوا أن قادتهم الذين يفوزون بمقاعد في البرلمانات والنقابات لا يجدون أنصارا يقتحمون السجون لتحريرهم، أو يضربون عن العمل أو الدراسة في سبيل ذلك...الإحباط سيد الموقف من الجمهور، وفي المقابل ثمة ثقة بالأدوات التنفيذية البشرية والقانونية، فالقوة مكنت أردوغان من جرّ كنعان إيفرن إلى المحكمة، وقبله مكنت الخميني من حسم الصراع مع الشيوعيين والليبراليين، واليوم نرى اختبارا مماثلا في مصر وغيرها...ولكن عدم التفاف الناس حول خيارهم الديموقراطي يضعف الهمة ويسقط في روع العاملين أن الناس ليسوا جادين في إقامة المشروع الإسلامي، أو لا يريدون التضحية.
خامسا:الشعور الخفي بالفشل أمام استقرار الغرب:-
احتكاك الإسلاميين بالغرب، وأعني هنا أمريكا الشمالية، وأوروبا خاصة الدول الاسكندنافية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، سواء مباشرة، أو عبر وسائل الاتصالات الكثيرة، كان أحيانا محكوما، بنظرة فيها استعلاء وغضب، انطلاقا من دوافع عقائدية، ونفورا من مظاهر سلوكية غربية يحرّمها الإسلام قطعيا، كالحريات الجنسية، وأيضا لأن الغرب يجسّد الاستعمار العسكري القديم، وما له من ذكريات أليمة في العالم العربي والإسلامي، ولأنه الداعم لأنظمة الاستبداد، والحائل القوي لقيام مشروع إسلامي ناجح، عبر أداوته المختلفة الناعمة والخشنة.
ولكن بمرور الوقت ظهر من الإسلاميين فريق يرى العيب في المسلمين لا في الغرب، وأخذوا ينظرون إلى حسنات ومزايا الغرب، والتي حتى انتفع منها المسلمون:-
1) فالغرب فتح أبوابه للإسلاميين الفارين من جحيم أبناء جلدتهم، وسمح لهم بطرح أفكارهم، وضمن لهم معيشة كريمة، وفرتها الدول التي استقروا بها من دافع الضرائب، فيما في بلدانهم سجنوا وعذّبوا وقطعت أرزاقهم.
2) والغرب تسوده قيم ديموقراطية وفيه تداول للسلطة بسلاسة، بلا انقلابات عسكرية ولا التفاف على نتائج الإنتخابات....مثلما نرى في مصر مثلا.
3) والغرب يتعرض فيه الحاكم للنقد الحاد الجارح، من قبل الصحافة ومن يريد من المواطنين، دون أن يتعرض لأي مساءلة، فيما هناك حالة تأليه وعبودية فرد في بلاد العرب والمسلمين.
4) وأجهزة الأمن في الغرب مهمتها حماية المواطن وحراسة القانون والدستور، وليس حماية حزب أو عائلة أو فرد حاكم، بعكس الحالة في البلاد التي فرّ الإسلاميون منها.
5) وفي الغرب، الذي يفترض أنه كافر، يجد المسلم علاجا لأمراضه، ورعاية صحية لا يجد مثلها في بلده، حيث أصبحت حياة الإنسان وصحته رخيصة.
6) والغرب يقطع أشواطا في المخترعات المختلفة التي تسهل حياة الإنسان، فيما العرب والمسلمون منذ قرون لم يقدموا للإنسانية أي مخترع ذي قيمة تذكر؛ فالغرب اخترع ما يسهل المواصلات بين الأقطار والأمصار مثل السيارات والطائرات، وما يسهل الاتصال مثل الهواتف بشتى أنواعها، وخدمات الإنترنت، فيما ينشغل العرب بالتذكير بأمجادهم الغابرة أيام كانوا هم أهل العلم والمعرفة، ونسوا أن الغرب سبقهم بمئات السنوات الضوئية.
7) ومع اختلاف اللغات وتاريخ الحروب الدامي فإن الدول الغربية أنشأت نظما للوحدة الاقتصادية والعسكرية وصولا إلى السياسية، فيما لم تنجح مشاريع الوحدة العربية بل قسمت بلاد العرب تقسيمات جديدة.
8) وفي الغرب يتعايش أهل الأديان والقوميات المختلفة، ويعيش في البلاد الغربية أجناس لهم لغات مختلفة وعادات وتقاليد متنوعة، تحت سقف نظام واحد ولا تحدث بينهم حروب ولا نزاعات، بينما هم أنفسهم لو كانوا في بلد عربي أو مسلم لرفعوا على بعضهم السلاح.
9) والغرب ينشغل بالبحث العلمي، وينفق عليه المليارات، بينما ينشغل المسلمون في أمور فقهية جدلية، هي ليست من الأصول وربما ليست من الفروع، وبات حالهم أشبه بحال أهل القسطنطينية أثناء حصارها من جيوش العثمانيين المسلمين.
10) والغرب يوفر للعاطلين عن العمل بدل بطالة، وفيه رعاية للفقراء والضعفاء، وحتى جمعيات للرفق بالحيوان، وهي قيم إسلامية، تركها المسلمون، وهنا تنبّه الإسلاميون إلى الحديث الشريف في صحيح مسلم-كتاب الفتن وأشراط الساعة:-
«قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول ما سمعت من رسول الله قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك»
وهنا لا ننسى الأمر الأهم وهو أن مشكلات العالم العربي والإسلامي، أغلبها سببه الغرب، الذي دعم الاستبداد، وحارب أي مشروع للنهضة في بلاد العرب، وأيضا قام بجريمة إنشاء (إسرائيل) ودعمها وتقويتها...فأمام النقاط السابقة وهذه الجرائم الغربية فإن عموم الإسلاميين، أو لنقل بعض نخبهم التنظيرية، لم يسقطوا بأي حال فيما سقط فيه العلمانيون والليبراليون الذين رأوا أن الحل هو تقليد الغرب بنبذ الدين وحصره في المسجد، وفهموا أن الإباحية وتقليد الإنسان الغربي في مظهره هي شيء إيجابي يمكن أن يقود على نهضة؛ ولم يهضموا فكرة تيارات إسلامية بأن الغرب يجب أن يكون ساحة للتفجيرات والأعمال الانتقامية؛ بل نشأت حالة تعتبر أن الدولة الإسلامية قريبة من المفهوم العلماني للدولة، وأخذوا يقرؤون النصوص بطريقة تؤدي إلى هذا الغرض، ومع أنه كانت هناك ردّات فعل مناهضة لهم في البداية، إلا أنها تراجعت وبات العديد من الإسلاميين ينساقون وراءهم وتفتر عزيمتهم نظرا لما يحققه الغرب من التقدم وما تشهده بلادنا من كل ما يخطر في البال من مظاهر الفرقة والتخلف... يتبع.
سري سمّور
ثالثا:نجاح تجارب أخرى:-
ومما زهّد الإسلاميين في التجارب الإسلامية القائمة على الإعلان الرسمي الصريح عن الهوية الإسلامية، والتي تتخذ إجراءات على الأرض تتعلق بتطبيق بعض أحكام الشريعة، وجود تجارب أخرى نجحت دون ذلك، وهي تحسب على المشروع الإسلامي، ومنها تجربة ماليزيا والتجربة التركية الصاعدة، وقد كان للثانية نصيب أكبر من الاهتمام، نظرا للعلاقات التاريخية، والجوار مع العرب، وتحمّس المحبطون من التجارب السابقة لها، وبدؤوا يتبنون خطابا فكريا جديدا موائما لها في محاولة لاستنساخها.
فماليزيا دولة آسيوية من مجموعة النمور، ومع أن 40% من سكانها ليسوا مسلمين، إلا أن ثمة تعايش داخلي، وتطور ونمو اقتصادي، واستقرار أمني...ولكن ماليزيا ما زالت متأثرة بكونها مستعمرة بريطانية سابقة، وهي عضو في الكومنولث، وخصائصها الثقافية تختلف عن الدول العربية والإسلامية الأخرى، حتى مع كونها عضوا في منظمة التعاون الإسلامي.
أما تركيا التي أصبحت منذ بضع سنين مصدر إلهام لكل الطامحين إلى مشروع إسلامي ناجح، فلا ننسى أنها عضو في حلف الناتو، ولا ننسى أن وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو صرح بعدم إمكانية استنساخ تجربتها، ولا ننسى أن العلمانيين هناك سكتوا عشرة أعوام كانت كافية كي يشتد عود التجربة، وأنها لم تتعرض لحصار وعقوبات، وأن التجربة مرت بمراحل عدة خلال سنوات طويلة، وأن أوروبا والغرب، وإن كانوا يتخوفون من الإسلاميين إلا أنهم ضد فكرة الانقلاب العسكري التي باركوها سابقا، كما أن تركيا تعتمد على أن تصبح قوة اقتصادية ناجحة أهم من الأمور الأخرى.
التنظير والتبشير بالتجربة التركية أخشى أن ينقلب إلى ضده؛ فمن الطبيعي تشجيع التجربة ومباركتها، ولكن اعتبارها أنموذجا يحتذى، وضالة وجدها الإسلاميون بعد صراع طويل فتلك سذاجة يقع فيها حتى مفكرون، وأكرر هنا ضرورة التروّي وعدم التسرّع...ولا يمكن بسهولة تغيير ثقافة عمرها عشرات السنين قامت على ضرورة إقامة دولة إسلامية تشربتها كل القواعد الحركية، وإلا حدث انسلاخ بين فكر النخبة وفكر القاعدة الحركية.
رابعا:عدم دفاع الناس عن خياراتهم:-
مع أن العديد من المفكرين الإسلاميين نبهوا إلى أن الناس لهم حدود يقفون عندها، واستعدادهم للتضحية من أجل خياراتهم أو الناس والأشخاص الذين أحبوهم ضئيل غالبا، إلا أن هذه الحقيقة تغيب؛ فننسى أن الحسين بن علي سبط الحبيب –عليهم السلام- قتل ومثّل في جثته ولم تتحرك الأمة، وابن تيمية مشى في جنازته 50 ألفا على أقل تقدير كان مئات منهم يستطيعون إخراجه من القلعة المحبوس فيها.
الإسلاميون أحبطوا وهم يرون الجنرالات في الجزائر ينقلبون على خيار الشعب، فيما لم يخرج من صوّتوا لجبهة الإنقاذ لوقف المهزلة، وأحبطوا وهم يرون نجم الدين أربكان يسجن دون حراك شعبي لإنقاذه، وأحبطوا حين رأوا أن قادتهم الذين يفوزون بمقاعد في البرلمانات والنقابات لا يجدون أنصارا يقتحمون السجون لتحريرهم، أو يضربون عن العمل أو الدراسة في سبيل ذلك...الإحباط سيد الموقف من الجمهور، وفي المقابل ثمة ثقة بالأدوات التنفيذية البشرية والقانونية، فالقوة مكنت أردوغان من جرّ كنعان إيفرن إلى المحكمة، وقبله مكنت الخميني من حسم الصراع مع الشيوعيين والليبراليين، واليوم نرى اختبارا مماثلا في مصر وغيرها...ولكن عدم التفاف الناس حول خيارهم الديموقراطي يضعف الهمة ويسقط في روع العاملين أن الناس ليسوا جادين في إقامة المشروع الإسلامي، أو لا يريدون التضحية.
خامسا:الشعور الخفي بالفشل أمام استقرار الغرب:-
احتكاك الإسلاميين بالغرب، وأعني هنا أمريكا الشمالية، وأوروبا خاصة الدول الاسكندنافية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، سواء مباشرة، أو عبر وسائل الاتصالات الكثيرة، كان أحيانا محكوما، بنظرة فيها استعلاء وغضب، انطلاقا من دوافع عقائدية، ونفورا من مظاهر سلوكية غربية يحرّمها الإسلام قطعيا، كالحريات الجنسية، وأيضا لأن الغرب يجسّد الاستعمار العسكري القديم، وما له من ذكريات أليمة في العالم العربي والإسلامي، ولأنه الداعم لأنظمة الاستبداد، والحائل القوي لقيام مشروع إسلامي ناجح، عبر أداوته المختلفة الناعمة والخشنة.
ولكن بمرور الوقت ظهر من الإسلاميين فريق يرى العيب في المسلمين لا في الغرب، وأخذوا ينظرون إلى حسنات ومزايا الغرب، والتي حتى انتفع منها المسلمون:-
1) فالغرب فتح أبوابه للإسلاميين الفارين من جحيم أبناء جلدتهم، وسمح لهم بطرح أفكارهم، وضمن لهم معيشة كريمة، وفرتها الدول التي استقروا بها من دافع الضرائب، فيما في بلدانهم سجنوا وعذّبوا وقطعت أرزاقهم.
2) والغرب تسوده قيم ديموقراطية وفيه تداول للسلطة بسلاسة، بلا انقلابات عسكرية ولا التفاف على نتائج الإنتخابات....مثلما نرى في مصر مثلا.
3) والغرب يتعرض فيه الحاكم للنقد الحاد الجارح، من قبل الصحافة ومن يريد من المواطنين، دون أن يتعرض لأي مساءلة، فيما هناك حالة تأليه وعبودية فرد في بلاد العرب والمسلمين.
4) وأجهزة الأمن في الغرب مهمتها حماية المواطن وحراسة القانون والدستور، وليس حماية حزب أو عائلة أو فرد حاكم، بعكس الحالة في البلاد التي فرّ الإسلاميون منها.
5) وفي الغرب، الذي يفترض أنه كافر، يجد المسلم علاجا لأمراضه، ورعاية صحية لا يجد مثلها في بلده، حيث أصبحت حياة الإنسان وصحته رخيصة.
6) والغرب يقطع أشواطا في المخترعات المختلفة التي تسهل حياة الإنسان، فيما العرب والمسلمون منذ قرون لم يقدموا للإنسانية أي مخترع ذي قيمة تذكر؛ فالغرب اخترع ما يسهل المواصلات بين الأقطار والأمصار مثل السيارات والطائرات، وما يسهل الاتصال مثل الهواتف بشتى أنواعها، وخدمات الإنترنت، فيما ينشغل العرب بالتذكير بأمجادهم الغابرة أيام كانوا هم أهل العلم والمعرفة، ونسوا أن الغرب سبقهم بمئات السنوات الضوئية.
7) ومع اختلاف اللغات وتاريخ الحروب الدامي فإن الدول الغربية أنشأت نظما للوحدة الاقتصادية والعسكرية وصولا إلى السياسية، فيما لم تنجح مشاريع الوحدة العربية بل قسمت بلاد العرب تقسيمات جديدة.
8) وفي الغرب يتعايش أهل الأديان والقوميات المختلفة، ويعيش في البلاد الغربية أجناس لهم لغات مختلفة وعادات وتقاليد متنوعة، تحت سقف نظام واحد ولا تحدث بينهم حروب ولا نزاعات، بينما هم أنفسهم لو كانوا في بلد عربي أو مسلم لرفعوا على بعضهم السلاح.
9) والغرب ينشغل بالبحث العلمي، وينفق عليه المليارات، بينما ينشغل المسلمون في أمور فقهية جدلية، هي ليست من الأصول وربما ليست من الفروع، وبات حالهم أشبه بحال أهل القسطنطينية أثناء حصارها من جيوش العثمانيين المسلمين.
10) والغرب يوفر للعاطلين عن العمل بدل بطالة، وفيه رعاية للفقراء والضعفاء، وحتى جمعيات للرفق بالحيوان، وهي قيم إسلامية، تركها المسلمون، وهنا تنبّه الإسلاميون إلى الحديث الشريف في صحيح مسلم-كتاب الفتن وأشراط الساعة:-
«قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول ما سمعت من رسول الله قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك»
وهنا لا ننسى الأمر الأهم وهو أن مشكلات العالم العربي والإسلامي، أغلبها سببه الغرب، الذي دعم الاستبداد، وحارب أي مشروع للنهضة في بلاد العرب، وأيضا قام بجريمة إنشاء (إسرائيل) ودعمها وتقويتها...فأمام النقاط السابقة وهذه الجرائم الغربية فإن عموم الإسلاميين، أو لنقل بعض نخبهم التنظيرية، لم يسقطوا بأي حال فيما سقط فيه العلمانيون والليبراليون الذين رأوا أن الحل هو تقليد الغرب بنبذ الدين وحصره في المسجد، وفهموا أن الإباحية وتقليد الإنسان الغربي في مظهره هي شيء إيجابي يمكن أن يقود على نهضة؛ ولم يهضموا فكرة تيارات إسلامية بأن الغرب يجب أن يكون ساحة للتفجيرات والأعمال الانتقامية؛ بل نشأت حالة تعتبر أن الدولة الإسلامية قريبة من المفهوم العلماني للدولة، وأخذوا يقرؤون النصوص بطريقة تؤدي إلى هذا الغرض، ومع أنه كانت هناك ردّات فعل مناهضة لهم في البداية، إلا أنها تراجعت وبات العديد من الإسلاميين ينساقون وراءهم وتفتر عزيمتهم نظرا لما يحققه الغرب من التقدم وما تشهده بلادنا من كل ما يخطر في البال من مظاهر الفرقة والتخلف... يتبع.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية