أسرار اغتيال الشهيد الجعبري ... بقلم : د. أيمن أبو ناهية

الأحد 23 ديسمبر 2012

أسرار اغتيال الشهيد الجعبري

د. أيمن أبو ناهية

إن إقدام الكيان الصهيوني على اغتيال الشهيد أحمد الجعبري كان غدرا قبل أن يكون غباء سياسيا وتكتيكيا، وهذه هي السيرة الذاتية لليهود، لنقضهم الهدنة وقتل أصحابها، فلا عهد لهم ولا أمان، فقتلوا من أتى بالجندي جلعاد شاليط وسلمهم إياه تسليم اليد معافى ونظيفا ولم يصب بأي خدش أو أذى بعدما كان في طي النسيان مقارنة بما يفعلونه ضد أسرانا في السجون والمعتقلات، خاصة المرضى منهم المحرومين من العلاج وأما الحديث عن التعذيب والتنكيل ومنعهم من الزيارات فحدث ولا حرج. كما كان الشهيد الجعبري يسعى لتحقيق اتفاق تهدئة مع الكيان، وكان قبلها مشرفا على الضبط النفسي وتهيئته عمليا على تجميد العمل العسكري للمقاومة، والسؤال المحير لماذا إذن اغتال الكيان الصهيوني الشهيد الجعبري؟!

إن القصة الحقيقية وراء عملية جيش الاحتلال الصهيوني التي أطلق عليها ما يسمى بـ"عمود السحاب" في قطاع غزة لا تزال أسرارها غامضة وبحاجة إلى من يكشف عنها، إذ إن قرار اغتيال القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية – حماس، الشهيد الجعبري، وهو العمل الذي كان طلقة البداية في العملية العسكرية الإجرامية، اتُخذ رغم أن الشهيد الجعبري كان جزءا من المفاوضات لتوقيع وقف طويل المدى لإطلاق النار، وكان بالفعل جادا في تحقيق هذا الأمر، حيث كان الشهيد الجعبري قبل اغتياله قد تلقى مسودة اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني، وكان من المتوقع أن يأتي رده على الاتفاق بالإيجاب.

وكانت الاتصالات غير المباشرة مع الشهيد الجعبري قد استغرقت عدة أشهر عن طريق وكيل وزارة الخارجية، د. غازي حمد، وبعلم وموافقة وزير الجيش الإسرائيلي أيهود باراك. وكان الوسيط في المفاوضات والاتصالات بين الطرفين، غيرشن باسكين، الذي عمل من قبل وسيطا في صفقة إطلاق سراح الجندي الأسير شاليط، وما دفعه إلى الدخول في هذه الوساطة إلا معرفته الحقيقية والشخصية لقوة ومقدرة الشهيد الجعبري في اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية تنفيذه. بل كان تلك الثقة التي اعتمدها صانعو القرار الصهيوني، الذين كانوا يدركون جيدا دور الشهيد الجعبري في تحقيق اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، حيث كان الشهيد الجعبري الرجل القوي في قطاع غزة _وقد وصفه رئيس تحرير "هآرتس" "ألوف بن" بأنه المقاول من الباطن (لإسرائيل)، الذي كوفئ بالاغتيال.

نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا للصحافي "روفن بيداتزر" يبحث فيه عن أسباب اغتيال القائد العسكري في "حماس" الشهيد الجعبري، وأوجز ما قاله في مقاله "إن قرار اغتيال الشهيد الجعبري يدل على أن صانعي القرار في (إسرائيل) رأوا أن وقف إطلاق النار لا يصب في مصلحة (إسرائيل) في الوقت الحالي، وان مهاجمة حماس هو الأفضل بدلا من التوصل إلى اتفاق معها على فترة تهدئة، وأن اتفاقا لوقف إطلاق النار قد يسيء إلى قوة الردع الإسرائيلية ويضعف عزمها على اتخاذ القرار. وان تعزيز قوة الردع لديها، إنما يتحقق باغتيال الشهيد الجعبري، الذي كان مسئولا عن الرد ايجابيا على عرض التهدئة طويلة المدى.

وبهذه الطريقة يكون القادة الإسرائيليون قد أصابوا ثلاثة عصافير بحجر واحد: اغتالوا الرجل الذي لديه القدرة على التوصل إلى اتفاق مع (إسرائيل)، وانتقموا من شخص تسبب في كثير من الإصابات بين الإسرائيليين، وبعثوا برسالة إلى حماس أن الاتصالات معها لن تتم إلا عن طريق القوة العسكرية. ويقول إن عملية "عمود السحاب" لم تؤت الثمار التي توقعها من أشعلوها، فإن على صانعي القرار أن يجيبوا على سؤال واحد مهم: إذا كانوا يدركون انه كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق هدنة (كانت بنودها بأي حال أفضل من تلك التي تم الاتفاق عليها بعد العملية) بلا أي داع للدخول في حرب، فلماذا اغتالوا الشهيد الجعبري وبالتالي اغتالوا فرص تحقيق هدوء بلا إطلاق نار؟

ويتساءل مرة أخرى، هل يمكن أن يكون باراك ونتنياهو خشيا أن تفوتهما فرصة القيام بعملية عسكرية في نهاية مدة حكومتهما المنهارة، وهو ما دعاهما إلى إصدار الأمر باغتيال الجعبري؟ ليقوى عودهما في الانتخابات المقبلة، وحتى لا نواصل التكهن في دوافعهما، يقول الصحفي؛ فإن على رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يشرحا وجهة نظرهما وقراراتهما في قضية الجعبري".

أستشف من أقوال وأسئلة الصحفي الإسرائيلي أن اغتيال الشهيد الجعبري كانت لدواع انتخابية وتحقيق مصالح شخصية بعد أن انكشف حسبها وزيفها، فأرادت أن تجمل صورتها القبيحة وترفع رصيد أسهم شعبيتها المتدنية عشية الانتخابات الإسرائيلية، فانقلب السحر على الساحر، وأدركت مؤخرا أنها ارتكبت خطأ كبيرا بإقدامها على جريمة اغتيال القائد الكبير الشهيد الجعبري الرجل القوي والمؤثر في القرارين السياسي والعسكري ليس في حركة حماس وحدها بل جميع الفصائل الفلسطينية، وكان مقربا من القيادات والنخب السياسية الفلسطينية وصانعي القرار وكانت كلمته مسموعة عن جميع فصائل المقاومة دون استثناء ويستشار في كل الأمور والقضايا السياسية والأمنية، والذي كان غالبا ما يحتفظ برأي مستقل، وهاتان خاصيتان نادرا ما يتميز بهما أحد في حماس، وربما لا يستعاض عنه مستقبلا بشخصية قوية تتميز بتميز شخصية الشهيد الجعبري، بدليل ردة الفعل الفلسطينية بكل فصائله وأطيافه ومقاوميه وساسته التي قد فاقت توقعات الكيان بالثأر لدماء الشهيد الجعبري سياسيا وعسكريا، وكانت نتيجة الحجر الطائش أن أصاب الصقور الثلاثة الغادرة؛ أولها استقالة وزير الحرب باراك والتي ترجمت بهزيمته وجيشه أمام التفوق التكنولوجي والتكتيكي للمقاومة، وثانيها فضائح ليبرمان، وثالثها تدني شعبية نتنياهو في الانتخابات.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية