أمريكا وروسيا وإدارة الثورة السورية
بقلم: عمرو منصور
ثلاثة أخبار يمكن أن نستكشف من خلالها الواقع الحالي للثورة, وآفاق مستقبلها, الخبر الأول تصريح لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال فيه نحن لا نسعى لحسم الصراع في سوريا عسكرياً, ولكننا نسعى لتغيير ميزان القوى لدفع النظام للقبول بحل سياسي.. الخبر الثاني هو تحذير على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من فراغ يمكن أن يملأه المتشددون في حال رحيل الأسد الآن.. الخبر الثالث هو ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست بشأن وصول مجموعات جديدة من المجاهدين أكثر تشدداً لسوريا, مما يهدد استراتيجية أوباما بشأن تسليح المجموعات المعتدلة من المعارضة.
تصريح جون كيري الذى جاء بعد أكثر من عامين على قيام الثورة, أخرج للعلن الرؤية التي وضعتها الإدارة الأمريكية لمستقبل هذه الثورة عقب اندلاعها, فما يجري حالياً في سوريا هو المرحلة الرابعة من الاستراتيجية الأمريكية لإدارة ثورات الربيع العربي, والتي ترتكز على المزج بين الحالتين الليبية واليمنية مع بعض التغييرات الطفيفة, من خلال استبدال عملية التدخل العسكري الغربي بتقديم الدعم للعناصر " المعتدلة " من الثوار السوريين بالأسلحة بشكل محدود ومحسوب بحيث لا تنتهى الثورة بانتصار كاسح لهم, ولكن لتنتهي بالنموذج اليمنى الذى يبقى فيه جزء أساسي من النظام شريكاً في السلطة في مرحلة ما بعد سقوط رأسه ممثلة هنا فى بشار, وذلك لتحقيق عدة أهداف:
أولاً: ضمان تسهيل الحفاظ على مصالح أمريكا وحلفائها الأوروبيين وأمن الكيان الصهيونى, والتي ترتبط بالنظام السابق, ووجود عناصر"معتدلة" وهى التى يحرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما على دعمها بالسلاح حتى لا تتغول العناصر المتشددة, وهو ما هدد بوتين أوباما به فى صورة تحذير من خطورة رحيل بشار الآن, من جهة أخرى فإن مشاركة جزء من نظام بشار فى السلطة بعد رحيله يتفق مع المصالح الروسية التى يمكن لأمريكا مراعاتها وفق اتفاقيات وتفاهمات معها.
ثانياً: منع الأغلبية السنية من السيطرة على الحكم والإبقاء على حالة الخلخلة فى المجتمع.
ثالثاً: العمل على منع إقصاء النظام العلوى بالكامل لأن ذلك سيمنح السنة فى العراق دفعة قوية للانتفاضة على نظام المالكى الشيعى الحليف الاستراتيجى لأمريكا وهو ما سيعنى ضياع مصالحها هناك, كما سيؤدى للاخلال بحالة الاستقرار الهش فى لبنان والمرغوبة غربياً وصهيونياً, والتى تعتمد بالأساس على التفوق النسبي لحزب الله على حساب السنة وباقى طوائف المجتمع اللبنانى.
وليس بخافٍ على كل ذى عقل أنه لو كان لدى الإدارة الأمريكية رغبة حقيقية فى دعم الثوار للقضاء على النظام لكانت استغلت حالة الارتباك التى عاشها فى أعقاب انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب, ومقتل مجموعة من أهم أركانه على رأسهم وزيري الدفاع والداخلية, وصهر بشار ونائب رئيس الآركان آصف شوكت فى عملية التفجير الشهيرة لمقر الأمن القومى, وما تبعها من انشقاقات واسعة فى صفوف الجيش الأسدى, وتقدم الثوار على الأرض فى العديد من الجبهات.
بعيداً عن الخلاف حول مؤتمر جنيف2 بين الولايات المتحدة ومن خلفها الأوروبيين من جانب وبين روسيا ومن خلفها إيرن من جانب آخر فإن تصريحي كيرى وبوتين يظهران نقاط التقارب الأمريكى الروسي, فأمريكا تسعى لإجبار الأسد على القبول بتسوية سياسية تتضمن خروج آمن من السلطة على غرار الرئيس اليمنى السابق عبد الله صالح, والذى سيستغرق وقتاً قد يصل إلى عام, ويتوافق مع تصريح وبوتين الذى ينوه فيه إلى أن القضية ليست فى رحيل بشار بالأساس, وإنما هو يحذر الأمريكان من تبعات رحيله الآن, كما يمكن تلمس هذا التقارب بين الجانبين بوضوح فى البيان الختامى لمجموعة الدول الثمانية, والذى لم يتضمن أى ذكر لبشار عند الحديث عن الوضع فى سوريا بخلاف ما حدث من تباين بينهما فى تحديد مصيره بعد مؤتمر جنيف1.
على هامش ذلك يبقى الدور العربي والتركى دوراً تجميلياً لا يتجاوز دور الترويج السياسي والتمويل للرؤية الأمريكية, ويكفى أن نستدل بذلك على فشل مهام المبعوثين العربي والأممى كوفى عنان والأخضر الإبراهيمى, وعدم قيام أى دولة عربية بتقديم سلاح نوعى متطور يمكن أن يحقق للثوار انتصاراً كاملاً وحاسماً على النظام, فى الوقت الذى تمده فيه روسيا وإيران بالأسلحة ومقاتلى حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية.
إذن نحن أمام حالة من التفاهم الأمريكى الروسي شبه التام حول الشكل العام الختامى للثورة السورية, وأن ما يحدث حالياً هو مجرد تجاذبات من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب سيتم فى نهاية المطاف إيجاد تسوية لها بصورة أو بأخرى.
بقلم: عمرو منصور
ثلاثة أخبار يمكن أن نستكشف من خلالها الواقع الحالي للثورة, وآفاق مستقبلها, الخبر الأول تصريح لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال فيه نحن لا نسعى لحسم الصراع في سوريا عسكرياً, ولكننا نسعى لتغيير ميزان القوى لدفع النظام للقبول بحل سياسي.. الخبر الثاني هو تحذير على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من فراغ يمكن أن يملأه المتشددون في حال رحيل الأسد الآن.. الخبر الثالث هو ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست بشأن وصول مجموعات جديدة من المجاهدين أكثر تشدداً لسوريا, مما يهدد استراتيجية أوباما بشأن تسليح المجموعات المعتدلة من المعارضة.
تصريح جون كيري الذى جاء بعد أكثر من عامين على قيام الثورة, أخرج للعلن الرؤية التي وضعتها الإدارة الأمريكية لمستقبل هذه الثورة عقب اندلاعها, فما يجري حالياً في سوريا هو المرحلة الرابعة من الاستراتيجية الأمريكية لإدارة ثورات الربيع العربي, والتي ترتكز على المزج بين الحالتين الليبية واليمنية مع بعض التغييرات الطفيفة, من خلال استبدال عملية التدخل العسكري الغربي بتقديم الدعم للعناصر " المعتدلة " من الثوار السوريين بالأسلحة بشكل محدود ومحسوب بحيث لا تنتهى الثورة بانتصار كاسح لهم, ولكن لتنتهي بالنموذج اليمنى الذى يبقى فيه جزء أساسي من النظام شريكاً في السلطة في مرحلة ما بعد سقوط رأسه ممثلة هنا فى بشار, وذلك لتحقيق عدة أهداف:
أولاً: ضمان تسهيل الحفاظ على مصالح أمريكا وحلفائها الأوروبيين وأمن الكيان الصهيونى, والتي ترتبط بالنظام السابق, ووجود عناصر"معتدلة" وهى التى يحرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما على دعمها بالسلاح حتى لا تتغول العناصر المتشددة, وهو ما هدد بوتين أوباما به فى صورة تحذير من خطورة رحيل بشار الآن, من جهة أخرى فإن مشاركة جزء من نظام بشار فى السلطة بعد رحيله يتفق مع المصالح الروسية التى يمكن لأمريكا مراعاتها وفق اتفاقيات وتفاهمات معها.
ثانياً: منع الأغلبية السنية من السيطرة على الحكم والإبقاء على حالة الخلخلة فى المجتمع.
ثالثاً: العمل على منع إقصاء النظام العلوى بالكامل لأن ذلك سيمنح السنة فى العراق دفعة قوية للانتفاضة على نظام المالكى الشيعى الحليف الاستراتيجى لأمريكا وهو ما سيعنى ضياع مصالحها هناك, كما سيؤدى للاخلال بحالة الاستقرار الهش فى لبنان والمرغوبة غربياً وصهيونياً, والتى تعتمد بالأساس على التفوق النسبي لحزب الله على حساب السنة وباقى طوائف المجتمع اللبنانى.
وليس بخافٍ على كل ذى عقل أنه لو كان لدى الإدارة الأمريكية رغبة حقيقية فى دعم الثوار للقضاء على النظام لكانت استغلت حالة الارتباك التى عاشها فى أعقاب انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب, ومقتل مجموعة من أهم أركانه على رأسهم وزيري الدفاع والداخلية, وصهر بشار ونائب رئيس الآركان آصف شوكت فى عملية التفجير الشهيرة لمقر الأمن القومى, وما تبعها من انشقاقات واسعة فى صفوف الجيش الأسدى, وتقدم الثوار على الأرض فى العديد من الجبهات.
بعيداً عن الخلاف حول مؤتمر جنيف2 بين الولايات المتحدة ومن خلفها الأوروبيين من جانب وبين روسيا ومن خلفها إيرن من جانب آخر فإن تصريحي كيرى وبوتين يظهران نقاط التقارب الأمريكى الروسي, فأمريكا تسعى لإجبار الأسد على القبول بتسوية سياسية تتضمن خروج آمن من السلطة على غرار الرئيس اليمنى السابق عبد الله صالح, والذى سيستغرق وقتاً قد يصل إلى عام, ويتوافق مع تصريح وبوتين الذى ينوه فيه إلى أن القضية ليست فى رحيل بشار بالأساس, وإنما هو يحذر الأمريكان من تبعات رحيله الآن, كما يمكن تلمس هذا التقارب بين الجانبين بوضوح فى البيان الختامى لمجموعة الدول الثمانية, والذى لم يتضمن أى ذكر لبشار عند الحديث عن الوضع فى سوريا بخلاف ما حدث من تباين بينهما فى تحديد مصيره بعد مؤتمر جنيف1.
على هامش ذلك يبقى الدور العربي والتركى دوراً تجميلياً لا يتجاوز دور الترويج السياسي والتمويل للرؤية الأمريكية, ويكفى أن نستدل بذلك على فشل مهام المبعوثين العربي والأممى كوفى عنان والأخضر الإبراهيمى, وعدم قيام أى دولة عربية بتقديم سلاح نوعى متطور يمكن أن يحقق للثوار انتصاراً كاملاً وحاسماً على النظام, فى الوقت الذى تمده فيه روسيا وإيران بالأسلحة ومقاتلى حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية.
إذن نحن أمام حالة من التفاهم الأمريكى الروسي شبه التام حول الشكل العام الختامى للثورة السورية, وأن ما يحدث حالياً هو مجرد تجاذبات من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب سيتم فى نهاية المطاف إيجاد تسوية لها بصورة أو بأخرى.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية