أم نضال فرحات.. أميرة الخنساوات.. منهج تربوي فريد
وليد الهودلي
درج في هذه الأيام إطلاق لقب الخنساء على كثير من النساء وهن بحق أخذن هذه الشهادة بجدارة خاصة نساء فلسطين ، فكم من امرأة فلسطينية تميزت في عطائها ووصلت القمة في تضحياتها.. ماذا لو تخيلنا أن مسابقة أقيمت على شاكلة أمير الشعراء تحمل اسم أميرة الخنساوات، أكيد لن تترشح لهذه المسابقة من لم تقدم على الأقل شهيداً من أبنائها .. ثم تنطلق المسابقة من الدور الأول إلى الثاني بحيث تضيف شهيدا آخر من أبنائها أو من قرابة الدرجة الأولى أخ أو أخت أو أب أو أم، تجري التصفيات على الدور الثالث ثم تنطلق إلى السؤال عن أسرى العائلة: كم من الأبناء وقع في أسر الأعداء؟ وكم كانت عدد السنوات؟، ثم نأتي إلى هدم البيوت ، وكم صاروخاً نال منها ؟ ويجري السؤال عن دور المرأة نفسها، دورها في الجهاد وعن طبيعة هذا الدور، هل كانت مجرد امرأة تصبر على المصيبة ؟وما هي طبيعة دورها إسنادي للصفوف الأولى من الرجال أم كانت معهم في صفوفهم جنباً إلى جنب أم أنها سبقت الرجال وقدمت ما لا يقدمه الرجال ؟؟ هل كانت رافعة للعمل الوطني والفدائي بدور طبيعي تقتضيه ظروف الصراع أم كانت مبادرة محرضة مشاركة ؟.. هل كانت تؤمن بدور المرأة التكاملي مع الرجل وتجعل من سيرة حياتها مثالا عمليا لما تؤمن به؟؟.
ويجري السباق على قدم وساق ليفرز لنا في النهاية خمس متسابقات ولنستعين حينها بتصويت الجمهور على صاحبة أعلى درجة خنساوية : أميرة الخنساوات، لا أعتقد أن أية خنساء ستشق غبار أم نضال فرحات، فمن ناحية الشهداء الأبناء فلها ثلاثة ولها من دخل السجن منهم سنوات مديدة والأهم من هذا كيف تمكنت من صناعة هؤلاء الرجال ؟ هذا سؤال يجب علينا أن لا نجيب عنه بسرعة وارتجال .. خاصة في هذا الزمان الذي تكالبت فيه على أبنائنا مؤثرات عظيمة من كل صوب وحدب ولم تبق العائلة هي الحاضنة التربوية الوحيدة في الميدان التربوي.
منهج تربوي فريد:
.. لم نعد في زمان يرسل فيه الرضيع إلى البادية ليرضع مع اللبن الفصاحة والبيان وسعة الأفق بل اليوم نرضع أبناءنا من أفلام الكرتون ومغامرات الأشباح ما يغلق النفس ويجعل منها "كوكتيلا عجيبا لا لون له ولا رائحة "... يصنع عندنا الإنسان على أعين ومزاج المخرج الذي لا حظ له من التربية ولا يتقن سوى الإثارة وجني الأرباح وصناعة السينما وأخلاق السوق .. من وسط مؤثرات هائلة ومخيفة إلى حد الإجرام بحق فلذات أكبادنا تنجح مربية تتقن فن البناء التربوي من إقامة بناء شامخ من القيم السامقة في نفوس أبنائها، قوام هذه القيم الانتماء للدين والوطن والجاهزية العالية للتضحية ودفع أعز وأغلى ما يملكون .. لذلك فإن هذا النجاح العظيم لدور هذه المرأة العظيمة يجب أن ندرسه جيدا ويجب أن ننمذجه من أجل الخلوص بالمنهج التربوي الذي أقامت بنيانها على أساسه.. هذا الذي يأخذ بأيدينا لنعرف كيف تسير عملية البناء التربوي لإنتاج الإرادة الحرة والقوية في نفوس أبنائنا .. إننا أمام فلسفة تربوية تختلف كليا عما تصبو إليه كل الفلسفات التربوية المعاصرة .
من حيث الأهداف والرؤية والمناهج نجد التربية المعاصرة جل ما تنتجه للمواطن الصالح بالمفهوم الغربي وهو الذي يجيد الإنتاج والاستهلاك ويسير في العجلة الاقتصادية والاجتماعية بطريقة فعالة وناجحة .. طبعا في العالم العربي يقف المواطن الصالح عاجزا أمام الإنتاج ويبقى المستهلك جيدا لما ينتجه الآخرون ..وهذه الوصفة الجيدة للتخلف بامتياز .. أم نضال فرحات خرجت عن كل القواعد والمفاهيم التربوية السائدة .. وجدت أن المطلوب في المنظومة التربوية هو إنتاج الإنسان الفلسطيني الذي يدور في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، يعمل عندهم وينتج لهم ويستهلك بضائعهم ويدور حول الأشياء لا يبغي سوى العلف ولقمة العيش المغمسة بالذل والهوان .. أمعنت النظر في المنهج التربوي القرآني بصفتها داعية تؤمن بالحل الإسلامي وتدعو له وبدأت تقيم دعائم الشخصية التي يريدها القرآن وراحت تزرع الإرادة الحرة التي سيكون لها شأن عظيم في صناعة الحياة .. الإرادة التي ترفض التصالح مع الذل والهوان أو التنازل للآخرين عن أي شيء من الحقوق .. الإرادة التي تقود صاحبها نحو التحرر من كل أشكال الخضوع والخنوع وإعطاء الدنية في حياتها .. الإرادة التي تحقق الذات على أسس الفلاح في الدنيا والآخرة .. الإرادة التي تجعل من صاحبها وقودا للقضية العامة ولا تسمح بأي حال من الأحوال أن تسيطر القضية الخاصة قضية الأنا الصغيرة على القضية العامة.. الإرادة التي تجعل صاحبها صاحب رسالة في الحياة لا كما يريدون من الورشة الاسرائيلية إلى الفرشة ...
ولم تعد نظرية أم نضال التربوية نظرية للدرس والتدريس وإنما أصبحت واقعا ملموسا تجسد أولا في نفسها التي جعلتها كلها لله بكل ما تملك من وقت وجهد ومال وولد .. ثم أقامتها في بيتها ونفوس أبنائها لتشكل الشخصية القدوة والبيت القدوة وتسير بخطى ثابتة وفق رؤية واضحة ومنهاج ثابت واضح وضوح الشمس .
أقول إنه لا بد من دراسة تتناول هذا المنهج التربوي الفريد الذي نجحت فيه أم نضال فرحات نجاحا منقطع النظير ، فقصة النجاح هنا لم تكن نجاحا في إنتاج بضاعة معينة وإنما هي براعة اختراع تتناول إنتاج الإرادة الحرة القوية التي تجعل من صاحبها يرتقي إلى أعلى درجات الكمال الإنساني ويرتقي إلى أن يكون طواعية وعشقا وقودا خالصا لأعظم قضايا العالم إنسانية وقداسة وعدالة.
وليد الهودلي
درج في هذه الأيام إطلاق لقب الخنساء على كثير من النساء وهن بحق أخذن هذه الشهادة بجدارة خاصة نساء فلسطين ، فكم من امرأة فلسطينية تميزت في عطائها ووصلت القمة في تضحياتها.. ماذا لو تخيلنا أن مسابقة أقيمت على شاكلة أمير الشعراء تحمل اسم أميرة الخنساوات، أكيد لن تترشح لهذه المسابقة من لم تقدم على الأقل شهيداً من أبنائها .. ثم تنطلق المسابقة من الدور الأول إلى الثاني بحيث تضيف شهيدا آخر من أبنائها أو من قرابة الدرجة الأولى أخ أو أخت أو أب أو أم، تجري التصفيات على الدور الثالث ثم تنطلق إلى السؤال عن أسرى العائلة: كم من الأبناء وقع في أسر الأعداء؟ وكم كانت عدد السنوات؟، ثم نأتي إلى هدم البيوت ، وكم صاروخاً نال منها ؟ ويجري السؤال عن دور المرأة نفسها، دورها في الجهاد وعن طبيعة هذا الدور، هل كانت مجرد امرأة تصبر على المصيبة ؟وما هي طبيعة دورها إسنادي للصفوف الأولى من الرجال أم كانت معهم في صفوفهم جنباً إلى جنب أم أنها سبقت الرجال وقدمت ما لا يقدمه الرجال ؟؟ هل كانت رافعة للعمل الوطني والفدائي بدور طبيعي تقتضيه ظروف الصراع أم كانت مبادرة محرضة مشاركة ؟.. هل كانت تؤمن بدور المرأة التكاملي مع الرجل وتجعل من سيرة حياتها مثالا عمليا لما تؤمن به؟؟.
ويجري السباق على قدم وساق ليفرز لنا في النهاية خمس متسابقات ولنستعين حينها بتصويت الجمهور على صاحبة أعلى درجة خنساوية : أميرة الخنساوات، لا أعتقد أن أية خنساء ستشق غبار أم نضال فرحات، فمن ناحية الشهداء الأبناء فلها ثلاثة ولها من دخل السجن منهم سنوات مديدة والأهم من هذا كيف تمكنت من صناعة هؤلاء الرجال ؟ هذا سؤال يجب علينا أن لا نجيب عنه بسرعة وارتجال .. خاصة في هذا الزمان الذي تكالبت فيه على أبنائنا مؤثرات عظيمة من كل صوب وحدب ولم تبق العائلة هي الحاضنة التربوية الوحيدة في الميدان التربوي.
منهج تربوي فريد:
.. لم نعد في زمان يرسل فيه الرضيع إلى البادية ليرضع مع اللبن الفصاحة والبيان وسعة الأفق بل اليوم نرضع أبناءنا من أفلام الكرتون ومغامرات الأشباح ما يغلق النفس ويجعل منها "كوكتيلا عجيبا لا لون له ولا رائحة "... يصنع عندنا الإنسان على أعين ومزاج المخرج الذي لا حظ له من التربية ولا يتقن سوى الإثارة وجني الأرباح وصناعة السينما وأخلاق السوق .. من وسط مؤثرات هائلة ومخيفة إلى حد الإجرام بحق فلذات أكبادنا تنجح مربية تتقن فن البناء التربوي من إقامة بناء شامخ من القيم السامقة في نفوس أبنائها، قوام هذه القيم الانتماء للدين والوطن والجاهزية العالية للتضحية ودفع أعز وأغلى ما يملكون .. لذلك فإن هذا النجاح العظيم لدور هذه المرأة العظيمة يجب أن ندرسه جيدا ويجب أن ننمذجه من أجل الخلوص بالمنهج التربوي الذي أقامت بنيانها على أساسه.. هذا الذي يأخذ بأيدينا لنعرف كيف تسير عملية البناء التربوي لإنتاج الإرادة الحرة والقوية في نفوس أبنائنا .. إننا أمام فلسفة تربوية تختلف كليا عما تصبو إليه كل الفلسفات التربوية المعاصرة .
من حيث الأهداف والرؤية والمناهج نجد التربية المعاصرة جل ما تنتجه للمواطن الصالح بالمفهوم الغربي وهو الذي يجيد الإنتاج والاستهلاك ويسير في العجلة الاقتصادية والاجتماعية بطريقة فعالة وناجحة .. طبعا في العالم العربي يقف المواطن الصالح عاجزا أمام الإنتاج ويبقى المستهلك جيدا لما ينتجه الآخرون ..وهذه الوصفة الجيدة للتخلف بامتياز .. أم نضال فرحات خرجت عن كل القواعد والمفاهيم التربوية السائدة .. وجدت أن المطلوب في المنظومة التربوية هو إنتاج الإنسان الفلسطيني الذي يدور في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، يعمل عندهم وينتج لهم ويستهلك بضائعهم ويدور حول الأشياء لا يبغي سوى العلف ولقمة العيش المغمسة بالذل والهوان .. أمعنت النظر في المنهج التربوي القرآني بصفتها داعية تؤمن بالحل الإسلامي وتدعو له وبدأت تقيم دعائم الشخصية التي يريدها القرآن وراحت تزرع الإرادة الحرة التي سيكون لها شأن عظيم في صناعة الحياة .. الإرادة التي ترفض التصالح مع الذل والهوان أو التنازل للآخرين عن أي شيء من الحقوق .. الإرادة التي تقود صاحبها نحو التحرر من كل أشكال الخضوع والخنوع وإعطاء الدنية في حياتها .. الإرادة التي تحقق الذات على أسس الفلاح في الدنيا والآخرة .. الإرادة التي تجعل من صاحبها وقودا للقضية العامة ولا تسمح بأي حال من الأحوال أن تسيطر القضية الخاصة قضية الأنا الصغيرة على القضية العامة.. الإرادة التي تجعل صاحبها صاحب رسالة في الحياة لا كما يريدون من الورشة الاسرائيلية إلى الفرشة ...
ولم تعد نظرية أم نضال التربوية نظرية للدرس والتدريس وإنما أصبحت واقعا ملموسا تجسد أولا في نفسها التي جعلتها كلها لله بكل ما تملك من وقت وجهد ومال وولد .. ثم أقامتها في بيتها ونفوس أبنائها لتشكل الشخصية القدوة والبيت القدوة وتسير بخطى ثابتة وفق رؤية واضحة ومنهاج ثابت واضح وضوح الشمس .
أقول إنه لا بد من دراسة تتناول هذا المنهج التربوي الفريد الذي نجحت فيه أم نضال فرحات نجاحا منقطع النظير ، فقصة النجاح هنا لم تكن نجاحا في إنتاج بضاعة معينة وإنما هي براعة اختراع تتناول إنتاج الإرادة الحرة القوية التي تجعل من صاحبها يرتقي إلى أعلى درجات الكمال الإنساني ويرتقي إلى أن يكون طواعية وعشقا وقودا خالصا لأعظم قضايا العالم إنسانية وقداسة وعدالة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية