أي الفريقين أحقُّ بالمَلام: إضراب الكِرام أم أقلام الأزلام؟ ...بقلم : النائب د. يونس الأسطل

الأحد 13 مايو 2012

أي الفريقين أحقُّ بالمَلام: إضراب الكِرام أم أقلام الأزلام؟

النائب د. يونس الأسطل


(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)
الإسراء (70)

أطلق الأسرى على إضرابهم الذي اقتحم أسبوعه الرابع لقب الكرامة؛ ذلك أن الصهاينة الذين قالوا: ليس علينا في الأُمِّيين سبيل لا يقيمون وزناً لآدمية الإنسان، فضلاً عن كرامته.

ولا عجب ممن قست قلوبهم، فهي كالحجارة، أو أشد قسوةً، أن يُمْسوا شرَّ الدواب عند الله، حتى إن مَثَلَهم بعد أن حُمِّلوا التوراة، ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل أسفاراً، وإن مثل بعض الأحبار عندهم كمثل الكلب، إنْ تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآيات ربهم، وعصوا رسله، واتَّبعوا أمر كلِّ جبار عنيد.

ثم إنهم لم يقفوا في الانحراف واحتراف الإجرام عند شَبَهِ أخسِّ البهائم، حتى عادوا شراً مثوبة عند الله؛ إذْ لعنهم، وغضب عليهم، وجعل منهم القردة، والخنازير، وعَبَدَ الطاغوت، وترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا، لبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون.

إن إضراب الكرامة، والإحجام عن الطعام، مهما تطاولت الأيام، لا يتطلع معه الأسرى إلى أكثر من نصاب الحقوق الآدمية، والحدِّ الأدنى من حقوق الإنس، وبعض الكرامة البشرية، فهم يرغبون في انتزاع حق المجاهدين المعزولين عدد سنين في الاندماج في بقية المعتقلين، ويرجون أن يُؤْذَنَ لذويهم وأهليهم أن تكتحل عيونهم برؤياهم، وأن يسألوهم عن أحوالهم، ولو من وراء حجاب، كما يتمنون أن تتاح لهم الفرصة ليواصلوا دراستهم، حتى يحصلوا على شهادة، ولو كانت الثانوية العامة، أو ينالوا شيئاً من الأطعمة والألبسة، والقليل من الحاجيات المتواضعة يبتاعونها بأموالهم الخاصة، وغير ذلك.

إن آية المقال تؤكد بالقسم أن الله تبارك وتعالى قد كتب الكرامة لبني آدم، سواء كان بخلقه في أحسن تقويم، أو بجعله سيدَ الأرض، ثم بتسخير ما في السموات وما في الأرض له، وبإسباغ نعمته علينا ظاهرة وباطنة، فضلاً عن خلقنا بيديه، والنفخ فينا من روحه، وأَمْرِ الملائكة أن تستقبلنا بتحية السجود، ثم أسكننا الجنة، وتاب علينا، وتعاهدنا بالرسل والكتب والهداية، وقائمة التكريم تطول.

وقد تجسدت الكرامة أيضاً في الحرية بعامة، وحرية العقيدة بخاصة، إذْ لا إكراه في الدين، والحقُّ من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وقد هدانا النجدين، بل هداه السبيل؛ إما شاكراً، وإما كفوراً، وعليه أن يحمل عاقبة اختياره في الدنيا والآخرة؛ بل إن حرية العقيدة قد أضحت هدفاً للجهاد في سبيل الله، فقد أمرنا أن نقاتل أولياء الشيطان الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامعُ، وبِيَعٌ، وصلوات، ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً.

ولعله من المناسب هنا أن أذكر أصناف أصحاب الكرامة الذين يرغب أسرانا أن ينضموا إلى موكبهم الكريم، وأن يصبحوا من زمرتهم، فلا يكونوا من المَهِينين؛ فإن العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، وإن الذلة والصَّغار لأعداء الله من اليهود والمنافقين.

إن أول الأكرمين هو الله رب العالمين، فقد أمر في أول ما نزل من القرآن أن نقرأ باسم ربنا الذي خلق، وأن نقرأ مع ربنا الأكرم، وأنكر على الإنسان أن يَغْتَرَّ بربه الكريم، وهو الذي أكرم الإنسان ونَعَّمَه، ومَنْ يُهِنِ اللهُ فما له من مُكْرِم.

ثم إنه جل وعلا قد منح الكرامة لملائكته، فهم عباد مكرمون، لا يستبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، وجعلهم عليكم حافظين كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون، بل جعلهم سفرةً كراماً بررة، وقال في حقهم: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ " الذاريات (24)

ثم إن الكرام من الناس هم الرسل جميعاً، فقد نعت القرآن بأنه قول رسول كريم، فهو رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة، فيها كتبٌ قيمة، كما وصف سيدنا موسى بذلك حين تحدث عن الفراعنة، فقال:

"وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ، وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ " الدخان (17)

ولا شك أن المؤمنين أتباع النبيين من المكرمين، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا أحد أحقُّ بالتقوى من الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، فهو الأتقى؛ لأن الله جواد يحب الجود، كريمٌ يحب الكرم، ولما كان الجود بالنفس أسمى غاية الجود؛ فإن الشهداء هم خير المكرمين بعد الأنبياء والصِّدِّيقين، واقرؤوا في ذلك قصة شهيد الدعوة في سورة يس، وفيها:

"قِيلَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ " الآيتان (26، 27)

وقد جاء في الحديث أنه لا أحد يدخل الجنة يتمنى أن يعود إلى الدنيا، إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يعود إليها مجاهداً ليقتل عشر مرات؛ لما يرى من كرامة الشهداء، خاصة وأن أهل الجنة عموماً في جنات مكرمون، فما بالكم بمن أعدَّ الله لهم في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجة وأختها كما بين السماء والأرض، حتى إن أهل الجنة ليتراءون أهل تلك المنازل، كما تتراءون النجم الغائر في الأفق.

ولا يفوتني أن أذكر بأن الله ذا الجلال والإكرام قد نعت القرآن بأنه كريم، كما وصف العرش بالكريم.

وفي المقابل فإن الهوان لليهود الذين باؤوا بغضبٍ على غضب، وللكافرين عذاب مهين، ويدخل فيهم اليهود دخولاً أولياً، كما أن إخوانهم المنافقين على شاكلتهم، فقد اتخذوا أيمانهم جنة، فصدوا عن سبيل الله، فلهم عذاب مهين، وجعل أضرابهم من المشركين والقتلة والفَجَرة كذلك، فإن الذين يَدْعُونَ مع الله إلهاً آخر، ويقتلون النفس التي حرَّم الله، ويزنون، من يفعلْ ذلك منهم يَلْقَ أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيهِ مُهاناً، إلا من تاب .. ، وقد بَشَّرنا ربنا وهو يأمرنا أن نتخذ أسلحتنا وحِذْرنا أنه أعدَّ للكافرين عذاباً مهيناً، كما في سورة النساء، الآية (102)

إن أحق الناس بالإهانة هم الذين لا يكرمون اليتيم، بل يَدُعُّونه ويقهرونه، بَدَلَ أن يؤووه ويكفلوه، وكذلك الذين لا يكرمون ذا الشيبة المسلم، ويسيئون لمن أحسن إليهم، بدل أن يدرؤوا بالحسنة السيئة؛ لتكون لهم عقبى الدار.

إن الذين يَدْعُونَ أسرانا إلى فكِّ الإضراب؛ تباكياً على الوحدة الوطنية؛ لأن أسرى حركة فتح في الضفة الغربية لم يضربوا عن الطعام، إن أولئك الكُتَّاب إنما يريدون لأسرانا أن يقبلوا بالذلة والذيلية، حتى لا يلتحقوا بموكب الملائكة، والنبيين، ثم الأتقياء، والشهداء الذين يكونون في الغرفات آمنين.

ولعل الأنكى من أولئك مَنْ يقفون على بعض المنابر المحسوبة على مجموعاتٍ بعينها؛ ليعلنوا عدم مشروعية الإضراب عن الطعام، وأن من مات منهم فقد قتل نفسه، وعُدَّ من المنتحرين، ولكن أولئك المتعرضين للفتوى لم يقولوا: كيف يمكن للأسرى أن ينتزعوا أدنى الحقوق الآدمية من مخالب الوحوش البشرية، كما أنهم لم يقولوا لنا: ما الذي فعله أولئك المفتون، أو ينوون أن يفعلوه سنداً للأسرى، ومؤازرةً للمختطفين؟!!، أم أن غاية المطلوب أن يجلس أحدهم على أريكته، ثم يقذف بالفتوى من مكانٍ بعيد، وكفى الله المؤمنين القتال؟!!.

ألم يخطر ببال الفريقين أنهم بذلك يقدمون خدمة عظيمة للاحتلال من حيث لا يعلمون، ألا يرون استماتة الصهاينة في الاحتيال على الأسرى للعدول عن الإضراب عن الطعام، وأنهم قد شرعوا يقدمون أنصاف الحلول، بل الوعود، وإخواننا الأبطال في قبضتهم يأبون إلا تلبية المطالب العادلة المتواضعة جملة واحدة، وصفقة لا تفريق فيها، وهم يعلمون أن اليهود ينقضون عهدهم في كل مرةٍ وهم لا يتقون.

والله من ورائهم محيط
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية