إسرائيل وأمريكا وتطابق السلوك
أمجد عرار
تعرف العلاقات الدولية أشكالاً متنوّعة كثيرة بين الصراع والتحالف، وهذا النوّع ناجم عن التدرّجات والتفاوت في كلا قطبي المعادلة. فالصراع قد يكون تنافسياً هادئاً يأخذ أبعاداً اقتصادية ودبلوماسية وحضارية وعلمية، وقد يكون تناحرياً دموياً. التحالف بدوره يتراوح بين التنسيق في القضايا الرئيسية مع الاحتفاظ بالمواقف الخاصة تجاه القضايا المختلف عليها. هذه المبادئ العامة تغطيها العلوم السياسية وأدبيات الصراع لقوى خاضت أو تخوض التجربة.
لكن العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" لم تقف عند الحدود المشار إليه آنفاً ولا تغطّيها العلوم السياسية، وإن كانت بعض القوى الثورية العربية والدولية بحّ صوتها وهي تحذّر من طبيعة هذه العلاقة بين أطراف جسد عضوي واحد. فالعلاقات بين أمريكا و"إسرائيل" تفوق حدود التحالف الذي نعرفه بين أي طرفين أو أكثر، وهي وصلت حد التطابق التام إزاء كل قضايا الكون، تطابق في الفعل والقول، تطابق في سلوك القيادة السياسية لديهما وفي منطق الغزو والاحتلال وتصرّفات جيشيهما تجاه ضحاياهما على نحو ينطوي على السادية والبشاعة.
التقارير الواردة من فلسطين جلبت مثالاً من مئات الأمثلة التي تحكي معاناة الشعب الفلسطيني من جلاديه. في هذا المثال أجبر عساكر الاحتلال عدداً من الفلسطينيين على التعري على حاجز عسكري قرب بلدة يعبد، قاعدة القتال الشريف الذي خاضه المجاهد العربي عز الدين القسام. ومع أنها ليست حالة فريدة في سلوك جيش الاحتلال، إلا أنها مناسبة لتذكير أولئك الذين يحاولون تزييف وعي الأمة تجاه عدوّها التاريخي، لدرجة أن قوى أساسية ولها امتدادات شعبية وإرث سياسي عريق، بدأت تتنكّر لهذا الإرث وتغازل الكيان الصهيوني اعتقاداً بأنه جسر الرضى الغربي عن وصولها للسلطة.
تناول هذا السلوك "الإسرائيلي" ليس من قبيل الحديث عن سلوك مخالف لمنهج عام، بل إذا حصل خلاف ذلك سيكون غريباً ومستهجناً. ومن دون شك فإن تزامن هذا السلوك السادي من جنود "إسرائيليين" مع سلوك أقرانهم من الجنود الأمريكيين في أفغانستان، حيث تعمّد هؤلاء التبوّل على جثث ضحاياهم، يصب في خانة تطابق بين جيشين يشكّلان جيشاً واحداً، وشقي ثقافة واحدة. لقد فعل خيراً شيخ الأزهر حين دان وشخّص هذا السلوك الأمريكي البشع وغير المتحضّر الذي رأى فيه تعبيراً عن إفلاس وخواء في الحضارة التي ينتمي إليها هؤلاء الجنود، وهذا التعبير دقيق جداً حيث إن الحديث يدور عن خواء في الحضارة والعقلية لمنظومة شاملة وليس فقط لدى بضعة جنود.
إذا تحدّثنا عن سياسة التعذيب والإذلال التي يتبعها الجلاد "الإسرائيلي" في سجون النقب وتلموند وعسقلان وغيرها، فإننا نجد صورة مستنسخة لها في سجون أبو غريب وغوانتانامو وباغرام. إذا رصدنا تصرفات وسلوكيات الجيش "الإسرائيلي" على الحواجز في الضفة الغربية بما فيها القدس، سنجد حواجز وسلوكيات شبيهة بحواجز القوات الأمريكية قبل هروبها من العراق. حتى جدار الضم والتوسّع العنصري في الضفة الغربية، حاولت أمريكا استنساخه في بغداد. وإذا كان ملايين الفلسطينيين قد تحوّلوا إلى لاجئين بفعل سياسة الترحيل والاقتلاع الصهيونية، فإن ملايين اللاجئين العراقيين شاهدة على الهمجية الأمريكية في سياق التماهي والتطابق ذاته.
مع ذلك سنحتاج إلى مزيد من الوقت لتنكشف الحقائق الغائبة في سلوك الحليفين، لأنها أشد بشاعة وأكثر قدرة على إحداث الصدمة لدى أناس تجذبهم الأضواء المبهرة ولا يكترثون بأنين الضحايا.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية