إسرائيل والعودة إلى التهديد بالعدوان على غزة
جمال أبو ريدة
ما إن وضع العدوان (الإسرائيلي) على غزة أوزاره- بهزيمة (إسرائيل) على أبواب غزة، بفضل المقاومة الفلسطينية التي فاجأت العدو بقدرتها على ضرب عمقه بما يزيد عن 1400 قذيفة صاروخية، أجبرت 5 ملايين (إسرائيلي) على الاختباء في الملاجئ- حتى عاد أركان الحكومة (الإسرائيلية) مرة أخرى بالتلويح بالعدوان على غزة مرة أخرى، ولعل ما جاء على لسان وزير الحرب (الإسرائيلي) "باراك" مطلع الأسبوع الحالي أصدق تعبير عن ذلك حينما قال:" إن الحرب المقبلة مع قطاع غزة لن تكون قصيرة وقد تستمر لعدة أشهر"، وهو تهديد –في حدود علمي- يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، وأن نستعد له كل الاستعداد وكأنه سيقع غدًا، ولعل التفسير لعودة هذا التهديد بعد أقل من أسبوع على وقف العدوان، هو رغبة هذه الحكومة في استعادة قوة الردع (الإسرائيلية) بأي ثمن ووسيلة، ووأد الانتصار الذي حققته المقاومة على وجه السرعة، الذي من شأنه "إسقاط" ما تبقى من تأييد فلسطيني وعربي لعملية السلام مع (إسرائيل)، واستكمال الربيع العربي لدوره في إسقاط ما تبقى من الأنظمة العربية "المهزومة"، التي لا تختلف كثيرًا عن نظام الرئيس المصري المخلوع مبارك وغيره من الأنظمة، والتي تساقطت بعد العدوان (الإسرائيلي) على غزة في العام 2008/2009، كعقاب من الأمة العربية على صمت هذه الأنظمة طوال الستين عاماً على الاحتلال (الإسرائيلي) لفلسطين.
ولعل النصيحة التي نتوجه بها للمقاومة الفلسطينية في غزة، هو أهمية حمل هذا التهديد محمل الجد، والبدء على وجه السرعة في الاستعداد لمرحلة جديدة من المواجهة العسكرية مع (إسرائيل)، لن تكون أقل قساوة من المواجهة الحالية، بل يمكن القول أنها ستكون أقسى من المواجهة الأخيرة أضعافا مضاعفة، وذلك للحرج العسكري التي تعرضت له الآلة العسكرية(الإسرائيلية)، التي ظلت إلى وقت قريب اللغة التي تخاطب بها (إسرائيل) الكل العربي، وكانت تلقى آذانا صاغية من الأنظمة العربية مجتمعة، التي لاذت بالصمت الرهيب أمام هذه الآلة طوال الستين عامًا الأخيرة هي عمر (إسرائيل)، بالإضافة إلى أنها قد بررت للنظام الرسمي العربي القبول بحق (إسرائيل) في الوجود على حساب الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، ولعل مبادرة السلام العربية التي تقدم بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، في مؤتمر القمة العربية ببيروت في العام 2002، تكفي لتجسيد حالة "الهزيمة" التي كانت عليها الأمة العربية مجتمعة من (إسرائيل).
وبالقدر الذي نتوجه فيه بالنصيحة للمقاومة الفلسطينية بالاستعداد الجدي للعدوان الجديد، فإننا نتوجه بالنصيحة أيضًا للقيادة السياسية للشعب الفلسطيني، لإنهاء الانقسام الداخلي فورًا وبكل السبل، وذلك لأنه من غير المقبول والمعقول وأمام هذا "التغول" (الإسرائيلي) المستمر على الشعب الفلسطيني، أن يبقى الانقسام ليوم واحد بعد العدوان، لأنه -الانقسام- كان سيئًا على الكل الفلسطيني، حيث استفردت (إسرائيل) بغزة طوال السنوات السبع الماضية، وشنت عدوانين عليها في أقل من أربع سنوات، سقط فيهما ما يزيد عن 1700 شهيد، عدا عن الدمار "الرهيب" الذي لحق بالبيوت، والمؤسسات، والبنى التحتية وغير ذلك من الدمار، والذي بلغ حجمه في العدوان الأخير ما يزيد عن مليار دولار، وقبل ذلك كان الحصار (الإسرائيلي) الظالم، الذي تسبب في تعطيل عملية التنمية المطلوبة لما يقارب المليوني فلسطيني هم سكان غزة، وتعطيل عملية الإعمار للدمار الذي لحق بغزة بعيد العدوان عليها في العام 2008/2009، وفي المقابل "استباحت" (إسرائيل) الضفة الغربية بالكامل، ولعل مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية لإقامة المزيد من المستوطنات عليها، هو واحد من أوجه "الاستباحة" الكاملة لمقدرات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، التي لا تقل عما تسببه العدوان (الإسرائيلي) الأول والثاني على غزة في أقل من أربع سنوات.
وعليه فإن الواجب الديني، والوطني يستدعي من الكل الفلسطيني أن يكون سببًا في "وأد" الانقسام، وذلك من خلال الابتعاد كل البعد عن "توتير" الساحة الفلسطينية، بالتصريحات التي تضع أصحابها في خانة المتآمرين على الشعب الفلسطيني والراقصين على جراحه، ولعل ما تتناقله بعض المؤسسات الإعلامية الفلسطينية من تصريحات وتحليلات "تشكك" في الإنجاز الأخير الذي حققته المقاومة الفلسطينية، هو أمر مستغرب وغير مبرر على الإطلاق، فدماء الشعب الفلسطيني لم تجف بعد، للعودة إلى المناكفات السياسية التي كانت سببًا في الانقسام الفلسطيني في العام 2007، وهو الانقسام الذي يبرر للكثير من العرب والمسلمين عدم الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني قبل تحقيق وحدته الوطنية، ويظهرنا أمامهم بمظهر الشعب غير المسئول عن قضيته، ولعل القرار الذي اتخذته الحكومة الفلسطينية بغزة في أول اجتماع لها بعد العدوان مباشرة، بالعفو عن المعتقلين السياسيين على خلفية الانقسام السياسي, وعودة أبناء فتح في الخارج إلى القطاع، هو قرار "حكيم"، ويستدل منه على الرغبة الحقيقية لها في تهيئة الأجواء الإيجابية نحو البدء الفوري في رفع كل ما من شأنه عرقلة استعادة الوحدة الوطنية، التي من شأنها الرد على التصريحات الأخيرة لقادة الاحتلال بالعودة إلى احتلال غزة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية