إعادة تعريف (القضية الفلسطينية)!
جواد البشيتي
ليس من سؤال مستغلق على الإجابة الآن أكثر من سؤال "ما هي القضية الفلسطينية؟" حتى هذا التعبير أو العبارة أو المصطلح تلاشى، أو كاد أن يتلاشى، من الألسنة والأقلام، ومن البيانات والقرارات والمواقف..، الفلسطينية والعربية، وحلَّت محله تعابير وعبارات ومصطلحات جديدة، كـ"قضايا الوضع النهائي"، و"حل الدولتين"، فإنَّ كل ما يمتُّ بصلة إلى "القضية الفلسطينية"، مفهومًا وواقعًا، أصبح أثرًا بعد عين، ويُراد له أنْ يُعرَّف تعريفًا جديدًا، تُمْسَخ فيه "القضية" مسخًا تلموديًّا، يأتي به الفلسطينيون أنفسهم.
إنَّ إعادة تعريف "القضية الفلسطينية"، بما يسوِّي النزاع، ويُصْلِح ذات البين، بين "الحقوق (القومية للشعب الفلسطيني)" و"حقائق الواقع" هي المهمة التي لم يتوفَّر على إنجازها، حتى الآن، الفلسطينيون والعرب، وكأنَّ إسرائيل، في عهد نتنياهو، هي وحدها التي يحق لها أنْ تعيد تعريف كل ما يمتُّ بصلة إلى الصراع، جوهرًا وشكلًا؛ وليس أدل على ذلك من أن حكومة نتنياهو قد أعادت تعريف الاعتراف الفلسطيني (والعربي) بإسرائيل إذ أوضحت وأكدت، غير مرَّة، أنَّها تريد للمفاوض الفلسطيني أن يعترف بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، تخصُّ "الشعب اليهودي" فحسب.
حكومة نتنياهو هي التي تتوفَّر، غير مشكورة، على إعادة تعريف "القضية الفلسطينية"؛ لأنَّها تحتاج إلى ذلك، فهي لن تعترف بوجود شيء يدعى "القضية الفلسطينية" إلاَّ إذا نجحت في جعله، مفهومًا وواقعًا، متفرِّعًا من اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، بكل ما يترتَّب على هذا الاعتراف من عواقب.
كيف لا يحقُّ لها هذا وهي ترى بعينين يقظتين لا تغشاهما الأوهام التي تغشى العيون الفلسطينية والعربية أنَّ تلاشي قومية (وعروبة) القضية الفلسطينية هو "الفعل الماضي"؛ وتلاشي "فلسطينيتها" هو "الفعل المضارع"، فإنَّ غالبية الشعب الفلسطيني، أي الفلسطينيون الذين طُرِدوا من أرضهم ووطنهم القومي، يتعرَّضون الآن للطرد من "البيت السياسي الفلسطيني"، فـ"الحق في العودة"، والذي استمسكت، وتستمسك، لهم به قيادتهم السياسية العليا، أصبح كـ"القضية الفلسطينية" نفسها، شيئًا مستغلقًا على الفهم، أي على فهمهم هم، وعلى فهم كل من يفهم.
هذا "الحقُّ" مُسِخَ، أوَّل مرَّة، إذ أُكْرِه الفلسطينيون (والعرب) على فهم قرار الأمم المتحدة الرقم 194 على أنَّه نفيٌ وإلغاء لكل ما هو إيجابي فلسطينيًّا في قرار الأمم المتحدة الرقم 181، فـ"عودة اللاجئين" ما عادت عودة إلى إقليم "الدولة العربية"، توأم "الدولة اليهودية"، في "قرار التقسيم"، وإنَّما إلى إقليم "دولة إسرائيل" الذي توسَّع في أراضي "الدولة العربية" بعد، وبفضل، "التعريب"، في طوره الأوَّل، أي في طور "المأساة"، أي في حربي 1948 و1967.
ومُسِخ، مرَّة ثانية، إذ أصبحت "العودة" عودتهم (النظرية في المقام الأوَّل) إلى حيث لم يكونوا قبل تهجيرهم وتشريدهم، أي إلى إقليم الدولة الفلسطينية (في الضفة الغربية) عند قيامها، أو إذا ما قامت لها قائمة.
بموجب "المسخ الأوَّل" يمكن أن يعود منهم نحو عشرين ألف لاجئ؛ وبموجب "المسخ الثاني" أعيد تعريف "العودة" بما أفرغ "العودة" من معناها الحقيقي حتى في اللغة.
ولو قامت الدولة الفلسطينية غدًا، وحان للفلسطينيين أن يُتَرْجِموا "حق العودة"، في مسخه الثاني، بأفعال لرأينا نزرًا من اللاجئين يعود، أو يستطيع العودة، إلى إقليم الدولة الفلسطينية؛ فإنَّ إعادة تعريف "حق العودة" لن تكتمل إلاَّ في المسخ الثالث لهذا الحق، أي بعد، ومن خلال، إعادة تعريف "من هو الفلسطيني"، على وجه العموم، و"من هو الفلسطيني" الذي يحق له أن يتمتَّع بحق "العودة" إلى إقليم الدولة الفلسطينية، على وجه الخصوص؛ وربَّما يُقال ثانيةً، في سياق "المسخ الثالث"، إنَّ ملايين من اللاجئين الفلسطينيين سعداء حيث هم، ولا يحقُّ لأيٍّ كان أن يكرههم على أن يتنازلوا ويتخلُّوا عن "سعادتهم"!
وفي "المسخ الثالث"، لن نرى من "قومية (وعروبة)" القضية الفلسطينية إلاَّ ما يلبِّي، على خير وجه، مطلب (أو شرط) إسرائيل أن يعترف بها الفلسطينيون (والعرب) على أنَّها "دولة يهودية"، فـ"اللاجئون السعداء حيث هم الآن" سيزدادون "سعادةً" من خلال تمتُّعهم بـ"حقوق الإنسان"، و"حقوق المواطنة غير الفلسطينية"، وحصولهم على "التعويض المالي"، وأشباهه، بعد، وبفضل، إبدائهم "عدم الرغبة" في العودة إلى إقليم الدولة الفلسطينية.
مِنْ خيار "لا خيار عربيًّا إلاَّ السلام" تفرَّع، فلسطينيًّا، وبمعونة عربية حقيقية، خيار "لا خيار إلاَّ المفاوضات ولو لم تَقُدْ إلى السلام (أو إلاَّ إلى السلام الذي تريده إسرائيل)".
كاتب فلسطيني – الأردن
صحيفة الوطن العمانية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية