سري سمور
تعلمت واقتنعت بأن كل منهج حياة هو دين، وعليه فإن اللادينية هي دين بشكل أو بآخر، وكذا الرأسمالية والماركسية والعولمة والصهيونية والماسونية...إلخ، والإسلام هو ديني ومعتقدي، وتلقائيا هو منهجي في هذه الحياة العابرة نحو الآخرة.
لا يهمني من تصريحات الرفيق عبد الرحيم ملّوح؛ الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي جاءت في برنامج «زووم» والتي نقل موقع وكالة «معا» مساء يوم الأحد 24-7-2011م ملخصها ومقتطفات منها، لا يهمني الجانب السياسي فيها ورأيه ورأي الجبهة بهذا الشخص أو ذاك، فهذه آراء يتفق معه البعض فيها جزئيا أو كليا، ويعارضه بعض آخر، ويتحفظ عليها من يتحفظ، بل ما يهمني ويدفعني للرد عليك يا رفيق ملّوح الجانب العقائدي، فأنا وإن كنت قد أكثرت من الكتابة عن السياسة، فإن العقيدة عندي هي الأساس، ولا مجاملة في العقيدة ولا تهاون، طبعا أنت حرّ في معتقدك، ولكن على ألا تمس معتقدي وأن تتحرى الموضوعية والدقة فيما تقول، وحتى الآن لم يصدر منك أو عنك توضيح لتصريحاتك، فوجدت نفسي مضطرا للرد على ما يهمني منها، أو ما أثارني بالأحرى.
وعادة يقال أو يطلب البعد عن الشخصنة، ولكن في حالتك يا رفيق عبد الرحيم ملّوح أفضل أن يبقى الحوار شخصيا بالدرجة الأولى، وألا تُرمى الجبهة الشعبية عن قوس واحدة بناء على تصريحاتك، أو -على الأقل- هذا ما سألزم به نفسي، لأن الجبهة قدمت تضحيات ونضالات لا يمكن إنكارها، ودفع العديد من أعضائها وقادتها أرواحهم ودماءهم وقضى ويقضي آخرون سنينا طوالا في الأسر.
ومنذ صباي قرأت أعمال الأديب المبدع غسان كنفاني، وأعدت قراءتها حديثا، واقترحت وما زال اقتراحي قائما وأرجو أن يستجاب له أن تدرس قصص كنفاني لطلبتنا في مراحل دراستهم المختلفة، هذا رأيي فأنا –وغيري كثيرون- لم أشعر إطلاقا برابط بين أعمال وكتابات كنفاني الأدبية وبين انتمائه السياسي على الرغم من موقعه البارز في الجبهة، وهو الذي صمم شعارها، فقد رأيت فيه أديبا فلسطينيا يضع يده على الجرح بغض النظر عن انتمائه السياسي، ولهذا لن أنجرّ إلى الحكم على الجبهة الشعبية بناء على تصريحاتك هذا على الرغم من أنك من الصف القيادي الأول فيها...تنقل عنك وكالة معا يا رفيق:-
«نعم أنا ماركسي وأفاخر بذلك فالماركسية لم تفشل وهي نظام متوازن وتعطي حلول للازمات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية، كما قال أن الإسلام ليس الحل فالأحزاب السياسية الإسلامية فشلت في حل مشكلات المجتمع العربي، ونظام الحكم الذي أقامته حماس في غزة كان أسوا بكثير من نظام الحكم الذي أقامته فتح.»
أن تفخر بأنك ماركسي، فهذا شأنك، رغم أن الماركسية قد فشلت في مهدها بعكس ما تدعي، أما أن تقول بأن الإسلام ليس الحل، فمن حقي كمعتنق ومعتقد بالإسلام أن أرد عليك، وأنا على كل ألحظ في مقابلتك المذكورة عصابا وتشنجا لا مبرر له، وقد خلطت السياسة وتقلباتها بالعقيدة وثباتها، وردي على هذا الكلام المنسوب إليك في النقاط التالية:-
1) إن الإسلام هو من حرر فلسطين وسائر بلاد الشام من الاحتلال الروماني البغيض، ولعلك أنت شخصيا تنحدر من صلب أحد الصحابة الذين جاءوا إلى هنا دعاة مجاهدين، ويكفي فلسطين وبلاد الشام فخرا أن آلافا من الصحابة قد دفنوا فيه، وما كان الغساسنة إلا أذنابا للرومان الذين يحتلون بلادهم، وما كان الإسلام والصحابة إلا المحرّرين لهم من الذل والاستعباد، بعدما عبدوا الله ووحدوه وتركوا بل حطموا اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وانطلقوا في البلاد ليخرجوا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، أما إذا كنت تعتبرهم غزاة ومحتلين، مثل بعض من وقعوا في تلبيس خبثاء المستشرقين، فهذا موضوع آخر؛ فنحن حين نتجادل عن فلسطين ووضعها لا ننسى أن للإسلام فيها حصة كبيرة، بل الحصة الأكبر والأهم، منذ الإسراء والمعراج وحتى العهدة العمرية، واستخراجها من براثن الفرنجة الصليبيين على يد الناصر صلاح الدين،وبانتظار تحريرها من المشروع الصهيوني، فلا يمكن أبدا فصل فلسطين عن الإسلام أو إبعاد الإسلام عن فلسطين.
2) إن الإسلام هو الحل، وهو صالح لكل زمان ومكان؛ وفي ظروف زمنية معينة وأوقات وظروف خاصة قد ينجح شيء آخر في جوانب معينة، لكنه سرعان ما ينهار كقصر من ثلج تذيبه أشعة الشمس، أو بناء من رمل تبعثره ركلة طفل صغير، إن ماركس الذي تفاخر بأنك من مدرسته الفكرية ربما لو طال به الأمد لقلب كل ما آمن به وغيّر وبدل، ولعلك تدرك بأنه والنواة الأولى للماركسية كانوا يعتقدون بأن فكرهم سيسود المجتمعات الصناعية مثل إنجلترا وألمانيا، ولكن ما جرى هو أن الثورة البلشفية قامت في روسيا الإقطاعية القيصرية الزراعية التي سادها التخلف مقارنة بالدول الأوربية الأخرى، وإذا كان ماركس يرى بأن «الدين أفيون الشعوب» فإن البعد عن الإسلام بالنسبة لأهله هو الأفيون، فماركس ابن رجل يهودي غيّر دينه للمذهب البروتستانتي وعاش في أوروبا التي كانت قد قطعت شوطا في تقليم أظافر سلطة رجال الكنيسة، أما نحن فقد أعزنا الله بالإسلام، وحين ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، وماذا كنا قبل الإسلام؟ يصنع الرجل تمثالا من التمر فيأكله إذا جاع، ويطوف بأصنام من خشب وحجارة لا تنفع ولا تضر، وتحكمه قيم القبلية والتخلف ويسود مجتمعاتنا التمزق، وحتى من اعتنق دينا غير الوثنية من العرب، لم يكن لهم شأن وغلبت عليهم التبعية بل الذيلية للدول والحضارات التي سادت، فانظر كيف نقلهم الإسلام إلى عزة ومنعة، فهل تنطبق مقولة صاحبك على الإسلام وأهله؟ ويمتلك الإسلام حلاّ عادلا ومتوازنا لكل مشكلات الناس، من هم من أهله ومن هم من غير أهله، وليس ثمة مجال للدخول في محاججات و مطارحات فكرية في هذه العجالة عن رأي الإسلام في مشكلات صنعها الناس بما كسبت أيديهم، ولكن الإسلام فيه نظام الزكاة الذي لو طبق بشكل جيّد لتحققت عدالة اجتماعية نحلم بها جميعا، وفي الإسلام الربا حرام والاحتكار حرام والغش حرام، ومشكلات العالم تفجرت أساسا بسبب الربا والاحتكار.
ما المشكلات التي حلتها الماركسية؟ وسأجاريك قليلا، فإذا كانت الماركسية تحل بعضا من المشكلات الاقتصادية، فماذا عن النزعة الفطرية في الإنسان نحو التدين، ولقد بنى الاتحاد السوفياتي الذي تأسف –بلا ريب- على شبابه امبراطورية همّشت كل الأديان والقوميات وهدمت المساجد وأغلقت الكنائس، فهل هذا هو النظام الذي يحل مشكلاتنا؟ وهل الإنسان مجرد آكل وشارب فقط؟
3) أحسب تصريحاتك بناء على استشعار بأن الرأسمالية تطوي راياتها وهي على وشك الرحيل، وأنا مقتنع بذلك فالرأسمالية تترنح، ولكن استشعارك قادك إلى وهم حلول ماركسيتك محلها، وستثبت الأيام خطأ هذا الاستنتاج، فلا عودة إلى الوراء وقد جُرّبت الماركسية، وتذكر نحن لسنا في عصر المطرقة والمنجل، فهناك لوحة المفاتيح (الكيبورد) والجرار الزراعي (التراكتور) و «الكمبريسة»...فالمطرقة والمنجل والحركة العمالية بشكلها الذي رآه ماركس تغيرت وتبدلت كثيرا.
4) كان د.فتحي الشقاقي، رحمه الله، يقسم الغرب إلى جناحين إبان الحرب الباردة وهما: الرأسمالي الصليبي، والشيوعي الماركسي، لأن الرأسمالية والماركسية بالنسبة لنا هي نتاج الغرب، فموسكو غرب مثلما هي واشنطن، وقد أوضح د.محمد خاتمي في إحدى محاضراته بأن الأفكار التي سادت خلال القرن المنصرم كانت غربية خالصة ولم يكن للشرق في تكونها دور، سواء النازية والفاشية أو الماركسية التي دخلت في حرب باردة مع الرأسمالية بعد تحالفهما لسحق النازية والفاشية، وقد تسببت صراعات الغرب في سقوط مئات الملايين من الضحايا عبر حربين كونيتين وحروب أصغر، ناهيك عن المجاعات والمآسي الجمّة، وحسبنا أن هتلر وموسوليني وستالين(ربما تحبه) ليسوا من مواليد ولا تربية القاهرة أو بغداد أو دمشق أو مراكش؛ فهذه يا رفيق ملّوح منتوجات فكرية غربية، فلم لا تتحلّى بشيء من الغيرة والحفاظ على الخصوصية، وتختار ابتلاع المنتوج «المنجلي» بأكمله؟ وهاك العملاق الصيني فهو اعتمد شكلا ماركسيا لم يهمل كونفوشيوس، ولا تنكّر لحضارة الأجداد وتراثهم.
أما الدول التي عادت إليها الحركات والأحزاب اليسارية عبر صناديق الاقتراع فقد نجحت بالمزاوجة بين الاشتراكية والكنيسة، وقد كان أمامكم كأحزاب يسارية عربية فرصة طويلة لمزج المسجد وموروث الأمة الحضاري برؤاكم الاشتراكية، ولكنكم لم تقتنعوا بأن خيولنا العربية الأصيلة لا تعيش في سيبيريا، ونخلنا وزيتوننا لا ينبت هناك، مثلما لا تعيش فقمات ودببة سيبيريا في سهولنا وبوادينا!
5) لعلك بحديثك عن فشل الأحزاب السياسية الإسلامية (كما سميتها) في حل مشكلات المجتمع العربي، تريد الوصول إلى مربع يُرد عليك فيه بأن الأحزاب الماركسية فشلت في حكم روسيا وشرق أوروبا، لتقول بأن النظرية صائبة ولكن التطبيق خاطئ، وأنا لن أمنحك هذا، لأنه وباختصار لم تحكم الأحزاب الإسلامية في بلاد العرب وظلت ملاحقة ومقموعة حتى وقت قريب، إلا إذا كنت يا رفيق ملّوح ترى بأن التجمع الدستوري، والوطني الديموقراطي، والبعث الاشتراكي أحزابا إسلامية!
6) أما حديثك عن نظام فتح ونظام حماس؛ فهو حديث لا أرى له محلا، عوضا عن كونه يصب في خانة تعزيز الانقسام بحديثك عن «نظام» في غزة تناوبت عليه فتح وحماس على التوالي؛ فنحن يا رفيق ملّوح، وأنت تعرف هذا ونوّهت به أكثر من مرة، ليس لدينا دولة مستقلة، ولا تنسى أن الجبهة الشعبية ممثلة بالنائبين جميل مجدلاوي وخالدة جرار منحت الثقة للحكومة العاشرة عام 2006م، كما أن حركة حماس في محاججاتها وما تقدمه من براهين وأدلة لإثبات صحة مواقفها تلجأ إلى القانون الأساسي الفلسطيني وليس لمرجعية أخرى، وكان وما زال احتكام حماس ومجادلتها لخصومها السياسيين بناء على القانون الأساسي محل نقد لاذع من حركات إسلامية أخرى(حزب التحرير وبعض السلفيين)، فوضع حماس في خانة حركات إسلامية في بلاد عربية أخرى بهذا الشكل التعميمي ليس دقيقا، لأن حماس كما فتح كما الشعبية كما الجهاد هي حركات قامت من أجل التحرر من الاحتلال، ولكل منها مرجعياته الفكرية وآراؤه ومعتقداته، صحيح أن هناك وضع تسلمت به الحركتان الكبيرتان إدارة شئون الناس، ولكن هذا فرع وليس أصل بغض النظر عن المدى الذي وصلت إليه الأمور.
يا رفيق عبد الرحيم ملّوح: إن الإسلام هو الحل، وليست الماركسية التي جرّبت، ولو أنك تواريت ولم تختر التهجّم فمدحت الماركسية، ولم تغمز من قناة الإسلام، لكان ثمة من يعذرك.
إن الإسلام الذي تعرّض لكل أنواع المؤامرات ومحاولات الاجتثاث عبر أكثر من 1400 سنة منذ التنكيل والتكذيب في مكة وصولا إلى قذف الناس بالقنابل وزج البعض في غوانتانامو باق، ولو تعرض أي دين أو معتقد لما تعرض له الإسلام لما بقي، في اعتقادي إن الله يحمي الإسلام « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» ولا أعرف ما تعتقد، ولكن ماركسيتك قد استنفذت وفشلت، أقولها بأعلى الصوت:الإسلام هو الحل..الإسلام هو الحل..الإسلام هو الحل.
همسة عتاب في أذن بعض الإسلاميين: هذا الرجل لا يخجل من المفاخرة بماركسيته، فما بالكم في السنوات الأخيرة، ولأجل استمالة بعض أهل الغرب لنفي ما يرمونكم به من تهم وأباطيل اخترتم ترك التفاخر بأن إسلامكم وقرآنكم هو بلسم الأمراض، وهو الوقاية أصلا؟ إذا كان هذا يفاخر بماركس الذي لن أخوض في سيرته، فهل تخجلون من محمد صلي الله عليه وسلم , وقبله إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ أم تخجلون من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطارق وسعد وطلحة والزبير والحسن والحسين والمنصور والرشيد وصلاح الدين وبيبرس ومحمد الفاتح؟ اتركوا الخجل والمواربة فو الله ليس ثمة ما نخجل منه وحسبنا أنه قرآن كريم، ونبي أمين، وسنة مطهرة، ومنهاج قويم، اللهم أحينا عليه وثبتا إلى يوم الدين.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية