إلى عائلة شاليط والهيئة العاملة من أجل شاليط
بقلم الأسير القائد رافت ناصيف
تحية وبعد:
منذ أن تمكنت المقاومة الفلسطينية من أسر ابنكم وصديقكم الذي أُرسل وزملاؤه لقتل أبناء شعبي في قطاع غزة تنفيذًا لتعليمات قيادتكم وحكومتكم، وأنا أتابع مساعيكم وجهودكم من أجل تأمين الإفراج عنه، فإنكم لم تتركوا وسيلة إعلامية أو دبلوماسية أو سياسية أو جماهيرية إلا وسلكتموها لإبراز قضية غلعاد، حتى باتت القضية الأكثر شهرة ربما في معظم الأوساط العالمية وهو جهد يستحق الاحترام، لأنه يعكس اهتمامًا منكم بابنكم هذا الاهتمام الذي بلا شك سيسهم في التخفيف عنه وهو في سجنه لا أقول ذلك إلا لأنني كفلسطيني عايشت التجربتين؛ تجربة أن أكون من عائلة أو أصدقاء أسير، وهي التجربة التي تمثلوها أنتم اليوم، وتجربة أن أكون أسيرًا، وهي حال ابنكم الأسير اليوم، لكن معايشتي فيها فارقٌ عن تجاربكم أنتم وابنكم؛ ففي التجربة الأولى فإنني لا أحزن من وجود شخص واحد بالأسر كما الحال معكم، وإنما حزنت لأن عشرات من عائلتي وأصدقائي ذاقوا مرارة الأسر، ومنهم آلاف ما زالوا يعانون، وما زلت أغتم بسبب استمرارهم في الأسر، ومعاناتهم بسبب ما يلاقونه من قهر ومحاولات إذلال وقمع من قبل قياداتكم وحكوماتكم، وهؤلاء منهم من في سجون كيانكم منذ ثلاثين عامًا، أي عشرة أضعاف المدة التي قضاها ابنكم، وإذا كان ابنكم في بداية شبابه، فأصدقائي الأسرى هم من كل الفئات العمرية، ومن الجنسين، فإذا لم تكونوا تعلمون فاعلموا مني أن من أصدقائي أطفال وشيوخ وشباب، متزوجون ولهم أبناء، نساء ورجال لم يراعِ سجانهم أية قيمة إنسانية أو أخلاقية عند التعامل معهم، فلم يراعِ شيب الكبار، ولا طفولة الأطفال، ولا أنوثة النساء، فيأتي من هو من جيل ابنكم من أفراد جيشكم أو شرطتكم ليوجه له الإهانة إن الفارق في التجربة الثانية، فإنني ما زلت أسيرًا بلا تهمة، فيما يسميه كيانكم بالاعتقال الإداري، حيث أعاني في السجن دون مبرر، ومثلي قرابة أربعمائة أسير إداري، يضاف إليهم آلاف الأسرى الذين زج بهم في السجون فقط لأنهم فلسطينيون يرفضون الاحتلال نعم، إنني وأنا أتابع نشاطاتكم فإنني أتفهم المشاعر والعواطف التي تقف خلفها والآلام والقلق اللذان يرافقان حياة ذوي الأسير ومحبيه، وأستشعركم الحزن الذي يخيم عليكم ويتجدد مع إشراقة شمس كل صباح هذا كله إن كان ابنكم معافى من مرض أو إصابة، أو إن كان ما زال على قيد الحياة بعد الحرب على غزة، فكما نتابع وتتابعون ونسمع وتسمعون عبر الإعلام فإنه لا معلومة تفضي عن الصورة الحقيقية التي هو عليها أيها السادة: كل ما أسرده عبارة عن مشاعر وأحاسيس لا بد وأنها تكون حاضرة في نفس كل أسير، وفي نفس كل من له صلة به من عائلته وأصدقائه ومعارفه، فهي ليست مبالغة، وإنما هي توصيف لحقيقة فعلاً، قد تكون صعبة وجارحة لكنها حقيقة الأسر أيها السادة: وفي هذا المقام الذي أقدر فيه جهودكم الكبيرة، فإنني أطرح عليكم تساؤلاتي الصريحة التالية ألم تفكروا وتتساءلوا لماذا لم يحل موضوع ابنكم؟ ولماذا لم يعد ابنكم كما عاد الكثير ممن سبق وأسروا قبله؟ ولماذا يتم تعقيد الصفقة رغم أنها ليست الأولى التي يبرمها قادتكم وحكوماتكم؟ ثم ألم تسألوا أنفسكم لماذا تثار قضية ابنكم في الإعلام بين الفترة والأخرى ثم تخبو، ومن وراء ذلك؟ إلى متى ستبقى معاناة ابنكم ومن السبب في عدم إنهاءها؟ أنا متأكد أنكم تدركون أن كل هذه التساؤلات محقة وفي مكانها، وأنا متأكد أنكم في قرارة أنفسكم تعلمون الإجابة الوحيدة عليها جميعًا، ولكنكم وربما بدافع حرصكم على ابنكم وخوفكم على مصيره تفضلون البقاء على حالة الصمت التي تعيشون اتجاه هذه الأسئلة لذلك أسمح لنفسي بالإجابة عنكم، وفضح ما تخشون فضحه بأنفسكم، وتتحرجون من إعلانه، إلا أن حكوماتكم وقاداتكم هم العائق أمام عودة ابنكم إليكم، وأنهم لا يعيرون بالاً لقضيته رغم أنهم أرسلوه إلى مصيره الذي يحياه اليوم وزملاؤه الذين لاقوا حتفهم أجل فحكوماتكم وقياداتكم لم يكن ليهمهم جيش بأكمله فضلاً عن أن يهتموا بقضية ابنكم، لأن ما يهمهم فقط هو الحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم الشخصية والمزيد من الثراء، وقضية ابنكم تدار على هذا الأساس، فمصالحهم تتطلب أن يبقى في الأسر لجني المزيد من المصالح الذاتية لهم وظهورهم بهذه الصورة أو تلك، لأنه أمام مصالحهم تداس عندهم كل القيم واللياقات والأصول، ويصبح كل شيء عندهم مباحًا، دون أدنى اعتبار لانعكاسات ذلك على كيانكم أو مواطنيكم أو جنودكم أيها السادة: هذه الحقيقة التي تترددون في إعلانها والبوح بها كون ابنكم الشاهد الملكي فيها على حكوماتكم وقياداتكم السياسية والعسكرية والحزبية والإعلامية قضية إدانة بالجرم المشهود لهم، هذه الحقيقة المرة التي عليكم أن تدركوها، فلا تترددوا بأخذها اليوم مني لكوني فلسطينيًّا، فإني أقولها لكم كوني أستشعر معاناتكم من جراء الصلف والعنجهية والمماطلة التي تتصف بها قيادتكم، التي أصبحت قضية ابنكم تُستخدم من قِبلهم فقط حسب أمزجتهم ومدى خدمتها لمصالحهم انظروا إليهم كيف يتلاعبون إعلاميًّا بمشاعركم ومشاعر ابنكم عندما يصدرون المعلومات الكاذبة للإعلام حول قرب الصفقة، ليكون الجو مناسبًا لأحدهم كي يخرج للإعلام ويظهر لشعبكم أنه القوي والحريص وأنه الذي لا يخضع، ألم تروا كيف بين فترة وأخرى يتسابقون على الإعلام ليعلنوا أنهم معنيون بإعادة غلعاد إليكم، ولكن ليس بأي ثمن؟ وكأن المقصود والمطلوب منهم هو شيء مستحيل وليس في متناول أيديهم، والحقيقة ليست كذلك، فلقد سبق وأن أطلقوا سراح أسرى ممن يمتنعون عن إطلاق سراحهم مقابل حرية ابنكم اليوم بصفقات سابقة وحتى بدون ذلك، ثم هم وافقوا كما أعلنوا على قائمة "حماس" مع اعتراض على قسم منهم أيها السادة: لقد مضى ما يزيد على ثلاث سنوات دون أي تغيير في شروط قوى المقاومة الفلسطينية ومطالبها، الأمر الذي يجعل من التلكؤ في إبرام الصفقة مزيدًا من المعاناة لكم وله، فلماذا، ما داموا وافقوا ورأوا أنه لا أمل إلا بالموافقة على الباقي، لا يُقدِمون على إنهاء الصفقة؟ فمبررهم بالموافقة على الجزء أسقط حجتهم، وإذا ما أردتم التأكد فاسألوا حكومتكم الحالية لماذا لم تواصل من حيث انتهت سابقتها، واسألوا السابقة لماذا لم تبرم الصفقة رغم أنها أعلنت أنها شارفت على الانتهاء؟ الجواب هو أن قيادتكم الجديدة كما السابقة تريد كسب المزيد على حساب مشاعر ابنكم وأحاسيسه وأحاسيسكم من الثراء والمظاهر البراقة لشخوصهم والظهور بأنهم أقوياء وفي ختام رسالتي أنصحكم بأن تتحركوا في الاتجاه الصحيح بالضغط على قياداتكم وحكومتكم قبل فوات الأوان، وقبل أن يصبح غلعاد هو (رون آراد 2) بسبب عنجهية قيادتكم، وتذكَّروا أن قياداتكم المتعاقبة استعدت كما أعلنت أن تدفع مقابل معلومة عن جلعاد أي ثمن، ولا تنتظروا حتى لا تسمحوا بأن تتحول قضيتكم إلى مجرد رواية يقصها الأجداد على أحفادكم مع فائق الاحترام أيلول (سبتمبر) 2009م
الأسير رأفت ناصيف عذو القيادة السياسية في حركة "حماس".
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية