إلى وجيه أبو عيدة في سجن الجنيد ... بقلم : جمال عبد الله

إلى وجيه أبو عيدة في سجن الجنيد ... بقلم : جمال عبد الله

الجمعة 13 نوفمبر 2009

إلى وجيه أبو عيدة في سجن الجنيد

جمال عبد الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وأسعد الله أوقاتك من عنده بكل خير وحب وأسأل الله أن يفرج كربتك ويلم شملك بأهلك وأسرتك...
أخي وجيه أبو عيده أبو عبد الرحمن اسمح لي أخي أن أوجه لك تحية حب وإجلال وإكبار وأنت الرابض في سجن جنيد منذ ما يقارب الأربعة شهور تقضي فيه أيامك بين جدران الأسى والحقد التي أعدت لك ولأمثالك من أبناء هذه الدعوة الغراء ،في هذا السجن تثور فيه أشواقك ، تكتم ساعات جراحك التي حفرت على جبين الدهر.

اسمح لي أخي الحبيب أن أحدث أبناء الأمة ، وأسجل شهادة لي سينقلها وسيكتبها التاريخ وسيتناقلها أبناء دعوتنا الغراء والذين سيذرفون الدموع ويبكون وهم يتخيلون ما أصابك وما الم بك ،سيبكون ليس لقوة الكلمات ولكن لبشاعة ما تعرضت له ، وإني لأحسب كلماتي أمامكم هباء ، تتساقط خجلاً بل وإجلالاً يا من بعت النفس لله وذقت لهيب السياط وقلبك ظل بحب الله يهتف ، وبدعوته ينبض.


وقبل الحديث أعتذر إليك أن اضطررت استخدام بعض الكلمات التي قد تخدش الحياء ، وتقتحم بعضاً من خصوصيتك ولكن هي الحرب يا أخي بها ما بها من ألم وجراح ودماء ،وكما كنت تقول لنا أن بعد الشدة يسر وبعد الفرج كرب، نقول:
لقد جمعني الله بالمهندس وجيه أبو عيدة مرتين في السجون كانت الأولى قبل 15 عاماً وفي سجن النقب الصحراوي تحديداً حيث كان أميرنا العام ، وكنا وقتها معشر حماس قلة في سجون الاحتلال وكنا نعاني من سلب الحقوق وعدم قدرتنا على أن نمثل أنفسنا ، وكنا وقتها مستضعفين في الأرض ، ولكن هاماتنا كانت وستبقى بإذن الله عالية تناطح السحاب ، فرأيت من هذا الفارس الهمام الذي كان يطيب لنا أن نسميه " الأصلع " - لصلعته الكبيرة- كلَّ قوة وشدة ، كان ينتزع حقوقنا بكل إباء ويقول " إنه حق حماس لن أتساهل فيه مهما كان " ، ولن أتحدث عن هذه الفترة فلقد تربينا وتعلمنا من أخينا المهندس وجيه الذي كان مسؤولاً عن الفعاليات في بيان حماس الذي كان يصدر في الانتفاضة الأولى الكثير وله أفضال كثيرة وكبيره علينا لن ننساها ما حيينا، وتتابعت الأيام ومرت السنين وجمعني الله مرة أخرى بالمهندس وجيه في سجن الجنيد سيء الصيت والسمعة ، ففي إحدى الليالي الطويلة والصعبة التي كنا نعيشها ممنوعين من النوم والحركة مشبوحين طوال الليل والنهار ، سُمِح لي أن أدخل زنزانتي وما إن وضعت رأسي لأنام بعد أسبوع كامل من الشبح والضرب حتى سمعت جلجلة أصوات عالية أيقظتني من نومي مفزوعاً، حاولت أن أسترق السمع ولكن لم أفهم إلاَّ أصوات صراخ فهمت منها أنهم ألقوا القبض على شخص مهم ، حاولت من خلال بعض الثقوب الموجودة في الباب أن أعرف مَنْ هذا الشخص لم أستطع فكل الضباط يحيطون بالأسير وما هي إلا دقائق حتى انهال الجميع بالضرب على هذا الرجل ، وبدأ صوت الصراخ والتكبير يخرج من هذا الرجل ، توجهت إلى الله وبدأت أدعوه سبحانه وتعالى أن يخفف عن أخي ، ولطالما قلتً وما زلت أقول " قد يكون سماع صوت المضروب وصراخه أهون بكثير من تعرض الإنسان للضرب المباشر " علمت أن الذي يضرب هو وجيه أبو عيده ، بكيت بشدة على أخي فهو رجل كبير ، متزوج وله أبناء وبنات على أبواب التخرج من الجامعات ، ويضرب بهذه الطريقة !!

ومن خلال الكلام والضرب علمت أن المهندس وجيه أفرج عنه من سجون الاحتلال قبل ستة أيام ! وقد كان التحقيق معه والحديث كله يدور عن أموال ، وعن وضعه بحماس وعن مسؤوليته عن ملف الأسرى والمعتقلين ، وهذا أمر كنا نعرفه فوجيه دفع سنوات طويلة من عمره في سجون الاحتلال نتيجة عمله وخدمته للأسرى والمعتقلين ، واليوم جاء دور أن يدفع ثمن هذه الخدمة عند أبناء جلدتنا الذين يرفعون شعار الحرية للأسرى.

أثناء التحقيق والضرب عُلق الشيخ من يديه و معروف أنه ممتلئ البنية بعض الشيء وأن يديه لا تستطيعان حمله ، اشتد صراخ البطل واستأسد الرجل وزاد الإيذاء وبقي وجيه صامداً، في هذه الأثناء أتى ضابط كبير وقال : أنزلوه، نزل قال له لا تريد أن تخبرني عن مكان أموال الأسرى وهيكلية حماس ؟! قال وجيه : لا أعلم شيئاً ، فقال اذهبوا واعتقلوا زوجته أم عبد الرحمن قلت أنا في نفسي : أسلوب رخيص ولا يمكن أن يعتقلوا زوجته ، قال لهم وجيه : لن يتغير الأمر ، أنا لا أعلم شيئاً! ، وما هي إلا ساعات قليلة حتى سمعت صوت امرأة تصرخ ، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل فزعت إلى باب زنزانتي ونظرت من ثقب بالباب وجدت وجيه المشبوح والذي كان قد أسدل رأسه على كتفه من شدة التعب قد نصب رأسه وبدا يحركه محاولاً أن يتحسس مصدر الصوت وما هي إلاَّ لحظات حتى بدأ يصرخ الأسير المقيد وجيه ، المهندس الذي نسي كل ما تعلمه طوال سنين عمره وبدأ يصرخ بشكل هستيري أم عبد الرحمن ... ! ، انتفضت فرائسي واقشعر جسدي ، وبت أبكي بحرقة ، وأدعو الله أن يثبت أم عبد الرحمن وأن يصبر وجيه ، حضر أحد المحققين وكان يمازح زوج المختطفة قائلاً: أم عبد الرحمن زوجتك عندنا بالصون والعفاف لم يمسها أحد وهي أختنا !. قلت في نفسي : أختك يا كلب ، أختك والله لا يشرفها أن تكون أختك .

وبدأ وجيه بالصراخ والشتائم ولكن قد أسمعت لو ناديت حياً ... من تنادي يا وجيه ، قد ماتت الحمية والنخوة في قلوب القوم، لا تنادي الا الله فهو القادر وهو الجبار المنتقم

كنت أسمع صوت أم عبد الرحمن،مرت الليلة الأولى طويلة وأتى يوم جديد وكنا في كل يوم نسمع صوت أم عبد الرحمن زوجة المهندس وجيه أبو عيدة، استمر اعتقالها في سجن الجنيد يا قوم لمدة 45 يوماً ، وخلال هذه الأيام خرج علينا الناطق باسم الشرطة عدنان الضميري يقول إن الأجهزة الأمنية توصلت لاعتقال مجموعة تابعة لحماس سلمت مليون يورو ووجد بحوزتها مخططات لهيكلية المقاطعة ومقرات الأجهزة الأمنية.

ما أريد أن أقوله أن وجيه أبو عيده تحمل ما لم تستطع أن تتحمله الجبال الشم لقد رأى بأم عينه زوجته معلقة مشبوحة وهو لا يستطيع أن يمسح دمعتها وهي رأته بأم عينيها وهو يبكي عليها ،وكيف لك أن تصف هذه المشاعر المؤلمة التي تترفع كل التعابير عن وصفها ، لقد علم وجيه أن الدورة الشهرية أتت زوجته ورأى أيضاً بأم عينه آثارها على ثوب صاحبة العفة والطهارة الداعية أم عبد الرحمن وعلم من خلال حديثها من مجندة أو ضابطة كانت هناك أنها تطلب أموراً خاصة تعالج بها هذا الأمر الفسيولوجي لم يعلم ماذا يفعل أو يقول ، كان كل هم أم عبد الرحمن أن لا يموت زوجها قهراً ، فكانت تواسيه بكلمات كانت عبارة عن خناجر تزيد ألم الرجل . تخرجت بنت وجيه أبو عيدة، براءة والتي نالت المرتبة الأولى على دفعتها في قسم الهندسة المعمارية في جامعة النجاح الوطنية، وشقيقتها "تسنيم أبو عيدة " التي تخرجت بتفوق أيضا من كلية الهندسة بعد دراسة استمرت أربع سنوات ونصف . ولم تستطع لا الأم المشبوحة ولا الأب الذي أرادوا تدمير نفسيته وتحطيم معنوياته وإذلاله أن يشاركا فلذات الكبد تسنيم وبراءة فرحة التخرج والتفوق فما زالتا بانتظار أن يضم قلبه قلبهما الطاهر.

ولم يتوقف أذناب الاحتلال عند هذا الحد بل قاموا ببث الشائعات حول اعترافاته وأنه سلم المال وغير المال وأشاعوا بين الشباب قصصاً نسجوها عن اعترافاته ، وبغض النظر عما قال الرجل أو ما قيل عنه فإني أشهد بالله أن ما تحمله وجيه أبو عيده وزوجته تنوء الجبال عن حمله فلك يا أبا عبد الرحمن ولك يا أم عبد الرحمن أقف لأقول لحماس وأبناء حماس أن مكانتكما عندنا قد زادت وأبناء حماس ورجالاتها في الضفة ونابلس يقدرون صمودكم وثباتكم ونحن منكم وأنتم منا ونتشرف بالانتماء لدعوة أنتم جندها وقادتها ونسأل الله الذي جمعنا بكم أسرى أن يجمعنا بكم في جنات النعيم إخواناً على سرر متقابلين.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية