ابتزاز دولي مرفوض
أمجد عرار
الاتحاد الأوروبي بترحيبه بالاتفاق المبرم بين حركتي "فتح" و"حماس" يحاول الإيحاء لمن يسمعه بأنه يتواءم مع مشهد كان خطأ وتحوّل إلى صواب. وكعادة المنظمات الدولية المعبّرة عن منطق رأس المال والسوق، يقحم اتحاد أوروبا المال ثمناً للمواقف السياسية، أي أنه يمارس الابتزاز والرشوة في لبوس سياسي.
فالمتحدث باسم الاتحاد يستبق حكومة توافق فلسطينية متوقّع تشكيلها بالإعلان عن أن المساعدة المالية الأوروبية للفلسطينيين مرتبطة باحترام الحكومة الفلسطينية المتوقّعة مبادئ اللاعنف والتوصل إلى حل الدولتين والتسوية السلمية لما يسميه النزاع "الإسرائيلي" - الفلسطيني والقبول بالاتفاقات المبرمة سابقاً بما في ذلك حق "إسرائيل" في الوجود.
الغريب أن يقول هذا المتحدّث إن الاتحاد الأوروبي يترقب بفارغ الصبر الانتخابات المقبلة في الأراضي الفلسطينية، ويريدنا أن ننسى أن دول أوروبا ومن يشبهها من الدول تنكّرت للانتخابات الفلسطينية التي أجريت عام 2006 وفازت بها حركة "حماس"، رغم أن تلك الانتخابات جرت تحت رقابة فريق دولي كبير ترأسه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي أشاد بنزاهة تلك الانتخابات، كما أن الجهة الخاسرة فيها (حركة فتح) أقرت بنزاهة الانتخابات وهنأت حركة "حماس"، وعندما شكّلت معها حكومة الوحدة برئاسة إسماعيل هنية، اتخذ مسؤولو دول الاتحاد الأوروبي، وقبلها الولايات المتحدة قراراً بمقاطعة وزراء "حماس" في تلك الحكومة، ثم تطورت مواقف هذه الدول إلى فرض حصار شامل على قطاع غزة.
نتذكّر كيف كانت المطالبة بإجراء الانتخابات الفلسطينية سيفاً مسلّطاً على الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم انتقلت المطالبة إلى خلفه محمود عباس، لكن عندما جاءت النتائج غير متلائمة مع مواقف أوروبا وأمريكا، كان قرار التنكّر والمقاطعة والحصار، أي أن أبناء الشعب الفلسطيني في غزة عوقبوا لأنهم لم يبرمجوا خياراتهم على مقاس الديمقراطية الغربية ومواقفها المستنسخة عن رغبات ومخططات "إسرائيل".
هذا يعني أن الديمقراطية ومصالح الشعوب هي آخر ما تفكّر فيه هذه الدول، أما أول ما تفكّر فيه فهو مصالحها ومصلحة "إسرائيل"، لذلك لم نسمع ولا يمكن أن نسمع الاتحاد الأوروبي وأمريكا يمليان أية شروط على "إسرائيل" مقابل الدعم السخي على جميع الجبهات، مالياً وسياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وأمنياً.
لم نسمع هذه الدول تشترط لمواصلة دعمها "إسرائيل" التزام هذه الأخيرة بحل سياسي ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن باعتبارهما لعبتهم التكتيكية والاستراتيجية لإخضاع الشعوب وتسيير دفة السياسة الدولية بالاتجاه المخطط له في دوائر أصحاب القرار في الغرب.
طرق هذا الموضوع الآن ليس من باب التعليق العابر، إنما لأن الساحة الفلسطينية، ربما تكون هذه المرة، مقبلة على استحقاق تصالحي أو توافقي ما نضجت ظروفه في ظل خريطة جديدة تتبلور توحّدت فيها المرجعيات وتمركز القرار في بؤرة واحدة هذه المرحلة مرحلتها.
وكما نرى واضحاً فإن بوادر تشابه سياسي تظهر لدى قوى التسوية التقليدية، وقوى كانت ضدها وأصبحت تردد علناً استعدادها للانعطاف نحوها في إطار قطف ثمار المرحلة وتجسيداً لمقولة تروق للغرب كثيراً مفادها "الانتقال السلمي للسلطة"، وهذا "السلمي" يتطلب رضى من يملك طرف خيط العرقلة وهو قابع في البيت في واشنطن وأخواتها.
نأمل من جميع الأطراف الفلسطينية أن تضع نفسها جميعاً تحت سقف فلسطين ومقدّساتها وثوابتها وحقوق لاجئيها، فلا يساوموا عليها لا مقابل "الرضى" السياسي، ولا مقابل التمويل المشروط، فليستمر الصراع مائة عام أخرى، ولا تدخل الحقوق الفلسطينية دائرة المساومات والمقايضة.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية