استحقاق أيلول في العين الإسرائيلية...بقلم : علي بدوان

الأربعاء 14 سبتمبر 2011

استحقاق أيلول في العين «الإسرائيلية»


علي بدوان

من الطبيعي القول بأن "إسرائيل" لا تريد إشراك أي طرف دولي مؤثر في المسار السياسي لعملية التسوية في المنطقة، وتتوافق تماماً في هذا المسعى مع الطرف الأميركي من خلال حصر العملية برمتها تحت الرعاية الأميركية دون غيرها، واستبعاد اللجنة الرباعية الدولية والأمم المتحدة، وبالتالي الاستفراد بالطرف الفلسطيني ووضعه تحت مطرقة الضغط الإسرائيلي اليومي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وعلى أرضية السندان الأميركي.

القلق الإسرائيلي

لكن بالمقابل، إن القلق الإسرائيلي يزداد مع كل اعتراف جديد بالدولة الفلسطينية (الموعودة)، ويشكل أي اعتراف إضافي بالدولة الفلسطينية الموعودة، ضربة للسياسة الخارجية الإسرائيلية التي كانت ترى في دول أميركا اللاتينية على سبيل المثال، مركزاً مهما لحضورها وتأثيرها السياسي والتجاري هناك، خصوصاً في ترويج صناعاتها العسكرية حين كانت دول أميركا اللاتينية وإفريقيا (ومازال بعضها) سوقاً هاماً لتسويق المنتجات العسكرية الإسرائيلية، ولمنتجات وصناعات (الهاي تك).

وقد ازداد القلق الإسرائيلي بعد بلورة وثيقة مشتركة من قبل كافة دول أميركا اللاتينية بخصوص القضية الفلسطينية بمبادرة البرازيل، في الاجتماع الذي تم عقده في ابريل 2011 في مدينة ليما، عاصمة البيرو، والذي ضم دول أميركا اللاتينية و (22) دولة عربية، في إطار المؤتمر الذي تم تشكيله عام 2005 من قبل الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سيلفا، حيث ناقش المؤتمر أيضاً التعاون الإقليمي في المجالات الاقتصادية والسياسية.

كما يتزايد القلق الإسرائيلي من مسألة ما بات يسمى استحقاق أيلول مع الأجواء والمناخات التي ولدّتها المتغيرات والحراكات العربية خصوصاً في مصر، وبسبب ما يبدو من الإصرار الرسمي الفلسطيني على الذهاب إلى الأمم المتحدة، مدعوماً بتوافق عربي كانت قد أطلقته لجنة المتابعة العربية قبل شهرين أثناء اجتماعها في الدوحة. وفي هذا السياق، فقد عُلم بأن سفير "إسرائيل" في الأمم المتحدة (رون بروشاور) ما زال يبذل جهوداً هائلة لإقناع سفراء وممثلي بعض الدول بعدم دعم الموقف الفلسطيني في الأمم المتحدة، معتبراً أن توجه السلطة الفلسطينية أحادي الجانب ولن يجلب الدولة الفلسطينية المستقلة، وإنما سيجلب تدهوراً أمنياً خطيراً في المنطقة يقود لسفك الدماء مشيراً إلى أن الحل الوحيد يأتي من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين وليس من خلال الخطوات أحادية الجانب على حد تعبيره.

كما تشير المعلومات إلى أن السفير (رون بروشاور) عقد (سبعين) لقاء مع سفراء في الأمم المتحدة خلال الفترة الماضية، حيث كانت هذه اللقاءات بشكل مباشر وشخصية لإقناعهم بالموقف الإسرائيلي. إن القلق الإسرائيلي من الاعترافات الدولية بحق الشعب الفلسطيني وبدولته الفلسطينية القادمة، قلق موجود وفعلي، ويعبر في طياته عن (قلق الوجود التاريخي) الذي صاحب ومازال يصاحب هذا الكيان العبري الذي نشأ نشأة طافرة ككيان مصطنع على حساب الوجود الوطني والقومي للشعب الفلسطيني.

أهمية عدم التطاير

ولكن من الضروري بمكان عدم التطاير والمبالغة الفلسطينية بالقلق الإسرائيلي من مسألة استحقاق أيلول وكأن الأمور باتت في نهاية المطاف. ف"إسرائيل" تحظى بمظلة دعم وإسناد أميركية هائلة، تحيطها من كل جانب، وتحميها من تأثيرات الفعل الدولي المناهض أو الناقد لها، وذلك بالرغم من وجود بعض الخلافات السياسية التي تبدو أحياناً بينها وبين الولايات المتحدة، وهي خلافات تبقى على السطح السياسي في كل الحالات ولا تمس صميم العلاقات الإستراتيجية بينهما.

ويلحظ في هذا السياق وجود بعض الاتجاهات في صفوف الانتلجنسيا الإسرائيلية تنتقد موقف بنيامين نتانياهو وحكومته بشأن التعطيل الذي حصل في مسار المفاوضات المباشرة مع الطرف الرسمي الفلسطيني، معتبرة بأن الاعترافات المتوقعة بالدولة الفلسطينية دليل على الأخطاء الإستراتيجية في السياسة الإسرائيلية التي وضعت العالم كله ضدنا (أي ضد إسرائيل) حيث بات الفلسطينيون يتمتعون بتأييد شبه توافقي.

وعليه، فان العديد من الشخصيات الإسرائيلية السياسية والعسكرية وحتى الأمنية وفي عموم قطاعات الانتلجنسيا الإسرائيلية الصهيونية طالبت ومنذ أشهر، حكومة نتانياهو بإطلاق مبادرة سياسية تؤدي إلى إحباط توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، من خلال القبول بوقف الاستيطان والعودة إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي في استمرار التنسيق الأمني، وحماية معاهدة كامب ديفيد مع مصر، ومعاهدة وادي عربة مع الأردن، وإضعاف موقف أعداء "إسرائيل".

بينما يعتقد آخرون من أقطاب اليمين الصهيوني بشقيه التوراتي والقومي العقائدي بأن التصويت على الاعتراف بدولة فلسطين في الجــمعية العامة للأمم المتحدة، لا يغير أي وضع قائم. وهو بمثابة إعلان حرب على "إسرائيل" ومن هنا فهم يدعون لإلغاء اتفاقيات أوسلو من طرف واحد، ورفض أي عملية تسوية قد تؤدي إلى السيطرة الفلسطينية ولو المحدودة على وادي الأردن، وتجريد الكيان الفلسطيني القادم عبر أي حل من السلاح، واستبعاد القدس الشرقية، والطلب من الطرف الفلسطيني الاعتراف ب"إسرائيل" دولة يهودية.

محاولات التفاف إسرائيلية

ومن المعلوم أن حكومة نتانياهو، تتشكل من اليمين واليمين المتطرف وهي غير مهيأة لتغيير تكتيكها التفاوضي أصلاً، ولا حتى رؤيتها الإستراتيجية بالنسبة للخطوط العامة العريضة المتعلقة بمسألة التسوية، خصوصاً بالنسبة للحدود وتفكيك المستوطنات وحق اللاجئين الفلسطينيين. ما يعني أنها ستبقى متمسكة بموقفها من عدم تجميد الاستيطان، ورفض الاعتراف بدولة فلسطينية على كامل حدود العام 1967 واعتبار القدس مدينة موحدة عاصمة لـ "إسرائيل"، ومطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بـيهودية "إسرائيل"، والإعلان المسبق عن استمرار وجود إسرائيلي على امتداد الأغوار، فضلاً عن القفز عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة والذين يشكلون ما نسبته أكثر من (65%) من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

وقد عرض بعض الوزراء الإسرائيليين من أحزاب اليمين اتخاذ عدة إجراءات ضد الفلسطينيين في إطار الضغط ومواجهة مسعى الأخيرة المرتقب بالتوجه للأمم المتحدة، والتراجع عنه. حيث طرح الوزراء عدة اقتراحات من ضمنها تفعيل عقوبات ضد السلطة منها اقتراح وزير المالية (يوفال شطاينتس) وقف تحويل أموال الجمارك التي يجبيها الكيان الإسرائيلي للسلطة، علما بأن السلطة تواجه أزمة سيولة خطيرة، وتجد صعوبة في دفع رواتب عشرات آلاف الموظفين، مع الإشارة إلى أن أموال الجمارك تستخدم لدفع جزء كبير من الرواتب نوقشت تلك المقترحات خلال جلسة المجلس الوزاري الثماني الإسرائيلي برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو الذي لم يبدِ اعتراضاً عليها، حيث أفادت المصادر الإسرائيلية المختلفة بأن وزير الجيش الجنرال إيهود باراك عارض تلك المقترحات، محذراً من أن تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، ما يعني انتشار الفوضى في الضفة الغربية وتحميل إسرائيل المسؤولية عن (2,5) مليون فلسطيني على حد تعبيره وفقاً لما نقلته صحيفة هآرتس العبرية في عددها الصادر يوم الخميس 1/9/2011 .

وبالنتيجة، هناك قلق فعلي داخل "إسرائيل" من تصاعد العملية الدبلوماسية السياسية وحملات التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وهو قلق تسارع أكثر فأكثر مع القبول الدولي المريح لإمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكن "إسرائيل" بالمقابل لا يمكن أن تخضع أو تلوي عنقها مادام الموقف الأميركي متأهباً وبالمرصاد للالتفاف على المشروع الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة، والإجهاز عليه عبر استخدام واشنطن لـ (حق النقض/الفيتو) المنتظر، ومادامت الأمور على الأرض ممسوكة بيد الاحتلال لجهة إمكانية توليد تأثيرات وضغوط كبيرة على الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967 خصوصاً منها في جانبها الاقتصادي الحياتي اليومي، فضلاً عن الاستمرار في إطباق الحصار الظالم والجائر على قطاع غزة.

وماذا عن البدائل الفلسطينية

وأمام الزخم المترافق مع الحراك السياسي المتعلق مع ما بات يعرف باستحقاق أيلول فان اتصالات بعضها علنية، وبعضها سرية تجري بين مختلف الأطراف، ومن بين تلك الاتصالات ما أجراه المبعوث الأميركي ديفيد هيل قبل أيام في رام الله، حيث نقل اقتراحاُ مقدماً من "إسرائيل" عرض فيه تأجيل التقدم بالطلب الفلسطيني للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية لسنة على الأقل والشروع فوراً في مفاوضات على التسوية الدائمة، على أن تجري كما في الماضي على يد وتحت رعاية الولايات المتحدة الأميركية.
ومع ذلك، إن هذا الحراك والتفاؤل باعتراف الأمم المتحدة وقبول فلسطين لعضويتها الكاملة هام وإيجابي، بل ويجب استثمار ما أُنجِز دولياً من اعترافات كان من بينها اعترافات دول القارة الأميركية الجنوبية ودول أميركا اللاتينية، وهو أمر يقتضي تمتين الجبهة الداخلية واستكمال عملية المصالحة وإعادة بناء البرنامج التوافقي الوطني الفلسطيني بين الجميع ليصبح الخطاب الفلسطيني موحداً أمام العالم وأمام الجمعية العامة.

أخيراً، إن مرحلة ما بعد استحقاق أيلول سواء تم تقديم الطلب الفلسطيني للأمم المتحدة أو تم الإحجام عنه، تتطلب إنتاج البدائل الوطنية القائمة على أساس التوافق الوطني، التي تشكّل ضرورة كبرى في إطار العمل المطلوب من أجل تحشيد أوراق القوة الفلسطينية، ووقف عملية بعثرتها، وبالتالي في السير باتجاه انجاز كامل ملفات اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وحل الاستعصاءات التي مازالت تعترض طريق تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها، ومنها مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية تعيد توحيد المؤسسات الفلسطينية بين القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية