استكشاف المكشوف ...بقلم : هاشم عبدالعزيز

الأحد 22 يناير 2012

استكشاف المكشوف


هاشم عبدالعزيز

"قرفتونا مفاوضات"، كان هذا أحد الشعارات التي رفعها حشد من ناشطي الحركة الشبابية الفلسطينية السبت الماضي أمام مقر الرئيس محمود عباس في رام الله أثناء تظاهراتهم الاحتجاجية الغاضبة على ما بات يعرف ب"اللقاءات الاستكشافية" الفلسطينية "الإسرائيلية" التي تجري في عمّان بوساطة أردنية ورعاية اللجنة الرباعية والتي دارت بين كبيري المفاوضين الفلسطيني صائب عريقات والصهيوني اسحق ملوخو في عدة لقاءات من دون نتائج في شأن "استئناف المفاوضات" بين الجانبين، والمجمدة بسبب السياسة الصهيونية المناهضة للتسوية السياسية، وفي الأبرز تزايد سرعة "قاطرة" المشروعات الاستيطانية، بخاصة في القدس والضفة الغربية.

كان المتظاهرون لا يعبرون في لافتاتهم التي رفعوها ومنها: "لا للمفاوضات في ظل استمرار الاستيطان"، و"لا مفاوضات مع العدو الصهيوني"، و"الشعب يريد تحرير الأسرى"، و"لقد هرمنا من المفاوضات"، و"نريد استراتيجية وطنية موحدة"، و"قرفتونا مفاوضات"، لا يعبّرون عن خيبة هذه العملية العبثية وحسب، بل إنهم حينما رفعوا عند الإشارات الضوئية المحيطة بمقر الرئاسة الفلسطينية، لافتة "إذا كنت ضد المفاوضات زمّر" ما جذب تجاوباً قياسياً للسائقين الذين أطلقوا أبواق سياراتهم، إنما كانوا يطلقون صرخة في وجه الاستهبال والتلاعب الذي دار على الفلسطينيين في حقوقهم وحياتهم وتاريخهم ووجودهم تحت مظلة التسوية الأمريكية التي قامت على ازدواجية المعايير فكانت نتائجها هذا الوضع الذي صار فيه الكيان الصهيوني من يطالب ويقرر ويشترط، لا أن تكون الأمور في اتجاه وقف العدوان وإنهاء الاحتلال وإزالة الاستيطان، وهي تبقى بوابة إحقاق الحق والحل الشامل والعادل والسلام الدائم.

قبل "اللقاءات الاستكشافية" جرت هذه اللعبة بإدارة أمريكية تحت عدة مسميات، واستمرت لما يقرب من عقدين، كانت "المفاوضات المباشرة"، ومن ثم "المفاوضات غير المباشرة"، وبعد ذلك ترتيب لقاءات وعقد جولات من المفاوضات التمهيدية قبل أن تسقط إلى هذا ال"قعر" ال"الاستكشافي". وهذا العد التنازلي كان محسوباً أمريكياً وصهيونياً في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية واختزال العملية السياسية على عقدة وليس انعقاد المفاوضات، وما يجري راهناً أقرب إلى مفاوضات بشأن المفاوضات.

في نظر بعض المراقبين فإن السلطة الفلسطينية بدعوتها إلى هذه العملية "الاستكشافية" كانت تجاوبت مع الوساطة الأردنية التحرك بهذا الاتجاه من جهة، ومن جهة ثانية وضعت اللجنة الرباعية ليس أمام مسؤولياتها وحسب، بل ومصير بقائها.

ولكن كيف يرى الفلسطينيون هذه العملية ال"استكشافية"؟

من المناسب هنا الإشارة إلى أن سنوات التسوية الأمريكية التي دارت عبثاً في لعبة المفاوضات لم تبق شيئاً يمكن استكشافه، لأنها، ببساطة، قامت على تبني السياسة الصهيونية القائمة على العدوان والاحتلال والاستيطان التي تجري في حرب مفتوحة لا على الحقوق بل على الوجود الفلسطيني، ما يعني أن ما يجري بات مكشوفاً من عنوانه هو باختصار "استكشاف المكشوف" في إشهار لما آل إليه الوضع من انحدار.

في وصفه لما يجري قال أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي: "إننا في نهاية مرحلة لم تعد فيها الأطراف الدولية المنحازة ل"إسرائيل" قادرة على القيام بدور وسيط في ما يسمى عملية السلام التي تحولت إلى مجرد غطاء للتوسع الاستيطاني وبديل للسلام الحقيقي بفعل الممارسات "الإسرائيلية" على الأرض".

هنا لابد من التنويه إلى مسألتين، الأولى أن الفلسطينيين لن يكون لهم مكاسب من هذه اللقاءات لأنها تدور على قضايا هامشية، وأن ترفض "إسرائيل" وقف الاستيطان لن يكون موقفاً جديداً، ومن الغباء احتمال اتخاذ موقف من الرباعية لأنها لم تكن اتخذت موقفاً تجاه عدم التزام "إسرائيل" بخارطة الطريق المفترض أنها كانت قد أدارت تنفيذها بأولوياتها ومراحلها وسقفها الزمني الذي انقضى منذ سنوات.

أما المسألة الثانية، فإن اللقاءات الجارية تواجه رفضاً فلسطينياً سياسياً وجماهيرياً وهذا لا يخدم السلطة، وهي تذهب إلى إضعاف نفسها بنفسها، خصوصاً إذا ما عرفنا أن العملية ال"استكشافية" تمثل غطاء جرائم الاحتلال على الشعب الفلسطيني، كما أنها تمثل ل"إسرائيل" اختراقاً غير عادي للخروج من العزلة الدولية، والأهم من هذا أن تصير اللقاءات فرصة أمام توني بلير الغني عن التعريف في موقفه المعادي للشعب الفلسطيني وقضيته في إعادة إنتاج اللعبة التفاوضية كسباً للوقت لمصلحة الاحتلال، وفي تدمير ممنهج للفرص الفلسطينية للخروج من الانقسام السياسي والنهوض الوطني لمواجهة العدوان ومقاومة الاحتلال وإزالة الاستيطان.

* كاتب وصحفي يمني

صحيفة الخليج الإماراتية
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية