افتحوا عليهم أبواب جهنم ليستريح جرادات
مجدولين حسونة
مِن بَرد أقبية التحقيق إلى برودة الغضب ونوم المدينة وصقيع الثورة، مِن هامش حكايات الأسرى إلى عناوين النصوص ومانشيتات صُحف الغد، هكذا ينتقل الفلسطيني عندما يمنحه الغرباء موتا باردا كهذا الذي منحه الاحتلال للأسير عرفات جرادات.
شهيدنا اليوم ليس "مبتدأ" في لغة الغياب المتكرر، ولن يكون "مستثنى" وخمسة آلاف عرفات آخرين من الأسرى في ضيافة لاحتمالات الموت، شهيدنا أصبح "خبرا" مفزعا يتجه نحو ضمائرنا التي شارفت على الجفاف و"درسا" آخرَ وليس أخيرا لتلاميذنا، و"سطرا" مَشَرِفا في مجلدات التخاذل و"حدثا" في قلب التاريخ المشتاق لأخبار ما بعد استشهاد أسير وما بعد اغتيال قائد وما بعد اعتقال ثائر وما بعد مصادرة البنادق، شهيدنا حركة لن تجيد التوقف في لغة الغضب ولا السكون في ساحات الهزائم المُتألقة بقبعات السلام وسراويل المفاوضات المهترئة، هو شيء آخر لا يشبه سوى نفسه.
كنتيجة طبيعية لعطب قوانين الفيزياء عن العمل في القضية الفلسطينية انعدام رد الفعل الفلسطيني مقابل كل فعل إسرائيلي وبالتالي هناك أشياء كثيرة تموت فينا على مهل مع كل فاجعة تلم بنا، ولتلاشي مضاعفات هذه "التمسحة الوطنية" إن صح التعبير، على الفلسطيني أن لا يكون لغضبه حدود، أن لا يكتفي برشق الحجارة والانتفاضات الوهمية على الصفحات الإلكترونية، أن يعود لذاك الزمن الجميل والمشرف وينبذ أوامر حاكمه التي توعز له بالصمت وتبرق له التهديدات المبطنة بالاعتقال وحرمانه الأمان، عليه أن يعلم أنه إذا تنازل عن كرامته وحريته مقابل أمان مؤقت لن يستحق الكرامة ولا الأمان الدائمين، وكما قال تشي جيفارا "عندما يحكم العالم حمقى من واجب الأذكياء عدم الطاعة"، على الشعب ايجاد دفة جديدة لسفينة القضية التي شارفت على الغرق بفعل الثقوب التي أحدثتها فيها أوسلو وأخواتها.
(196 شهيدا) بلغ عدد الشهداء في سجون الاحتلال منذ عام 1967 حسب إحصائية شؤون الأسرى والمحررين، 71 منهم من استشهدوا برصاص أجهزة الأمن الصهيونية بحجة هربهم من السجن أو الاعتداء على الجنود، و 50 منهم بسبب الإهمال الطبي، 70 منهم جراء التعذيب خلال التحقيق والضغط النفسي، بالاضافه إلى سبعة آخرين استشهدوا نتيجة استخدام القوة المفرطة بحقهم.
هذه الأرقام تزايدت في السنوات الأخيرة وهي قابلة للزيادة في كل يوم يبقى فيه الأسرى داخل سجون الاحتلال، ونصف هؤلاء الشهداء تم قتلهم على يد جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت" الذي لا يخضع في عمله لأوامر الجيش الصهيوني ولا للشرطة وإنما يتلقى أوامره من رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة، وللمقارنة في هذه النقطة بالذات علينا الانتباه بأن السلطة التنفيذية لدينا والمتمثلة بالأجهزة الأمنية منفصلة عن السلطة التشريعية على ارض الواقع وفي ممارساتها المتعلقة باعتقال المقاومين الفلسطينيين.
ولأننا شعب فلسطين الجبار يجب علينا أن ننتقم بأنفسنا من خلال انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال وثورة ضد أعوانه وكل من يشارك في حمايته، وبهذه الجزئية علينا أن نتبع بعضا من أسلوب "الشين بيت" ولا نتلقى أوامر من أحد لإنقاذ كرامتنا وحريتنا، إذ لدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نتحرك نحو حقوقنا "فحكامنا خُرس من وقر السنين ورجالنا الأشداء لا يزالون في أقمطة السرير".
يمكن القول ومن خلال كلام دلال عيايدة زوجة الشهيد عرفات جرادات أن احتمال موته كان واردا لدى سلطات الاحتلال من خلال ما قام به ضابط المخابرات الذي أعاد عرفات بعد دقائق من اعتقاله ليودع زوجته وأولاده الأمر الذي أثار الريبة والشك في قلب دلال، وهو أمر ليس مستغربا خاصة وأننا نشاهد يوميا سياسة القتل الممنهج للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من خلال الإهمال الطبي لمئات الأسرى وسرقة أعضائهم، والأمراض الخطيرة التي يصابون بها بعد خروجهم من السجن الأمر الذي يؤدي إلى وفاتهم مثل زهير لبادة وزكريا عيسى وأشرف أبو ذريع، ولا ننسى الضرب المبرح للأسرى كحادثة ضرب القيادي عباس السيد في العزل الانفرادي والتي كادت أن يودي بحياته، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من السجون بجانب المفاعلات النووية لإجراء تجارب لأثر هذه المفاعلات على حياة الإنسان وهذا ما يفسر إصابة الأسرى بعدة أمراض خطيرة.
لا يهم كيف استشهد جرادات، هل قتلوه تعذيبا بالتحقيق أم في غرف العصافير أم اقتادوه لجهة مجهولة، المهم انه مات في سجون الاحتلال هذا الذي استخففنا به وصرنا نتعايش معه بضغط من قيادتنا وتنسيقها الأمني وهو سبب كاف للتحرك والابتعاد عن صمتنا الفاجر، فالفجور بتعريف جوزيه ساراماجو لا يكمن فقط في الأفلام الإباحية بل في أن ثمة أناسا يموتون بيننا بسبب الجوع والحروب العبثية.
من الذي يجرؤ على محاسبة كيان غاصب مثل اسرائيل؟! المجتمع الدولي؟ حقوق الإنسان؟ العرب الجديرين بلقب أكثر أمة تتخذ قرارات وتفشل في تنفيذها؟ هذه الأمور مجرد عزاء فاشل تماما كعزاء الغرباء لنا عندما نفقد شخصا عزيزا علينا، يكونوا بصحبتنا في الأيام الأولى للفاجعة وبعد ذلك لا يدري احد بنا إن متنا قهرا أو بحادث فشل في النسيان، لذلك علينا أن ندرك بأننا "نحن الشعب" وحدنا القادرين على محاسبة إسرائيل وهدمها تماما كما ساعد في بنائها البعض منا. ولنكن منطقيين ولو مرة واحدة في حياتنا، فلم يسبق لجهة أو منظمة استطاعت أن تضغط على إسرائيل بوقف نازيتها ومحاسبتها، وبما أننا نحن أكثر شعب في العالم لا يثق بحقوق الإنسان لفرط ما أنتُهكت إنسانيتنا، آن لنا أن ندرك سخافة هذه الخزعبلات وعدم جدواها.
ما فائدة أن نتكلم ولا نتمرد، أن نقول ولا نفعل، أن نصرخ ولا نغضب، أن نغضب ولا ننتقم!
اليوم نتضامن نتباكى ننشر تعليقاتنا وكلماتنا السخيفة هنا وهناك، وغدا يرمينا الاحتلال في أحضان حكاية أخرى ونكتشف بغباء أن هناك خمسة آلاف عرفات يتجهون نحو الموت فنكون أول من يقرأ ولا يدرك، يصفق ولا يفهم، تنهال عليه المصائب ولا يشعر، وتقتصر وظيفتنا على المشي بالجنازات مرة تلو الأخرى.
قلتُ لكم كلاما قد لا ترغب فئة كبيرة منكم في سماعه ولكن يجب أن تعلموا جيدا بأن الشعب الذي يلوذ بالصمت وهو يفترش الظلم ويلتحف القهر هو أكثر خرابا على نفسه من استبداد الحُكام والاحتلال، ولا أحد يجبرنا على الاستمرار في تقبل هذا الوضع، وبدلا من الإدانة والمطالبة بفتح تحقيق في استشهاد عرفات جرادات يجب أن تفتحوا عليهم أبواب جهنم ليستريح جرادات ولا يضيع حقه كما ضاع حق الشهيد محمد الأشقر الذي استشهد عام 2007 خلال اقتحام الاحتلال لسجن النقب الصحراوي وضربه على رأسه، وقد تسرب فيديو من أحد الجنود وقتها يدين إسرائيل، لكن أحدا لم يجرؤ على محاسبتها تماما كما لم يجرؤ العالم على إدانتها قبل أيام بعد إعدامها للجاسوس الاسترالي بن زيجيير الملقب بالسجين إكس والذي قُتِلَ في سجن أيالون عام 2010.
مجدولين حسونة
مِن بَرد أقبية التحقيق إلى برودة الغضب ونوم المدينة وصقيع الثورة، مِن هامش حكايات الأسرى إلى عناوين النصوص ومانشيتات صُحف الغد، هكذا ينتقل الفلسطيني عندما يمنحه الغرباء موتا باردا كهذا الذي منحه الاحتلال للأسير عرفات جرادات.
شهيدنا اليوم ليس "مبتدأ" في لغة الغياب المتكرر، ولن يكون "مستثنى" وخمسة آلاف عرفات آخرين من الأسرى في ضيافة لاحتمالات الموت، شهيدنا أصبح "خبرا" مفزعا يتجه نحو ضمائرنا التي شارفت على الجفاف و"درسا" آخرَ وليس أخيرا لتلاميذنا، و"سطرا" مَشَرِفا في مجلدات التخاذل و"حدثا" في قلب التاريخ المشتاق لأخبار ما بعد استشهاد أسير وما بعد اغتيال قائد وما بعد اعتقال ثائر وما بعد مصادرة البنادق، شهيدنا حركة لن تجيد التوقف في لغة الغضب ولا السكون في ساحات الهزائم المُتألقة بقبعات السلام وسراويل المفاوضات المهترئة، هو شيء آخر لا يشبه سوى نفسه.
كنتيجة طبيعية لعطب قوانين الفيزياء عن العمل في القضية الفلسطينية انعدام رد الفعل الفلسطيني مقابل كل فعل إسرائيلي وبالتالي هناك أشياء كثيرة تموت فينا على مهل مع كل فاجعة تلم بنا، ولتلاشي مضاعفات هذه "التمسحة الوطنية" إن صح التعبير، على الفلسطيني أن لا يكون لغضبه حدود، أن لا يكتفي برشق الحجارة والانتفاضات الوهمية على الصفحات الإلكترونية، أن يعود لذاك الزمن الجميل والمشرف وينبذ أوامر حاكمه التي توعز له بالصمت وتبرق له التهديدات المبطنة بالاعتقال وحرمانه الأمان، عليه أن يعلم أنه إذا تنازل عن كرامته وحريته مقابل أمان مؤقت لن يستحق الكرامة ولا الأمان الدائمين، وكما قال تشي جيفارا "عندما يحكم العالم حمقى من واجب الأذكياء عدم الطاعة"، على الشعب ايجاد دفة جديدة لسفينة القضية التي شارفت على الغرق بفعل الثقوب التي أحدثتها فيها أوسلو وأخواتها.
(196 شهيدا) بلغ عدد الشهداء في سجون الاحتلال منذ عام 1967 حسب إحصائية شؤون الأسرى والمحررين، 71 منهم من استشهدوا برصاص أجهزة الأمن الصهيونية بحجة هربهم من السجن أو الاعتداء على الجنود، و 50 منهم بسبب الإهمال الطبي، 70 منهم جراء التعذيب خلال التحقيق والضغط النفسي، بالاضافه إلى سبعة آخرين استشهدوا نتيجة استخدام القوة المفرطة بحقهم.
هذه الأرقام تزايدت في السنوات الأخيرة وهي قابلة للزيادة في كل يوم يبقى فيه الأسرى داخل سجون الاحتلال، ونصف هؤلاء الشهداء تم قتلهم على يد جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت" الذي لا يخضع في عمله لأوامر الجيش الصهيوني ولا للشرطة وإنما يتلقى أوامره من رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة، وللمقارنة في هذه النقطة بالذات علينا الانتباه بأن السلطة التنفيذية لدينا والمتمثلة بالأجهزة الأمنية منفصلة عن السلطة التشريعية على ارض الواقع وفي ممارساتها المتعلقة باعتقال المقاومين الفلسطينيين.
ولأننا شعب فلسطين الجبار يجب علينا أن ننتقم بأنفسنا من خلال انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال وثورة ضد أعوانه وكل من يشارك في حمايته، وبهذه الجزئية علينا أن نتبع بعضا من أسلوب "الشين بيت" ولا نتلقى أوامر من أحد لإنقاذ كرامتنا وحريتنا، إذ لدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نتحرك نحو حقوقنا "فحكامنا خُرس من وقر السنين ورجالنا الأشداء لا يزالون في أقمطة السرير".
يمكن القول ومن خلال كلام دلال عيايدة زوجة الشهيد عرفات جرادات أن احتمال موته كان واردا لدى سلطات الاحتلال من خلال ما قام به ضابط المخابرات الذي أعاد عرفات بعد دقائق من اعتقاله ليودع زوجته وأولاده الأمر الذي أثار الريبة والشك في قلب دلال، وهو أمر ليس مستغربا خاصة وأننا نشاهد يوميا سياسة القتل الممنهج للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من خلال الإهمال الطبي لمئات الأسرى وسرقة أعضائهم، والأمراض الخطيرة التي يصابون بها بعد خروجهم من السجن الأمر الذي يؤدي إلى وفاتهم مثل زهير لبادة وزكريا عيسى وأشرف أبو ذريع، ولا ننسى الضرب المبرح للأسرى كحادثة ضرب القيادي عباس السيد في العزل الانفرادي والتي كادت أن يودي بحياته، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من السجون بجانب المفاعلات النووية لإجراء تجارب لأثر هذه المفاعلات على حياة الإنسان وهذا ما يفسر إصابة الأسرى بعدة أمراض خطيرة.
لا يهم كيف استشهد جرادات، هل قتلوه تعذيبا بالتحقيق أم في غرف العصافير أم اقتادوه لجهة مجهولة، المهم انه مات في سجون الاحتلال هذا الذي استخففنا به وصرنا نتعايش معه بضغط من قيادتنا وتنسيقها الأمني وهو سبب كاف للتحرك والابتعاد عن صمتنا الفاجر، فالفجور بتعريف جوزيه ساراماجو لا يكمن فقط في الأفلام الإباحية بل في أن ثمة أناسا يموتون بيننا بسبب الجوع والحروب العبثية.
من الذي يجرؤ على محاسبة كيان غاصب مثل اسرائيل؟! المجتمع الدولي؟ حقوق الإنسان؟ العرب الجديرين بلقب أكثر أمة تتخذ قرارات وتفشل في تنفيذها؟ هذه الأمور مجرد عزاء فاشل تماما كعزاء الغرباء لنا عندما نفقد شخصا عزيزا علينا، يكونوا بصحبتنا في الأيام الأولى للفاجعة وبعد ذلك لا يدري احد بنا إن متنا قهرا أو بحادث فشل في النسيان، لذلك علينا أن ندرك بأننا "نحن الشعب" وحدنا القادرين على محاسبة إسرائيل وهدمها تماما كما ساعد في بنائها البعض منا. ولنكن منطقيين ولو مرة واحدة في حياتنا، فلم يسبق لجهة أو منظمة استطاعت أن تضغط على إسرائيل بوقف نازيتها ومحاسبتها، وبما أننا نحن أكثر شعب في العالم لا يثق بحقوق الإنسان لفرط ما أنتُهكت إنسانيتنا، آن لنا أن ندرك سخافة هذه الخزعبلات وعدم جدواها.
ما فائدة أن نتكلم ولا نتمرد، أن نقول ولا نفعل، أن نصرخ ولا نغضب، أن نغضب ولا ننتقم!
اليوم نتضامن نتباكى ننشر تعليقاتنا وكلماتنا السخيفة هنا وهناك، وغدا يرمينا الاحتلال في أحضان حكاية أخرى ونكتشف بغباء أن هناك خمسة آلاف عرفات يتجهون نحو الموت فنكون أول من يقرأ ولا يدرك، يصفق ولا يفهم، تنهال عليه المصائب ولا يشعر، وتقتصر وظيفتنا على المشي بالجنازات مرة تلو الأخرى.
قلتُ لكم كلاما قد لا ترغب فئة كبيرة منكم في سماعه ولكن يجب أن تعلموا جيدا بأن الشعب الذي يلوذ بالصمت وهو يفترش الظلم ويلتحف القهر هو أكثر خرابا على نفسه من استبداد الحُكام والاحتلال، ولا أحد يجبرنا على الاستمرار في تقبل هذا الوضع، وبدلا من الإدانة والمطالبة بفتح تحقيق في استشهاد عرفات جرادات يجب أن تفتحوا عليهم أبواب جهنم ليستريح جرادات ولا يضيع حقه كما ضاع حق الشهيد محمد الأشقر الذي استشهد عام 2007 خلال اقتحام الاحتلال لسجن النقب الصحراوي وضربه على رأسه، وقد تسرب فيديو من أحد الجنود وقتها يدين إسرائيل، لكن أحدا لم يجرؤ على محاسبتها تماما كما لم يجرؤ العالم على إدانتها قبل أيام بعد إعدامها للجاسوس الاسترالي بن زيجيير الملقب بالسجين إكس والذي قُتِلَ في سجن أيالون عام 2010.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية