الانتفاضة الثالثة.. خوف إسرائيلي وتردد فلسطيني ... بقلم : حازم قاسم

الأحد 24 فبراير 2013

الانتفاضة الثالثة.. خوف إسرائيلي وتردد فلسطيني

حازم قاسم

ألقت حادثة استشهاد الأسير عرفات جرادات في سجن مجدو بظلال ثقيلة على المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية في إسرائيل، لجهة خشيتهم من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، وعدم قدرتها والسلطة الفلسطينية على ضبط الأمور؛ مما يعني انزلاق هذه الأطراف المتخوفة إلى انتفاضة ثالثة.

وكانت بداية التحرك هو من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي صاحب الاهتمام الأول في هذا المجال، فسارع رئيس أركان جيش الاحتلال (بيني غانتس) لإصدار تعليماته إلى قادة جيش الاحتلال بالاستعداد لإمكانية اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. كما دعا (غانتس) كبار ضباط الجيش لاجتماع خاص لدراسة كافة السيناريوهات المحتملة في الأراضي الفلسطينية، والخطط التي أعدت للتعامل معها.

وفي موازاة تحرك الجيش بدأت الإعلام الإسرائيلي يتناول فكرة إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، والعوامل المشعلة لها، والطريقة الأمثل لإسرائيل لمنعها أو التعامل معها. ففي افتتاحية هآرتس دعت الصحيفة إلى عدم السماح بالانجرار للمواجهات في الضفة الغربية، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى ضرورة إلزام الجنود بالتحلي بضبط النفس والتمهل في استخدام النيران، ومراعاة مطالب الأسرى المضطربين عن الطعام، وعدم اعتقال المحررين في صفقة التبادل الأخيرة. وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك يتطلب فتح أفق جديد للمفاوضات مع السلطة. وذهب بعض المحللين في عدد من الصحف الإسرائيلية إلى أن الاستجابة لبعض مطالب الأسرى، أفضل من الدخول في "دوامة من العنف" ستكلف إسرائيل كثيراً.

حتى أن المعارضة الإسرائيلية بدت مهتمة بالأمر، فقد طلبت رئيسة حزب ميرتس (زهافا غالؤون) من نتنياهو بالإعلان من على منبر الكنيست عن الخطوات التي ينوي اتخاذها لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.

وكما كان متوقعاً فلم تتأخر الحكومة الإسرائيلية عن الأخذ بتوصيات المؤسسة الأمنية وقيادة الجيش الإسرائيلي؛ لذا جاء قرار رئيس الحكومة نتنياهو بالإسراع بتحويل أموال الضرائب إلى السلطة في رام الله، بالتوازي مع ذلك قامت إسرائيل بإيصال رسالة واضحة إلى السلطة الفلسطينية بواسطة مبعوث نتنياهو المحامي (يتسحاق مولخو) "بان عليها أن تضبط الوضع الميداني في الضفة الغربية". مع إطلاق ووعود بأن إسرائيل بصدد تقديم "بوادر حسن نية" تجاه السلطة الفلسطينية.

وحاولت العديد من الأوساط الإسرائيلية فهم العوامل التي يمكن لها أن تشعل الضفة الغربية منها انسداد الأفق السياسي، والاستمرار في النشاط الاستيطاني، ومصادرة الأراضي، وخنق الفلسطينيين بواسطة الجدار العازل، والوضع الاقتصادي الصعب للسلطة الفلسطينية، وتعاظم قوة حماس بعد صفقة التبادل وحرب الأيام الثمانية.

وبرغم هذا التوتر الإسرائيلي من إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة، خرجت أصوات تبدو مطمئنة نسبياً من صعوبة قيام مثل هذه الانتفاضة، وحاولت بعض الجهات اليمينية أن تعزز هذا الشعور بأن الجيش لديه القدرة على التعامل مع الاضطرابات في الضفة الغربية، وانه استعد جيداً لمثل هذه السيناريوهات. وفي صحيفة إسرائيل اليوم المقربة من نتنياهو طالب (نداف شرغاي) بمنح الجنود الحرية في استخدام النيران ضد المتظاهرين الفلسطينيين.

إلا أن هناك عوامل أخرى لمثل هذا الشعور، هو تقدير الأوساط الإسرائيلية الأمنية والسياسية بأن قيادة السلطة في رام الله غير معنية على الإطلاق بإشعال الأوضاع في الضفة الغربية، خاصة قبل الزيارة المرتقبة لرئيس الأمريكي باراك أوباما. ومما ساعد على تعزيز هذه التقديرات التصريحات المتواصلة لقادة السلطة التي صدرت بعد استشهاد عرفات جرادات التي يؤكدون فيها أن السلطة لا تنوي ولن تسمح بالانجرار إلى مواجهة مع الاحتلال في الضفة الغربية.

وأصبح من الواضح من طبيعة العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أن المؤسسة الأمنية والجيش في إسرائيل هما الجهة التي تضبط طبيعة تعامل الحكومة الإسرائيلية مع السلطة؛ لأن هذه الجهات هي التي تتحمل تبعات قرارات الحكومة تجاه السلطة، ومعروف ثقل المؤسسة الأمنية على القرار السياسي في إسرائيل في المسائل التي تتعلق بالأمن الإسرائيلي. لذلك تتدخل الأوساط الأمنية للجم العديد من القرارات الحكومية التي يمكن أن تهز قيادة السلطة بشكل كبير؛ لتصبح المعادلة الضغط على السلطة مع عدم السماح بانهيارها.

يبقى أن القضية ليس تحويل أموال ضرائب وتسهيلات حياتية.. فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية يريد أن ينعتق من نير الاحتلال، وذل البقاء تحت حرابه. فانتفاضته الثالثة التي ينتظرها الجميع ستكون الرافعة الأهم والأكبر للقضية الفلسطينية وانجاز مشروع التحرر من الاحتلال في هذه المرحلة من النضال الفلسطيني. لكن المطلوب هو أن تتخلي القيادات الفلسطينية عن خلافاتها الحزبية، وتنجز مشروع المصالحة، وأن تبدو السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أكثر جرأة في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن لا تضع العراقيل في وجه اندلاع انتفاضة جديدة، وأن على قيادة فصائل المقاومة، خاصة في الضفة الغربية أن يعلنوا صراحة عن موقفهم من مثل هذه الانتفاضة، وأن يُبّدوا استعدادهم لخوضها وتحمل تبعاتها
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية