التحرير على نهج نبينا محمد
د.عصام عدوان
ما أحرى بالمسلمين اليوم والفلسطينيين منهم على وجه الخصوص في ذكرى مولد خير الأنام محمد (ص) أن يقتفوا أسلوبه في تحرير الأرض والإنسان. فلم يكن هدف الرسول (ص) أن يحرر مكة التي اُخرج وصحابته الأولين منها فحسب، بل وتحرير الإنسان من عبوديته لنفسه وللشيطان. لأن عبد النفس لا يقوى على حمل المبادئ والدفاع عنها، ولا يصلح لخوض غمار معركة التحرير التي سيضحي فيها بنفسه وماله وولده. ولو كانت الأرض أغلى عند رسول الله (ص) من الإنسان لما خالف أهله في مكة، ولرضي بتقاسُم العبادة بين إلهه وآلهتهم عندما عرضوا عليه ذلك، لكنه أبى. أبى لأنه لا قيمة للأرض بدون الإنسان المؤمن الصالح الذي يعمرها. ولذلك كانت عناية الرسول (ص) بتربية الإنسان على حمل العقيدة السليمة والتقيُّد بتعاليم الله والاستسلام له وحده سبحانه. فمكث ثلاث عشرة سنة في مكة أنشأ خلالهن رجالاً صاروا دعائم دولة الإسلام، وعماد مرحلة تحرير مكة المقبلة. وفي المدينة المنورة خطا رسول الله (ص) ثلاث خطوات هامة وذات دلالة، ما أحرانا اليوم أن نفهمها ونتمثلها واقعاً في حياتنا ونحن نرسم معالم تحرير فلسطين: الأولى هي بناء المسجد، فقد بنى أول مسجد في قباء، ثم بنى مسجده الشريف في المدينة، وأصبح المسجد محضن التربية الإسلامية ومدرسة الكادر التنظيمي في دولة الإسلام. إنهم يتربون في بيت الله؛ أطهر مكان في الأرض. ومن تربى في بيت الطهر كان نقي النفس، رفيع الوجدان، قوي الإيمان، عزيز النفس، لا يهاب الموت، وهو الأقدر على تقدير قيمة مكة وكل مقدسات المسلمين، والأكثر حرصاً على تحريرها وتحرير كل بيوت الله في الأرض.
والخطوة الثانية: كانت في المؤاخاة بين المسلمين، لأن وحدة الصف المسلم تحتل أعلى درجات سلم الأولويات لمن يحضِّر نفسه لتحرير بلده وتحرير المقدسات. فالفُرقة لا تساعد على التحرير، بل تؤدي إلى الخسارة والهزيمة. لكنها وحدة على العقيدة والمنهاج وليست وحدة العِرق والنسب والعروبة. فقد آخى رسول الله بين سلمان الفارسي وأبو الدرداء القرشي، وبين بلال بن رباح الحبشي وعبيدة بن الحارث بن المطلب القرشي. وفي الوقت الذي تآخى فيه المسلمون بعيداً عن أصولهم العرقية، حاربوا أهليهم ممن بقوا على الكفر وحاربوا دعوة الحق. ونستلهم من هذا الفعل أن تحرير فلسطين يجمع تحت رايته كل المسلمين الموحدين بغض النظر عن أعراقهم وبلدانهم المتباعدة، بينما لن يجدي فلسطين بعض أبنائها العاقين ممن فرطوا بها، وتنازلوا عنها مقابل فتات ألقته لهم قوى الاستعمار العالمي.
والخطوة الثالثة: إرسال السرايا للتدرب على مواجهة كفار قريش الذين طردوا المسلمين من مكة، واستعداداً للمعركة الفاصلة من أجل رفع راية الله وتحرير بيت الله الحرام. لقد قصَر الرسول (ص) هذه السرايا على اللاجئين (المهاجرين) فقط من مسلمي مكة، لأن أهل مكة ليسوا فقط أدرى بشعابها ومداخلها ومخارجها، بل هم أوْلى بمهمة التحرير، وكي لا يروق لهم العيش في أماكن اللجوء قبل أن يحرروا موطنهم المقدس. ما أحوجنا اليوم أن نسير على هدي نبينا محمد (ص)، وأن نستنهض همم اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا لخوض معركة تحرير فلسطين الفاصلة بكل الأساليب المتاحة أمامهم. وليس من الجائز أن نستنهض همم شعوب الأرض كلها لتحرير فلسطين وتحقيق عودة اللاجئين، بينما نستبعد من هذه المعركة المصيرية أصحاب الأرض، المتضررين من احتلال (إسرائيل) لأرضهم وطردهم منها.
في ذكرى مولد المصطفى (ص) نستذكر أهمية البناء العقائدي لجيل التحرير، وأهمية وحدة جيش التحرير على قاعدة الإيمان لا على قاعدة الوطنية والعرقية البالية. ونستذكر ضرورة تجنيد ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العالم للعمل الحثيث من أجل تحرير موطنهم، فهم رأس الحربة ويجب أن يظلوا كذلك عند التخطيط لتحرير فلسطين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن سار على دربه.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية