الثورات العربية .. ونظرية المؤامرة!...بقلم : أحمد أبو رتيمة

الخميس 09 فبراير 2012

الثورات العربية .. ونظرية المؤامرة!

أحمد أبو رتيمة
يقول المنهزمون نفسياً إن كل ما يشهده الوطن العربي ما هو إلا مخططات أمريكية، وإن أمريكا هي التي تصير الأحداث فتؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وإن أمريكا قد أحاطت بكل شيء علماً، فلا يعزب عنها مثقال ذرة في الأرض، وما من غائبة إلا تعلمها أمريكا، وإليها يرجع الأمر كله، ولا يكون إلا ما تريد، فكل ما أرادته فهو كائن، وكل ما هو كائن فقد أرادته أمريكا "سبحانه وتعالى عما يشركون".

فإذا سألتهم: ما هي مصلحة أمريكا في التخلص من أنظمة موالية لها وترك زمام الأمور في يد الشعوب وما قد ينجم عن ذلك من انتخابات تأتي بأنظمة معادية لأمريكا.. تلعثموا في الإجابة..فمنهم من أجاب إجابةً تبدو منطقيةً في ظاهرها، ومنهم من قال: لا ندري..المهم أنها مؤامرة أمريكية.

فرضية المؤامرة التي يعتمدها هؤلاء لا تستند بالضرورة إلى الأدلة والشواهد المنطقية، فهناك حكم مسبق قد استقر في دائرة اللا شعور عندهم أن كل ما يحدث في وطننا تقف وراءه أيد خارجية، وهذا الحكم اللا شعوري هو الذي يوجه تفكيرهم، فلا يرون الأمور إلا من خلال هذا المنظار القاتم.

التحليل السيكولوجي لأصحاب هذه النظرية هو أن طول أمدهم بالهزيمة قد شوش صفاء تفكيرهم حتى صاروا عاجزين عن تخيل أي نصر أو نجاح، فإذا حدث أن انتصرت الأمة في موطن من المواطن صرفوا هذا النصر عن ظاهره واجتهدوا في تأويله والتنقيب في خفاياه حتى يظهروا الجانب السلبي له، وهم حين يفعلون ذلك يظنون أنهم قد أوتوا من الذكاء ما لم يؤته الآخرون، وأنهم قد تفطنوا إلى حقائق الأمور بينما غيرهم من السذج الأغرار قد انساقوا وراء العاطفة ولم ينفذوا من ظاهر الأحداث إلى باطنها..فإذا رأوك فرحاً بسقوط أحد أنظمة الاستبداد عكروا عليك فرحتك قائلين: لا تفرح فإن في الأمر مؤامرةً..وإن كل ما يحدث هو مخطط محكم منذ عشرات السنين حاكته أمريكا والصهيونية والماسونية والإمبريالية العالمية.

يصل الهوس بأصحاب نظرية المؤامرة إلى درجة جنونية لا يستقيم معها عقل أو منطق، فيخرجون أمريكا من دائرة البشرية إلى دائرة الألوهية ويصورونها كما لو أنها تملك أن تتحكم في كوامن الصدور، فأمريكا هي التي أخرجت الثمانية ملايين مصري من بيوتهم إلى الشوارع ليهتفوا بسقوط مبارك، وأمريكا هي التي أنجحت الإسلاميين في انتخابات تونس ومصر، وكأن أمريكا تملك قوةً خارقةً تمكنها من أن تنفذ إلى قلوب صفوف الناخبين وتوحي إليهم بأسماء القوائم التي صوتوا لها.

لقد كبلت الهزيمة النفسية هذا الفريق حتى أقعدتهم عن بذل أي جهد للانعتاق من الأغلال التي في أعناقهم، وأفقدتهم الثقة بأنفسهم وبشعوبهم وأمتهم فصاروا يعبدون أمريكا من دون الله وسلموا أمرهم كله إليها، وقعدوا عن بذل أي جهد نحو التغيير والإصلاح لقناعتهم بأنه لا يمكن مواجهة أمريكا والتغلب عليها..

هذه الثقافة الانهزامية هي التي تصنع الهزيمة، فقوة أمريكا هي في نظرتنا إليها قبل أن تكون فيما تمتلكه من سلاح وعتاد، وضعفنا ناتج عن ضعف ثقتنا بأنفسنا، وليس عن ضعف ما نمتلكه من طاقات كامنة، وهذا الفريق قد حبس نفسه في صندوق من الأفكار السلبية السوداء لا يتجاوزه، فهو لا يرى في الحياة من حوله أي فرصة نجاح أو بارقة أمل فيظل متخبطاً في ظلمات الهزيمة والفشل.

لا ننفي وجود مؤامرة من أعدائنا تستهدف إبقاءنا في ظلمات التخلف والجهل، لكن الفرق بين نظرتنا و نظرة هذا الفريق هو أننا نضع معرفتنا بهذه المؤامرة في سياق إيجابي فنرفع من مستوى اليقظة والحذر، ونضاعف جهدنا الفكري والبدني حتى نفشلها، لكن ذلك الفريق يتخذ من هذه المؤامرة المفترضة ذريعةً لتعطيل قدراته ولتعميق حالة اليأس بين الناس، والتخاذل عن أي عمل أو جهد.

في الوقت الذي نؤمن فيه بوجود هذه المؤامرة فإننا نؤمن أيضاً بقدرة الشعوب، فكما أن أعداءنا يخططون، فإن في شعوبنا قدرةً كامنةً أيضاً على التخطيط والتغلب على الصعاب، فأمريكا لا تملك كل الأوراق حتى لا يكون إلا ما تريد.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية