الثورة مستمرة
د/ أحمد الأشقر
هذه الكلمات بكل بساطة و موضوعية تصف المشهد و تكتب بالأحرف حركة السنين, ولعلى لا أكون مغاليا إذا ما قلت بأن ثورة يناير هى أعظم حدث فى تاريخ مصر بعد الفتح الإسلامي, حيث أن لهذا القول دلالاته وتفسيره, وهذا التفسير و هذه الدلالات تظهر جلية يوما بعد يوم.
الثورة انطلقت فى مصر و استطاعت أن تزلزل عروش الظالمين, وأن تسقط فى ثلاثة أسابيع حكما بوليسيا قمعيا استمر لثلاثة عقود من السنين.
لقد تغير كل شئ هناك وإن بقى فى المواقع التنفيذية باقي أركان ذلك النظام البائد, إلا أن الروح الثورية و ألأُكسوجين الذى ملأ هواء مصر قد أرعب بقايا النظام وعمل ويعمل جاهدا على تنقية الهواء العام للحياة السياسية من ثاني أُكسيد كربون الطغمة الظالمة.
بعد شد و جذب و محاولات دءوبة هنا وهناك, الثورة ما زالت مستمرة حتى اللحظة, و على الأرجح ستستمر فى صراع ما بين الحق و الباطل, ما بين الظلم و العدل, وما بين الثوار و الفلول. كثر من حاول ركوب الموجة ووصف أنفسهم بالثوار, وكثر من أراد سرقة الثورة لينسبها لنفسه, وكُثر من أنكروا فضل الله عز و جل على الثورة ثم فضل الإسلاميين عامة و جماعة الإخوان المسلمين بالذات.
منذ سقوط رأس النظام - وليس النظام ككل - و تسلم المجلس العسكري للحكم لفترة انتقالية إلى حين تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب سادت مصر أحداث كثيرة و متسارعة, كادت أن تعصف بالحياة السياسية وأن تقتل الروح الثورية, واستغل الطابور الخامس و الإعلام الوضيع و الطرف الثالث و اللهو الخفي – وكلهم وجوه لعملة واحدة – الأحداث وخوف الشعب المصرى و قواه من عودة الظلم محاولين مرارا و تكرارا قلب الطاولة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا! فمن فلتان أمنى إلى ترويع للآمنين فتشويه لصورة الثورة و الثوار و قلب للحقائق و من ثم نشر الدسائس و المكائد, إنهم استغلوا ذلك من خلال ما تقدم و من خلال من استكثر على الإسلاميين الفوز بالإنتخابات مع العلم أن المنطقة كلها تشهد صعودا لهذا التيار الفكرى صاحب المرجعية الإسلامية شاء هؤلاء أم أبوا, ولأن الشعوب فهمت هذا وأرادت لهذا التيار الفكرى قيادتها و السير بها إلى بر الأمان بعد أن جربوا كل التيارات و الأفكار ولم تجن الشعوب إلا الحسرة و الندامة, مع هذا كله كان ملاحظا للعيان بأن من استكثر على الإسلاميين الفوز إنما هو يحمل علة فى نفسه و ثوريته المصطنعة, ويحمل قصورا عقيما فى إدراك محدثات الأمور وأن الأيام دول.
لقد قدم الإخوان من أجل دعوتهم ووطنهم كل غال و نفيس, وليس أدل على ذلك من اغتيال الإمام البنا و من ثم إعدام سيد قطب, وعلى هؤلاء أن يسألوا قطب فى قبره ليحدثهم بأن الحاكمية لله, ومن أجل الله ثم أوطانهم دفعوا دمائهم رخيصة لتكون وقودا لنهضة الأمة, وحتى ترفع مصر أم الدنيا رأسها إلى عنان السماء, لأن هؤلاء الرجال و من حمل الأمانة من بعدهم قد أدركوا تماما بأنه لا يجوز لمصر أن تتقهقر إلى الوراء, أو تتراجع عن قيادة الأمة العربية وتتوانى فى نصرة قضايانا العادلة.
إن الذين لم يستوعبوا بعد فوز الإسلاميين وأغاظهم ويغيظهم الأغلبية الإسلامية الكاسحة فى الشعب و الشورى و تقدمهم الواثق نحو الرئاسة لم نسمع بهم حين تأسست جماعة الإخوان فى 1928! ولم يقولوا كلمة واحدة عندما كان يُجلد الإخوان فى سجون عبد الناصر و العادلى!
إن من ادعوا زورا وبهتانا أنفسهم بالثوار وقاطعوا الإنتخابات أو شككوا فيها ووصفوها بالهزلية إنما يثبتون ويؤكدون بما لا يدع مجالا للشك أن الثورة منهم براء و بأن عليهم لعنة دماء الشهداء إلى يوم الدين.
اليوم نتحدث مرة أخرى ومرات ونقول بأنه كلما أرادوا أن يشعلوا نارا للحرب أطفأها الله, وبالرغم من الملايين المدفوعة والضمائر الميتة وآلاف الأوراق و الكتابات و القرارات التى أرادت أن تشوه صورة الإسلاميين المشرقة و لتعزف مجددا آلة مبارك وأنظمتنا و كالعادة على إيقاع موسيقى سقيم يحذر الناس من الإسلاميين ويتوعد الشعوب بنقص فى الأموال و الأنفس و الثمرات. بالرغم من هذا كله و أكثر لم ينالوا من عزيمة الشعوب ولم يفتوا فى عضد الأمة و جاء تقدم مرشح الإسلاميين و الثورة د/ محمد مرسى فاجعة لهم وصفعة على وجوه هؤلاء الذين ما احمررت وجوههم من الكذب أو حتى الحياء ولقد أكد لهم الشعب المصرى العظيم بأنه يعشق الإسلام ويتوق إلى ما يحمله رجالات الإسلام من الخير لمصر والنهضة للأمة وبالأمة.
إن الرابطة التى تربط الأمة بمصر هى أن مصر المركز و النواة, والرابطة ما بين مصر وقضية المسلمين الأولى هى أن فلسطين جارة لمصر وفى قلب مصر ونبضها, وأن العلاقة الجيوسياسية أقوى من كل المؤامرات. لعلى لا أغالى مرة أخرى إذا ما قلت بأننا فى غزة تحديدا لم نذق طعم النوم مرتين فى تاريخنا التحرري الحديث, لم ننم أيام الحرب المسعورة على غزة, وأيام الثورة المصرية, واليوم تأبى عيوننا أن تُغمض! ولا نستطيع أن ننام! كيف بنا ننام ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم فكيف به إذا كان حدثا جللا يصنع فجر الأمة ويغير التاريخ!؟ وكيف نستطيع النوم و قد أشعلت غزة شرارة هذا الربيع العربي و انتظرت باكية على أبواب العواصم ليزهر هذا الربيع وهاهو يزهر!؟ كيف نغفو وغزة الطريق التى ستعبر منها جحافل الفاتحين إلى المسجد الأقصى الحزين!؟ كيف نغفو والشعب المصرى اليوم ونيابة عن الأمة يختار زعيمها!؟ وكيف ننام و العالم الظالم وأرباب الصهاينة يضعون أيديهم على قلوبهم لئلا يفوز مرشحا وطنيا ثوريا وخاصة من الإسلاميين!؟
ليست مفاجئة أن يتصدر الدكتور الفاضل محمد مرسى نتائج الماراثون الرئاسى حتى اللحظة, لأننا نثق بنصر الله عز وجل وتمكينه, ولأننا نعلم أن دماء الشهداء لا تضيع أبدا. نثق بأن الله عز و جل سيولى أمور مصر خيارها بعدما خرج شعبها العظيم بكله وكليله ضد الظالمين, نثق بأن الله سيمكن لرئيس يكون خادما لشعبه لا أن يكون شعبا خادما لرئيسه! نثق بأن الله سيحفظ قضية المسلمين الأولى و سيفوت الفرصة على كل من يريد تصفيتها وسيرد كيد العابثين إلى نحورهم وسيقطع الله الطريق على كل من يحاول التلاعب بقضية فلسطين كما قطع الطريق على الفلول.
إنه ومن خلال تفصيلي البسيط للأحداث و عرضي المتواضع للوقائع أود هنا تسجيل نقطتين مهمتين وهما:
الأولى: أن الشعب المصرى فى الإنتخابات النيابية استطاع أن يعزل الفلول عزلا فاضحا, وكان هذا واضحا من خلال نتائج تلك الإنتخابات, بينما اليوم و من خلال النتائج الأولى لانتخابات الرئاسة فإن هذا الشعب الذى نكن له حبنا و تقديرنا قد أخفق فى عزل الفلول, وهنا أود أن أنصح إخوانى و بني جلدتي: لا يمكن للشعب الذى دفع من فلذة أكباده وخيرة أبنائه و ضرب مثالا رائعا يُدرس للشعوب فى معاني الكرامة أن يعود لينتخب من قتل أبنائه وسرق قوت يومه! إن الفاجعة الكبرى أن تُدفن الثورة المصرية فى مهدها إذا ما فاز شفيق أو عمرو موسى! على كل من يؤمن بالله وباليوم الآخر, وعلى كل من ينبض فؤاده بحب مصر, وعلى كل من يريد أن يتشرف بفتح المسجد الأقصى أن يقف بكل قوة فى جولة الإعادة ليسقط مرشح الفلول ويُهزم شر هزيمة, وعلى جميع السادة الكرام الثوريين والذين لم يحالفهم الحظ بالفوز فى الإنتخابات الرئاسية بأن يعقدوا مؤتمرا صحفيا ليعلنوا فيه دعمهم الكامل واللوجيستى لمرشح الثورة د/ محمد مرسى. هذا بحد ذاته سيكون أكبر نصر لهم و لدماء الشهداء و سيسجل التاريخ هذا الموقف بمداد من ذهب.
الثانية: أعجب من بعض المرشحين للرئاسة و المنسحبين ما بعد إعلانهم الترشح لذات المنصب, فعلى سبيل المثال لا الحصر, السيد البرادعى و هو يتحدث عن الثورة وكأنه المستشار الأوحد للثوار والمتحدث الرسمي باسم الشهداء كما وأنه يرأس حزبا أسس بفضل بركات الثورة, ينسحب من الماراثون الرئاسى, لا بل ويعلن عدم مشاركته وانتخابه لأي أحد بسبب أعذار وهمية و ساذجة و هو بذلك الغائب الأكبر عن المشاركة مع ملايين المصريين فى رسم مستقبل بلاده! أما عمر سليمان فيجب أن يُقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العُظمى و هو لا زال طليقا حيث أنه كان نائبا للمخلوع, لا بل و بكل وقاحة وصلافة يعلن ترشحه للرئاسة بعدما أعلن تخلى محمد حسنى مبارك عن منصب رئيس الجمهورية! وهو بذلك يستخف بعقولنا جميعا. ومن العجب العُجاب أن يخوض شفيق مرحلة الإعادة فى الإنتخابات الرئاسية, بعدما تلوثت أيديه بدماء الشهداء الطاهرة, وعجبى من وقاحة الرجل عندما يعزله ميدان الثورة من رئاسة أول حكومة بعد سقوط اللامبارك, ثم لا يستحى فيعود ليترشح للرئاسة! أما السيد عمرو موسى فلقد كان أحد أركان النظام السابق وكان دور السياسة المصرية الخارجية واهنا ومرتجفا فى عهده, ناهيك عن أن دور جامعة الدول العربية كان الغائب الأبرز عن مجمل الأحداث التى عصفت بأمتنا العربية إبان رئاسته للجامعة, والأهم من هذا كله أن الرجل قد بلغ من الكِبَر عِتيا!
وأخيراً أوجه رسالة إلى الشعب المصرى العظيم وأقول: أننا نستحلفكم بالله العظيم, نستحلفكم بدماء الشهداء التى أريقت من أجلكم و أجلنا, نستحلفكم بجراح المصابين وعذابات الموقوفين ودموع الأمهات و المساكين أن تتقوا الله فى مصر و فى الأمة, وألاَ تدعوا الفرصة لينجح أي أحد من الظالمين و من المجرمين.
أيها الشعب المصرى العظيم: إن عيون الأمة كلها تسكن فى عيونكم, تسافر إلى قاهرة المعز, تثق بنصر الله و تمكينه, وتثق بوعيكم, تدرك أن معدنكم أصيل, وتنتظر أن يعود خير أجناد الله فى الأرض إلى الأرض, لنرفع سوية راية التوحيد و لنعيد معكم و بكم أمجاد حطين, ونصر أجنادين, وبطولات الناصر صلاح الدين.
دمتم بخير و حفظ الله لكم ولنا و للأمة مصر بكل خير, وأعزكم الله, ونصركم, وأنزل مصر منزلة تستحقها. إن دماء شهداء فلسطين تعانق دماء شهدائكم التى خَضَبت كل الميادين, وإن دموع أمهاتنا التى سالت بعد كل مذبحة تمسح دموع أمهاتكم, تناجى ربها بأن يولى أمور مصر لرجل يتقى الله فى شعبها, وأن يعينه الله على هذا الحِمل الثقيل, وعلى تلك المحنة العظيمة.
د/ أحمد الأشقر
عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الشعبية
غزة – فلسطين
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية