لمى خاطر
في ظلّ احتفال قناة الجزيرة الفضائية بانطلاقتها الخامسة عشرة، نستذكر قاعدة جوهرية كان قد خطّها الأستاذ وضاح خنفر في رسالته التي نشرها وهو يغادر إدارة قناة الجزيرة قبل نحو شهرين، وهي "أن الصحافة الحرة الحقة هي تلك التي تضع الإنسان في مركز اهتمامها". وهذه القاعدة تمثل إلى حدّ بعيد سياسة قناة الجزيرة، كما أنها العامل الأبرز لانتشارها واشتهارها ونجاحها وتبوئها المرتبة الأعلى بين عموم الجماهير العربية.
وكانت هذه السياسة مفتاح الجزيرة للحصول على ثقة الشارع العربي المنتفض في وجه جلاديه في جميع الدول العربية التي انطلقت فيها ثورات على أنظمتها، لدرجة رأيناها تغدو بالنسبة للثائرين جزءاً من منظومة الاحتجاج، ومنبر الثورة الإعلامي بلا منازع. أما في الدول العربية التي لم تندلع فيها ثورات فما زلنا نرى مراسلي القناة يجتهدون في تقصي هموم الناس وتسليط الأضواء عليها سواء ما تعلق منها بالحريات أو بالحالة الاقتصادية أو الاجتماعية وغير ذلك.
في الشأن الفلسطيني، كانت الجزيرة تحرص على إيلائه اهتماما خاصاً نظراً لخصوصية البقعة الفلسطينية باعتبارها منطقة محتلة، وجزء منها محاصر، وظلّ هذا الاهتمام قائما، إلى أن اندلعت الثورات العربية، حيث دشّنت الجزيرة رحلة اهتمامها ومتابعتها للشأن الفلسطيني بوثائق (كشف المستور) التي كشفت جانباً مهماً مما كان يجري في أروقة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بكل متعلقاتها من قضايا القدس والاستيطان واللاجئين والتنسيق الأمني.
بعد ذلك، ومنذ اندلاع الثورة المصرية بتنا نلمس تراجعاً للشأن الفلسطيني عن الأولويات الإعلامية لقناة الجزيرة، وصارت التغطية المفتوحة المستمرة تقتصر على محطّات معينة كيوم ذكرى النكبة وقبلها توقيع المصالحة، ثم صفقة تبادل الأسرى (وفاء الأحرار)، وهي تغطية محدودة لا ترقى لتغطية الجزيرة لبقية الملفات المتفاعلة في الوطن العربي، تماماً كما أنها تختلف عن تغطية القناة للشأن الفلسطيني سابقا والتي كانت تتابع الحدث بصورة حثيثة وتهتم بأدق تفاصيله، وتعرض تقارير مفصلة عن مختلف جوانبه.
بطبيعة الحال لسنا ممن يتبنون نظرية المؤامرة، أو ممن يقولون بالرأي الذي يدعي وجود أجندة خاصة لدى إدارة الجزيرة، أو أنها جزء من مؤامرة تستهدف بعض الأنظمة العربية كما دأب الإعلام الخشبي الرسمي على القول، لأن التعتيم على ما يجري في الشوارع العربية كان يفرض على الجزيرة متابعة خاصة تتحرى الحقيقة وتنتصر لها في مواجهة طوفان من الكذب والتدليس انتهجه الإعلام الرسمي العربي. لكننا في حضرة صفقة (وفاء الأحرار) لمسنا قصوراً حقيقياً في تغطية قناة الجزيرة وطواقمها للحدث، وليس المقصود هنا تغطية الحدث لحظة تنفيذ الصفقة، بل متابعة الحدث فيما بعد وتقديم صورة توازي ثقله على الأرض، بكل ما يتضمنه الحدث من جوانب إنسانية من جهة، وبطولية من جهة أخرى، وخرق لمستحيلات كثيرة من جهة ثالثة. وهناك الكثير الكثير فيما يتعلق بالصفقة انتظرنا أن تسلط كاميرا الجزيرة عليه الضوء وتوليه عناية خاصة، ولو من باب إنساني، حيث كنا أمام مئات القصص المدهشة للأسرى ولذويهم، خصوصاً أنّ قضية (الأسرى) هي قضية مجمع عليها فلسطينياً، ولا مجال لتجاهلها بحجة الانقسام أو تصويرها كواحدة من إفرازاته كما دأب بعض مراسلي القناة على تبرير امتناعهم عن تغطية ملفّات معينة خصوصاً في الضفة الغربية كالتنسيق الأمني والاعتقال السياسي.
من جانب آخر، فقد وجدنا فضائيات فلسطينية عدّة (بعضها ما زال ناشئا) تحتل مرتبة الصدارة على صعيد المشاهدة (فلسطينيا)، وذلك لأنها في ظلّ غياب تغطية الجزيرة قد اكتسبت قطاعاً كبيراً من المتابعين الفلسطينيين والعرب بسبب تغطيتها المتميزة والواسعة للصفقة وتداعياتها، وتركيزها على متابعة الأسرى كحالات منفردة بعيداً عن التناول العام للحدث، وهو ما لامس وجدان نسبة كبيرة من الجمهور الفلسطيني. فالثورات العربية، ورغم ما اكتسبته من وهج ومتابعة، لن تظلّ الشغل الشاغل لتفكير واهتمام الفلسطيني، وخاصة حين تتفاعل لديه أحداث داخلية تشغل الرأي العام من طراز عملية تبادل للأسرى بهذا الحجم وبمثل تلك البصمة على صعيد الإنجاز، ولهذا من الطبيعي أن تتحول متابعته باتجاه القنوات التي تلامس همه وتلبي اهتماماته.
ما زلنا نأمل بأن يعود الشأن الفلسطيني بكل جوانبه متضمناً في الأولويات الإعلامية لقناة الجزيرة، لأننا لا نراه منفصلاً عن الحراك العربي المتصاعد، ولا أقلّ أهمية، وخاصة في ظلّ التطوّرات الجديدة على صعيد المشروع المقاوم الذي يمثل عصب القضية الفلسطينية. ولذلك، نتمنى أن تعود كاميرا الجزيرة في فلسطين لترى بعيون المواطن لا بعيون المراسل
وكانت هذه السياسة مفتاح الجزيرة للحصول على ثقة الشارع العربي المنتفض في وجه جلاديه في جميع الدول العربية التي انطلقت فيها ثورات على أنظمتها، لدرجة رأيناها تغدو بالنسبة للثائرين جزءاً من منظومة الاحتجاج، ومنبر الثورة الإعلامي بلا منازع. أما في الدول العربية التي لم تندلع فيها ثورات فما زلنا نرى مراسلي القناة يجتهدون في تقصي هموم الناس وتسليط الأضواء عليها سواء ما تعلق منها بالحريات أو بالحالة الاقتصادية أو الاجتماعية وغير ذلك.
في الشأن الفلسطيني، كانت الجزيرة تحرص على إيلائه اهتماما خاصاً نظراً لخصوصية البقعة الفلسطينية باعتبارها منطقة محتلة، وجزء منها محاصر، وظلّ هذا الاهتمام قائما، إلى أن اندلعت الثورات العربية، حيث دشّنت الجزيرة رحلة اهتمامها ومتابعتها للشأن الفلسطيني بوثائق (كشف المستور) التي كشفت جانباً مهماً مما كان يجري في أروقة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بكل متعلقاتها من قضايا القدس والاستيطان واللاجئين والتنسيق الأمني.
بعد ذلك، ومنذ اندلاع الثورة المصرية بتنا نلمس تراجعاً للشأن الفلسطيني عن الأولويات الإعلامية لقناة الجزيرة، وصارت التغطية المفتوحة المستمرة تقتصر على محطّات معينة كيوم ذكرى النكبة وقبلها توقيع المصالحة، ثم صفقة تبادل الأسرى (وفاء الأحرار)، وهي تغطية محدودة لا ترقى لتغطية الجزيرة لبقية الملفات المتفاعلة في الوطن العربي، تماماً كما أنها تختلف عن تغطية القناة للشأن الفلسطيني سابقا والتي كانت تتابع الحدث بصورة حثيثة وتهتم بأدق تفاصيله، وتعرض تقارير مفصلة عن مختلف جوانبه.
بطبيعة الحال لسنا ممن يتبنون نظرية المؤامرة، أو ممن يقولون بالرأي الذي يدعي وجود أجندة خاصة لدى إدارة الجزيرة، أو أنها جزء من مؤامرة تستهدف بعض الأنظمة العربية كما دأب الإعلام الخشبي الرسمي على القول، لأن التعتيم على ما يجري في الشوارع العربية كان يفرض على الجزيرة متابعة خاصة تتحرى الحقيقة وتنتصر لها في مواجهة طوفان من الكذب والتدليس انتهجه الإعلام الرسمي العربي. لكننا في حضرة صفقة (وفاء الأحرار) لمسنا قصوراً حقيقياً في تغطية قناة الجزيرة وطواقمها للحدث، وليس المقصود هنا تغطية الحدث لحظة تنفيذ الصفقة، بل متابعة الحدث فيما بعد وتقديم صورة توازي ثقله على الأرض، بكل ما يتضمنه الحدث من جوانب إنسانية من جهة، وبطولية من جهة أخرى، وخرق لمستحيلات كثيرة من جهة ثالثة. وهناك الكثير الكثير فيما يتعلق بالصفقة انتظرنا أن تسلط كاميرا الجزيرة عليه الضوء وتوليه عناية خاصة، ولو من باب إنساني، حيث كنا أمام مئات القصص المدهشة للأسرى ولذويهم، خصوصاً أنّ قضية (الأسرى) هي قضية مجمع عليها فلسطينياً، ولا مجال لتجاهلها بحجة الانقسام أو تصويرها كواحدة من إفرازاته كما دأب بعض مراسلي القناة على تبرير امتناعهم عن تغطية ملفّات معينة خصوصاً في الضفة الغربية كالتنسيق الأمني والاعتقال السياسي.
من جانب آخر، فقد وجدنا فضائيات فلسطينية عدّة (بعضها ما زال ناشئا) تحتل مرتبة الصدارة على صعيد المشاهدة (فلسطينيا)، وذلك لأنها في ظلّ غياب تغطية الجزيرة قد اكتسبت قطاعاً كبيراً من المتابعين الفلسطينيين والعرب بسبب تغطيتها المتميزة والواسعة للصفقة وتداعياتها، وتركيزها على متابعة الأسرى كحالات منفردة بعيداً عن التناول العام للحدث، وهو ما لامس وجدان نسبة كبيرة من الجمهور الفلسطيني. فالثورات العربية، ورغم ما اكتسبته من وهج ومتابعة، لن تظلّ الشغل الشاغل لتفكير واهتمام الفلسطيني، وخاصة حين تتفاعل لديه أحداث داخلية تشغل الرأي العام من طراز عملية تبادل للأسرى بهذا الحجم وبمثل تلك البصمة على صعيد الإنجاز، ولهذا من الطبيعي أن تتحول متابعته باتجاه القنوات التي تلامس همه وتلبي اهتماماته.
ما زلنا نأمل بأن يعود الشأن الفلسطيني بكل جوانبه متضمناً في الأولويات الإعلامية لقناة الجزيرة، لأننا لا نراه منفصلاً عن الحراك العربي المتصاعد، ولا أقلّ أهمية، وخاصة في ظلّ التطوّرات الجديدة على صعيد المشروع المقاوم الذي يمثل عصب القضية الفلسطينية. ولذلك، نتمنى أن تعود كاميرا الجزيرة في فلسطين لترى بعيون المواطن لا بعيون المراسل
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية