"الجنائية الدولية": العقبة أميركية وعربية أيضا
نقولا ناصر
نقولا ناصر
قبل أن يطلب رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من الولايات المتحدة منع المحكمة الجنائية من الاستجابة للطلب الفلسطيني للتحقيق في وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت واشنطن قد أعلنت معارضتها لهذا الطلب بذريعة أنه خطوة من جانب واحد لا تخدم مفاوضات السلام، وبحجة أن فلسطين ليست دولة وعليه فإنها "ليست مؤهلة للانضمام إلى المحكمة"، لتصف قرار المحكمة بفتح تحقيق أولي في الطلب الفلسطيني بأنه يمثل "مفارقة مأساوية" لأنها تدقق في احتمال أن تكون دولة الاحتلال قد ارتكبت جرائم حرب وهي التي "صمدت أمام آلاف الصواريخ الإرهابية التي أطلقت على مدنييها وأحيائها".
إن معارضة واشنطن تمثل عملا استباقيا يحاول منع المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق في جرائم دولة الاحتلال - وهي "شريكتها الاستراتيجية" حسب قانون أصدره الكونجرس الأميركي مؤخرا و"أرخص حاملة طائرات" لها كما وصفها وزير الخارجية الأسبق الكساندر هيغ - خشية أن تكون محاكمة دولة الاحتلال سابقة تقود إلى محاكمة الولايات المتحدة ذاتها لاحقا.
ولهذا السبب، وقبل أن تصبح دولة الاحتلال على جدول أعمال المحكمة بوقت طويل، كانت واشنطن قد شنت حملة دبلوماسية وسياسية طويلة ومركزة لتحصين وحماية نفسها من أن تطالها الولاية القانونية للمحكمة، فوقعت اتفاقيات ثنائية مع أكثر من مائة دولة في العالم تمنع هذه الدول من تسليم أو محاكمة أي مواطن أميركي، عسكريا كان أم مدنيا، بموجب قرارات تصدرها الجنائية الدولية.
لذلك تتدحرج الحملة الأميركية ضد الطلب الفلسطيني إلى حملة مشتركة مع دولة الاحتلال ضد الجنائية الدولية وشرعيتها والمجتمع الدولي الذي أنشأها، حملة تستهدف أولا تعطيلها بمنع تمويلها، وقد أعلن وزير خارجية دولة الاحتلال أفيغدور ليبرمان أنه طلب من "أصدقائنا في كندا واستراليا وألمانيا أن يتوقفوا ببساطة عن تمويلها".
واليابان هي أكبر مساهم في تمويل المحكمة، تليها ألمانيا ثم فرنسا وبريطانيا وايطاليا، والتمويل الاسترالي والكندي لها ليس أساسيا، ومن المؤكد أن حملة دولة الاحتلال وراعيها الأميركي لوقف تمويلها سوف تضع ألمانيا خاصة في وضع حرج كونها من الدول المؤسسة والداعمة بقوة للجنائية الدولية لكن مستشارتها أنجيلا ميركل من المؤيدين بقوة كذلك لدولة الاحتلال كما تأكد من معارضتها لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.
ومن شبه المؤكد أن ليبرمان وحكومته بحثا هذا الموضوع مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال زيارته لدولة الاحتلال يوم الثلاثاء الماضي، ومراقبة موقف اليابان من تمويل الجنائية الدولية خلال المرحلة المقبلة سوف تبين كيف تعاملت طوكيو مع موقف حكومة الاحتلال من المحكمة.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها تمويل المحكمة للتهديد، فليبرمان يسير على خطى الولايات المتحدة، فقبل عشر سنوات تقريبا، في عهد إدارة جورج دبليو. بوش، شن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة آنذاك، جون بولتون، حملة مماثلة لـ"عزل المحكمة الجنائية الدولية من خلال العمل الدبلوماسي من أجل منعها من اكتساب المزيد من الشرعية والموارد"، واليوم يكرر ليبرمان حملة بولتون لتجريد المحكمة من شرعيتها لأنه، كما قال، يعتقد بـ"عدم وجود أي مسوغ لوجود هذه الهيئة".
والولايات المتحدة ودولة الاحتلال ليستا عضوين في المحكمة، وكانتا ضمن سبع دول فقط عارضت إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لمعاهدة روما عام 1998 والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2002 وأنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، وحتى السادس من الشهر الجاري كانت (123) دولة قد صادقت على المعاهدة أو انضمت إليها وكانت دولة فلسطين أحدثها.
وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في منع إنشاء هذه المحكمة سعت إلى تحصين نفسها ضدها على عدة مسارات أولها المشاركة في المداولات من أجل تضمين معاهدة روما بنودا لصالحها، وثانيها الامتناع عن الانضمام إلى عضويتها، وثالثها استغلال تفردها بصنع القرار الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي للضغط على مجلس الأمن الدولي بالطلب رسميا منه بإصدار قرار يعفي جنودها من الخضوع لولاية الجنائية الدولية القانونية غداة احتلالها للعراق عام 2004، ورابعها الضغط على الاتحاد الأوروبي الداعم والممول الرئيسي للمحكمة لإصدار قرار مماثل عشية غزوها للعراق عام 2002، وخامسها الانضمام للمحكمة كعضو مراقب للعمل من داخلها ضد أي استهداف للولايات المتحدة أو لدولة الاحتلال.
وقد نجحت مساعيها، فالمادة (98) من المعاهدة تشترط موافقة الدول على التعاون مع المحكمة لتنفيذ قرارتها وتعفي المحكمة من مهامها إذا أجرت الدولة المعنية محاكمات للمتهمين في محاكمها الوطنية، واستندت الولايات المتحدة لهذه المادة لفرض اتفاقيات ثنائية على الدول الأخرى تعفي مواطنيها من الخضوع لولاية الجنائية الدولية.
ونجحت كذلك في استصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1422) لسنة 2002 باستثناء المواطنين الأميركيين المشاركين في مهمات للأمم المتحدة أو بتفويض منها لمدة سنة قابلة للتجديد، وقد جدد المجلس قراره في السنة التالية لكنه رفض تجديده عام 2004.
ونجحت أيضا في استصدار قرار من الاتحاد الأوروبي يمنح دوله الأعضاء منفردين حرية توقيع اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة تمنح حصانة للمواطنين الأميركيين ضد المحكمة الجنائية الدولية.
وعندما أصبحت معاهدة روما والمحكمة المنبثقة عنها أمرا واقعا بالرغم من معارضة الولايات المتحدة، اضطر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لتوقيع المعاهدة عام ألفين، لكن خلفه بوش سحب هذا التوقيع عام 2002، وفي السنة ذاتها أصدر الكونجرس قانونا يحظر المساعدات العسكرية للدول التي تصادق على المعاهدة، وفوض الرئيس باستخدام القوة العسكرية لـ"تحرير" أي عسكريين أميركيين تحتجزهم المحكمة، وهددت واشنطن باستخدام حقها في النقض "الفيتو" ضد تجديد مهمات حفظ السلام للأمم المتحدة ما لم تمنح القوات الأميركية المشاركة حصانة ضد الجنائية الدولية.
وكان "السناتور" باراك أوباما عام 2004 قد أعلن أن بلاده ينبغي "أن تتعاون مع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية"، وعندما أصبح رئيسا شاركت الولايات المتحدة في المحكمة كعضو مراقب في سنة 2009، لكن تعاونها كان "انتقائيا" حتى الآن، كما يثبت الموقف الأميركي الحالي المعارض لانضمام دولة فلسطين ولفتح تحقيق أولي في ما إذا كانت دولة الاحتلال قد ارتكبت جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
واليوم توجد (13) دولة من (22) دولة أعضاء في جامعة الدول العربية موقعة على اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة بحصانة مواطنيها ضد الجنائية الدولية وهي الأردن وجيبوتي وجزر القمر والبحرين والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية واليمن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
أي أن هذه الدول العربية سوف تمتنع عن اعتقال أو تسليم أو محاكمة أي "إسرائيلي" يحمل جنسية مزدوجة مع الولايات المتحدة بموجب أي قرار أو أمر من المحكمة الجنائية الدولية، وليس من المتوقع أن تخرج هذه الدول على الإرادة الأميركية بغض النظر عن تضامنها مع عرب فلسطين.
إن معارضة واشنطن تمثل عملا استباقيا يحاول منع المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق في جرائم دولة الاحتلال - وهي "شريكتها الاستراتيجية" حسب قانون أصدره الكونجرس الأميركي مؤخرا و"أرخص حاملة طائرات" لها كما وصفها وزير الخارجية الأسبق الكساندر هيغ - خشية أن تكون محاكمة دولة الاحتلال سابقة تقود إلى محاكمة الولايات المتحدة ذاتها لاحقا.
ولهذا السبب، وقبل أن تصبح دولة الاحتلال على جدول أعمال المحكمة بوقت طويل، كانت واشنطن قد شنت حملة دبلوماسية وسياسية طويلة ومركزة لتحصين وحماية نفسها من أن تطالها الولاية القانونية للمحكمة، فوقعت اتفاقيات ثنائية مع أكثر من مائة دولة في العالم تمنع هذه الدول من تسليم أو محاكمة أي مواطن أميركي، عسكريا كان أم مدنيا، بموجب قرارات تصدرها الجنائية الدولية.
لذلك تتدحرج الحملة الأميركية ضد الطلب الفلسطيني إلى حملة مشتركة مع دولة الاحتلال ضد الجنائية الدولية وشرعيتها والمجتمع الدولي الذي أنشأها، حملة تستهدف أولا تعطيلها بمنع تمويلها، وقد أعلن وزير خارجية دولة الاحتلال أفيغدور ليبرمان أنه طلب من "أصدقائنا في كندا واستراليا وألمانيا أن يتوقفوا ببساطة عن تمويلها".
واليابان هي أكبر مساهم في تمويل المحكمة، تليها ألمانيا ثم فرنسا وبريطانيا وايطاليا، والتمويل الاسترالي والكندي لها ليس أساسيا، ومن المؤكد أن حملة دولة الاحتلال وراعيها الأميركي لوقف تمويلها سوف تضع ألمانيا خاصة في وضع حرج كونها من الدول المؤسسة والداعمة بقوة للجنائية الدولية لكن مستشارتها أنجيلا ميركل من المؤيدين بقوة كذلك لدولة الاحتلال كما تأكد من معارضتها لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.
ومن شبه المؤكد أن ليبرمان وحكومته بحثا هذا الموضوع مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال زيارته لدولة الاحتلال يوم الثلاثاء الماضي، ومراقبة موقف اليابان من تمويل الجنائية الدولية خلال المرحلة المقبلة سوف تبين كيف تعاملت طوكيو مع موقف حكومة الاحتلال من المحكمة.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها تمويل المحكمة للتهديد، فليبرمان يسير على خطى الولايات المتحدة، فقبل عشر سنوات تقريبا، في عهد إدارة جورج دبليو. بوش، شن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة آنذاك، جون بولتون، حملة مماثلة لـ"عزل المحكمة الجنائية الدولية من خلال العمل الدبلوماسي من أجل منعها من اكتساب المزيد من الشرعية والموارد"، واليوم يكرر ليبرمان حملة بولتون لتجريد المحكمة من شرعيتها لأنه، كما قال، يعتقد بـ"عدم وجود أي مسوغ لوجود هذه الهيئة".
والولايات المتحدة ودولة الاحتلال ليستا عضوين في المحكمة، وكانتا ضمن سبع دول فقط عارضت إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لمعاهدة روما عام 1998 والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2002 وأنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، وحتى السادس من الشهر الجاري كانت (123) دولة قد صادقت على المعاهدة أو انضمت إليها وكانت دولة فلسطين أحدثها.
وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في منع إنشاء هذه المحكمة سعت إلى تحصين نفسها ضدها على عدة مسارات أولها المشاركة في المداولات من أجل تضمين معاهدة روما بنودا لصالحها، وثانيها الامتناع عن الانضمام إلى عضويتها، وثالثها استغلال تفردها بصنع القرار الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي للضغط على مجلس الأمن الدولي بالطلب رسميا منه بإصدار قرار يعفي جنودها من الخضوع لولاية الجنائية الدولية القانونية غداة احتلالها للعراق عام 2004، ورابعها الضغط على الاتحاد الأوروبي الداعم والممول الرئيسي للمحكمة لإصدار قرار مماثل عشية غزوها للعراق عام 2002، وخامسها الانضمام للمحكمة كعضو مراقب للعمل من داخلها ضد أي استهداف للولايات المتحدة أو لدولة الاحتلال.
وقد نجحت مساعيها، فالمادة (98) من المعاهدة تشترط موافقة الدول على التعاون مع المحكمة لتنفيذ قرارتها وتعفي المحكمة من مهامها إذا أجرت الدولة المعنية محاكمات للمتهمين في محاكمها الوطنية، واستندت الولايات المتحدة لهذه المادة لفرض اتفاقيات ثنائية على الدول الأخرى تعفي مواطنيها من الخضوع لولاية الجنائية الدولية.
ونجحت كذلك في استصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1422) لسنة 2002 باستثناء المواطنين الأميركيين المشاركين في مهمات للأمم المتحدة أو بتفويض منها لمدة سنة قابلة للتجديد، وقد جدد المجلس قراره في السنة التالية لكنه رفض تجديده عام 2004.
ونجحت أيضا في استصدار قرار من الاتحاد الأوروبي يمنح دوله الأعضاء منفردين حرية توقيع اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة تمنح حصانة للمواطنين الأميركيين ضد المحكمة الجنائية الدولية.
وعندما أصبحت معاهدة روما والمحكمة المنبثقة عنها أمرا واقعا بالرغم من معارضة الولايات المتحدة، اضطر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لتوقيع المعاهدة عام ألفين، لكن خلفه بوش سحب هذا التوقيع عام 2002، وفي السنة ذاتها أصدر الكونجرس قانونا يحظر المساعدات العسكرية للدول التي تصادق على المعاهدة، وفوض الرئيس باستخدام القوة العسكرية لـ"تحرير" أي عسكريين أميركيين تحتجزهم المحكمة، وهددت واشنطن باستخدام حقها في النقض "الفيتو" ضد تجديد مهمات حفظ السلام للأمم المتحدة ما لم تمنح القوات الأميركية المشاركة حصانة ضد الجنائية الدولية.
وكان "السناتور" باراك أوباما عام 2004 قد أعلن أن بلاده ينبغي "أن تتعاون مع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية"، وعندما أصبح رئيسا شاركت الولايات المتحدة في المحكمة كعضو مراقب في سنة 2009، لكن تعاونها كان "انتقائيا" حتى الآن، كما يثبت الموقف الأميركي الحالي المعارض لانضمام دولة فلسطين ولفتح تحقيق أولي في ما إذا كانت دولة الاحتلال قد ارتكبت جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
واليوم توجد (13) دولة من (22) دولة أعضاء في جامعة الدول العربية موقعة على اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة بحصانة مواطنيها ضد الجنائية الدولية وهي الأردن وجيبوتي وجزر القمر والبحرين والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية واليمن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
أي أن هذه الدول العربية سوف تمتنع عن اعتقال أو تسليم أو محاكمة أي "إسرائيلي" يحمل جنسية مزدوجة مع الولايات المتحدة بموجب أي قرار أو أمر من المحكمة الجنائية الدولية، وليس من المتوقع أن تخرج هذه الدول على الإرادة الأميركية بغض النظر عن تضامنها مع عرب فلسطين.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية