الحاجة الإنسانية في غزة وفقه الأولويات
بقلم : محمد يوسف حسنة
صدمتني صحيفة الرسالة وعلى مدار أسبوعين متتاليين بقصتين واقعيتين من غزة، الأولى تناولت وفاة أم لثلاث أطفال ومن ثم قام الوالد بالتخلي عنهم دون أدنى شفقة أو وازع إنساني، والثانية كانت قصة أم تزوجت رجل يكبرها بالعمر، رزقهم الله بثلاثة أطفال وابتلاهم بمرض السرطان فطلقها زوجها متخلياً عن أطفاله وعلاجهم بعد أن تنازلت هي عن حقوقها الشرعية، والحقيقة أن النموذجين بشعين لحد الإزدراء ولا يجب تواجدهما في مجتمع يُخرج الشهداء ويدفع الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على كرامته وليبقى حائط الصد تُجاه المؤامرات التي تُريد النيل من ثوابته ومبادئه، ودون إضفاء القداسة وهالة التبجيل نحن شعب يُعاني أزمة أخلاق تحتاج لوقفة مع النفس وتقييم للذات قبل الغير ووضع الحلول الداخلية دون انتظار التدخلات الخارجية.
وبالرجوع إلى الأم المطلقة المكلومة بإصابة أطفالها بمرض السرطان تقول ما تركت باب مؤسسة وجمعية خيرية إلا وطرقتها وما أحصل عليه لا يزيد عن كوبون من المساعدات الغذائية، وهنا أتساءل أين فعل 87 مؤسسة دولية متواجدة في قطاع غزة لأجل مساعدة أمثال هؤلاء؟، وأين أكثر من 950 مؤسسة خيرية أهلية مسجلة لدى وزارة الداخلية والشؤون المجتمعية من هؤلاء؟ إلى جانب عدد آخر من الشركات غير الربحية المسجلة لدى وزراة الاقتصاد الوطني والمراكز الشبابية المرخصة لدى وزارة الشباب والرياضة ولجنة المساعدات الحكومية.
إن مجرد طرح قضيتها من خلال الإعلام يُمثل عجزاً لنا كمؤسسات إنسانية تهتم بأوضاع المحاصرين في قطاع غزة وتضع أمامنا ضرورة وحاجة ملحة لإعادة تقييم أولويات التدخل الموضوعة من قبل المؤسسات الإنسانية العاملة في قطاع غزة، بل وفي استراتيجية العمل الإنساني ككل.
تلك العائلة التي رقّ قلب والد الأم لها ولحال أطفالها، وضعها في غرفة يخاف الفقر الولوج إليها من كثرة البؤس وشظف العيش فيها، وهى أقصى ما يستطيع تقديمه لابنته وأطفالها الثلاثة، ودون التقليل من مجهودات أحد ولكن ما فائدة إعمار وتأهيل الشوارع، وبناء المستشفيات الجديدة – التي لن تجد كوادر تعمل فيها – إن كان الإنسان مازال في ذيل قاعدة هرم الاحتياجات؟، ولا يجد ما يؤمن له الأمن الغذائي والأمن الصحي الفردي، وأمن المسكن؟
كم من مؤتمر وورشة عمل تُعقد أسبوعياً في أفخم فنادق قطاع غزة، وكم من الموازنات تُرصد لها، دون نتائج تُرجى على أرض الواقع، مجرد انتصارات وهمية وأرقام فلكية تُعلن عن تبرعات وصناديق وما تلبث إلا أن تتبخر بعد هدوء نشوة الإنجاز الوهمي، بل وكم من توصية يتم العمل بها وتنفيذها؟ حيث أن غالبيتها يبقى حبيس أدراج مغلقة وملفات مهملة.
حدثتني مديرة مؤسسة نسوية عن نشاط تطوير قدرات العاملين في المؤسسات الأهلية قامت به أحد المؤسسات المانحة في القاهرة، حين ذهب المشاركون وجد المدرب المصري نفسه أمام جهابزة في كتابة مقترحات المشاريع ويصلحون لتقديم التدريب بدلاً عنه وبمادة متطورة عن المادة التي قدمها، كم من حالة مرضية يمكن تغطية نفقاتها بمثل هكذا تدريب؟ - مع إيماني الكامل بضرورة تطوير قدرات العاملين في المؤسسات الأهلية وفق برنامج علمي وعملي مبنى على قاعدة الاحتياج ويُلبي الغرض منه – وأيهما أولى.
البرامج التي تستهدف الجندر وتعزيز مفاهيم الضغط والمناصرة ورغم أهميتها مرة أخرى إلا أن أولوية أمثال تلك العائلات تتقدم وتفرض علينا لزاماً أن نتوقف عن إهدار أموال التبرعات فيما يمكن تأجيله حتى نؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن.
وحتى الاستنزاف الحاصل للتبرعات في تشييد وبناء المساجد يجب أن يتوقف وأن يتحلى الداعون لها بالشجاعة لتحويل أموال بناء واعمار وتكييف المساجد لصالح مثل تلك العائلات، متوسط تكلفة المسجد 650 ألف دولار أمريكي، نستطيع بها أن نكون سبباً في شفاء مرضى وتوفير العلاج المناسب لهم، وتأهيل البيئة الصحية المناسبة والآمنة، إن الله قدم الإنسان على ما عداه، وجعل إحياء النفس كمن أحيا البشرية جمعاء.
كثير ما يتذرع القائمون على المؤسسات الأهلية وبعض القائمين على التبرعات برغبة المانح في التبرع في اتجاهات يضطرون من خلالها تغيير أهدافهم وفئة استهدافهم للحصول على التمويل، وأقول أننا لسنا في سوق أعمال نُريد لها الازدهار مالياً، نحن نقدم خدمات للإنسان بناء على حاجته، ونجاحنا مرتبط بما نقدم له من خدمات والتخفيف عنه الأزمات والوقوف معه في النازلات وليس بعدد المشاريع والموازنات، والمانح إن وجد صوت واحد يخاطبه لن يجد مفراً أمامه إلا الانصياع لمن هم في الميدان، بعيداً عن دجل "المستشارين" و "المحللين" أصحاب النسخ واللصق المشفوع بالتعديل البسيط.
بقلم : محمد يوسف حسنة
صدمتني صحيفة الرسالة وعلى مدار أسبوعين متتاليين بقصتين واقعيتين من غزة، الأولى تناولت وفاة أم لثلاث أطفال ومن ثم قام الوالد بالتخلي عنهم دون أدنى شفقة أو وازع إنساني، والثانية كانت قصة أم تزوجت رجل يكبرها بالعمر، رزقهم الله بثلاثة أطفال وابتلاهم بمرض السرطان فطلقها زوجها متخلياً عن أطفاله وعلاجهم بعد أن تنازلت هي عن حقوقها الشرعية، والحقيقة أن النموذجين بشعين لحد الإزدراء ولا يجب تواجدهما في مجتمع يُخرج الشهداء ويدفع الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على كرامته وليبقى حائط الصد تُجاه المؤامرات التي تُريد النيل من ثوابته ومبادئه، ودون إضفاء القداسة وهالة التبجيل نحن شعب يُعاني أزمة أخلاق تحتاج لوقفة مع النفس وتقييم للذات قبل الغير ووضع الحلول الداخلية دون انتظار التدخلات الخارجية.
وبالرجوع إلى الأم المطلقة المكلومة بإصابة أطفالها بمرض السرطان تقول ما تركت باب مؤسسة وجمعية خيرية إلا وطرقتها وما أحصل عليه لا يزيد عن كوبون من المساعدات الغذائية، وهنا أتساءل أين فعل 87 مؤسسة دولية متواجدة في قطاع غزة لأجل مساعدة أمثال هؤلاء؟، وأين أكثر من 950 مؤسسة خيرية أهلية مسجلة لدى وزارة الداخلية والشؤون المجتمعية من هؤلاء؟ إلى جانب عدد آخر من الشركات غير الربحية المسجلة لدى وزراة الاقتصاد الوطني والمراكز الشبابية المرخصة لدى وزارة الشباب والرياضة ولجنة المساعدات الحكومية.
إن مجرد طرح قضيتها من خلال الإعلام يُمثل عجزاً لنا كمؤسسات إنسانية تهتم بأوضاع المحاصرين في قطاع غزة وتضع أمامنا ضرورة وحاجة ملحة لإعادة تقييم أولويات التدخل الموضوعة من قبل المؤسسات الإنسانية العاملة في قطاع غزة، بل وفي استراتيجية العمل الإنساني ككل.
تلك العائلة التي رقّ قلب والد الأم لها ولحال أطفالها، وضعها في غرفة يخاف الفقر الولوج إليها من كثرة البؤس وشظف العيش فيها، وهى أقصى ما يستطيع تقديمه لابنته وأطفالها الثلاثة، ودون التقليل من مجهودات أحد ولكن ما فائدة إعمار وتأهيل الشوارع، وبناء المستشفيات الجديدة – التي لن تجد كوادر تعمل فيها – إن كان الإنسان مازال في ذيل قاعدة هرم الاحتياجات؟، ولا يجد ما يؤمن له الأمن الغذائي والأمن الصحي الفردي، وأمن المسكن؟
كم من مؤتمر وورشة عمل تُعقد أسبوعياً في أفخم فنادق قطاع غزة، وكم من الموازنات تُرصد لها، دون نتائج تُرجى على أرض الواقع، مجرد انتصارات وهمية وأرقام فلكية تُعلن عن تبرعات وصناديق وما تلبث إلا أن تتبخر بعد هدوء نشوة الإنجاز الوهمي، بل وكم من توصية يتم العمل بها وتنفيذها؟ حيث أن غالبيتها يبقى حبيس أدراج مغلقة وملفات مهملة.
حدثتني مديرة مؤسسة نسوية عن نشاط تطوير قدرات العاملين في المؤسسات الأهلية قامت به أحد المؤسسات المانحة في القاهرة، حين ذهب المشاركون وجد المدرب المصري نفسه أمام جهابزة في كتابة مقترحات المشاريع ويصلحون لتقديم التدريب بدلاً عنه وبمادة متطورة عن المادة التي قدمها، كم من حالة مرضية يمكن تغطية نفقاتها بمثل هكذا تدريب؟ - مع إيماني الكامل بضرورة تطوير قدرات العاملين في المؤسسات الأهلية وفق برنامج علمي وعملي مبنى على قاعدة الاحتياج ويُلبي الغرض منه – وأيهما أولى.
البرامج التي تستهدف الجندر وتعزيز مفاهيم الضغط والمناصرة ورغم أهميتها مرة أخرى إلا أن أولوية أمثال تلك العائلات تتقدم وتفرض علينا لزاماً أن نتوقف عن إهدار أموال التبرعات فيما يمكن تأجيله حتى نؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن.
وحتى الاستنزاف الحاصل للتبرعات في تشييد وبناء المساجد يجب أن يتوقف وأن يتحلى الداعون لها بالشجاعة لتحويل أموال بناء واعمار وتكييف المساجد لصالح مثل تلك العائلات، متوسط تكلفة المسجد 650 ألف دولار أمريكي، نستطيع بها أن نكون سبباً في شفاء مرضى وتوفير العلاج المناسب لهم، وتأهيل البيئة الصحية المناسبة والآمنة، إن الله قدم الإنسان على ما عداه، وجعل إحياء النفس كمن أحيا البشرية جمعاء.
كثير ما يتذرع القائمون على المؤسسات الأهلية وبعض القائمين على التبرعات برغبة المانح في التبرع في اتجاهات يضطرون من خلالها تغيير أهدافهم وفئة استهدافهم للحصول على التمويل، وأقول أننا لسنا في سوق أعمال نُريد لها الازدهار مالياً، نحن نقدم خدمات للإنسان بناء على حاجته، ونجاحنا مرتبط بما نقدم له من خدمات والتخفيف عنه الأزمات والوقوف معه في النازلات وليس بعدد المشاريع والموازنات، والمانح إن وجد صوت واحد يخاطبه لن يجد مفراً أمامه إلا الانصياع لمن هم في الميدان، بعيداً عن دجل "المستشارين" و "المحللين" أصحاب النسخ واللصق المشفوع بالتعديل البسيط.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية