الدولة الفلسطينية في عيون إسرائيلية
د. أيمن أبو ناهية
ليس الاعتراف بالدولة الفلسطينية مطلباً مبالغاً فيه وليس جميلاً أو معروفاً تسديه هذه الدولة أو تلك للشعب الفلسطيني، وإنما هو تحصيل حاصل ومتطلب يتوجب الوفاء به ليس فقط استناداً لحل الدولتين، بل كذلك تنفيذ لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947م.
فمنذ تولي بنيامين نتنياهو الحكم عام 2009 دخلت مسيرة السلام في مأزق أشد عمقاً من سابقيه، حيث صرّح أنه مستعد للتفاوض مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة أو جدول زمني محدد، معتبراً الضفة الغربية منطقة مختلفاً عليها، وليست أرضاً محتلّة، ما دفع رئيس السلطة محمود عباس للتوجه للأمم المتحدة من أجل الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية فيها. غير أن التلويح باستخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن دفعه إلى التوجه للجمعية العمومية للحصول على مكانة دولة مراقب.
وهو ما حصل فعلياً وهو أن صوتت الجمعية العمومية في 29/11/2012 لصالح منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو. وتضمن القرار الذي أقرته الجمعية العامة نصاً يعرب عن الأمل بأن ينظر مجلس الأمن إيجاباً" في قبول طلب الدولة الكاملة العضوية في الأمم المتحدة الذي قدمه عباس في أيلول (سبتمبر)2011.
ورغم محاولات (إسرائيل) الدبلوماسية اليائسة لإقناع بعض الدول بعدم التصويت لصالح القرار، إلا أنها فشلت في احتكار القرار لصالحها، بعدما أدرك موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية هذا الفشل، طلبوا من هذه الدول إصدار بيانات يعربون فيها بأن تأييدهم لعضوية فلسطين هو تأييد رمزي فقط، وليس بديلاً عن المفاوضات، ولا يعتبر مرجعية لأي مفاوضات لترسيم الحدود بين الطرفين.
فقد أيقظت الرغبة الفلسطينية بالتوجه للأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة، مؤسسات (إسرائيل) الرسمية وغير الرسمية للبحث في نتائج وانعكاسات الخطوة الفلسطينية عليها. وهناك من اعتبرها تهديداً يتطلب من (إسرائيل) مواجهته، فيما اعتبرها البعض الآخر فرصة يجب استغلالها والبناء عليها من أجل الوصول لدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية. وطرح المعارضون للتوجه الفلسطيني للأمم المتحدة سلسلة من النتائج:
أولا- سياسيا: حيث رأت (إسرائيل) بنتيجة التصويت في الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة هزيمة سياسية لها، وبداية لتدخل دولي إذا استمر، سيدفع باتجاه ممارسة ضغوط وفرض عقوبات عليها للتوصل إلى حل وفق الرؤية الفلسطينية من دون أن يأخذ بعين الاعتبار المطالب السياسية والقانونية والأمنية الإسرائيلية. كما اعتبرت هذا الاعتراف بداية لحرب خاسرة مع السلطة الفلسطينية لدخول باقي المؤسسات الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية التي ترى بانضمام الفلسطينيين إليها خطراً على قياداتها السياسية والأمنية.
ثانيا- قانونيا: رأت أنه لا يقل خطورة عن الهزيمة السياسية التي لحقت بها، واعتبرت أن الاعتراف بعضوية دولة فلسطين كمراقب سيدفع الفلسطينيين إلى الانضمام إلى المؤسسات الدولية الأخرى خاصة محكمة الجنايات الدولية، وترى في حال تحقق وانضمت فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية، فإن ذلك يعني مد صلاحيات هذه المحكمة على أراضي الدولة المحتلة، وتقديم شكاوى قضائية ضد القيادات الأمنية والسياسية على جرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين.
ثالثاً- أمنياً: وترى أنه أخطر من سابقيه ، أي تراجع حالة الردع التي تعتبر من أهم العناصر الأمنية الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين والعرب، وفي حال اندلاع انتفاضة شعبية ثالثة ضدها، لا تستطيع فيها استخدام الوسائل العسكرية المتاحة لها في مواجهة الفلسطينيين، نظراً لوجود المؤسسات الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية.
وهذا من شأنه أن يزيد من عزلتها الدولية وفرض عقوبات عليها، كما أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفقدها أحد عناصر الضغط على الفلسطينيين للاعتراف بها كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية.
رابعا - دبلوماسياً: ترى أن الاعتراف سيؤدي لدفن المفاوضات المباشرة مع السلطة إلى الأبد وإعطاء دور للمؤسسات الدولية التي ستعمل على تقليص مساحة المساومة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، نظراً للحقوق الدولية في مناطق الدولة المعلن عنها.
خامساً - حدودياً: وترى حصول الفلسطينيين على مكانة دولة بداية لفرض حل دولتين لشعبين بشروط غير مريحة لها، و أن ترسيم الحدود مع الفلسطينيين سيكون بشكل أحادي الجانب وليس وفق اتفاق بين الجانبين لا يتضمن تنازلات فلسطينية في القضايا الجوهرية مثل القدس وحق العودة والتسويات الأمنية والحدود والمياه.
أما المؤيدون لاعتراف الأمم المتحدة بالدولة ويعتبرون ذلك فرصة تحقق (لإسرائيل) أهدافاً عديدة خاصة إذا تطور الاعتراف إلى خطوات عملية تترجم إلى حقائق على الأرض، فيطرحون:
أولا- تمكن (إسرائيل) من إنشاء دولة ذات أغلبية يهودية كبيرة وديمقراطية.
ثانيا- يحول الصراع مع الفلسطينيين من شعب محتل ضد دولة احتلال، إلى خلاف حدودي بين دولتين.
ثالثا- يؤجل بحث قضايا الحل النهائي المشكلة إزعاجاً للطرفين مثل القدس والحدود وحق العودة، ويمنح (إسرائيل) فرصة للبحث عن حلول خلاقة وهي بظروف مريحة.
رابعا- ربما يؤدي الإعلان عن الدولة إلى تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، كونها تحولت لخلاف حدودي بين دولتين.
خامسا- يجدد الأمل في صفوف الفلسطينيين باحتمال التوصل لحل، خاصة إذا ترافق ذلك مع تأييد وخطوات إسرائيلية باتجاه الحل.
سادسا- يدفع الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى تراجع حملة عدم الشرعية التي تواجهها (إسرائيل) في مختلف أنحاء العالم، وفي مقدمتها محاولات نزع الشرعية عنها في أوروبا.
سابعا- يساعد اعتراف (إسرائيل) بالدولة الفلسطينية في استمرار اتفاقيات السلام مع مصر والأردن خاصة إثر أحداث الربيع العربي. وبالتالي التخفيف من حدة التوتر في المنطقة، والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.
ثامنا- يساعد الولايات المتحدة في إعادة تعزيز مكانتها التي شهدت تراجعاً بعد أحداث الربيع العربي.
في المحصلة أعتقد أنه مهما توافق أو اختلف قادة الاحتلال على الدولة الفلسطينية فإنه سوف يأتي اليوم الذي ستقام فيه الدولة رغم كل التجاوزات التي ارتكبها العالم في ذلك الوقت، وما تزال دول عديدة ترفض أو تماطل في تصحيحه، فهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي وردت بشكل صريح في قرار التقسيم، حتى مع أن الدولة الفلسطينية بتوصيفها الحالي انكمشت إلى مساحة ٢٢ في المائة من فلسطين التاريخية، ويتم طرح هذه الدولة التي حجَّمها الاحتلال الإسرائيلي وما يزال يحاول تقليص مساحتها أكثر فأكثر من خلال التوسع الاستيطاني- يتم طرح الاعتراف بهذه الدولة منذ انطلاق ما تسمى بعملية السلام قبل خمسة وعشرين عاماً.
د. أيمن أبو ناهية
ليس الاعتراف بالدولة الفلسطينية مطلباً مبالغاً فيه وليس جميلاً أو معروفاً تسديه هذه الدولة أو تلك للشعب الفلسطيني، وإنما هو تحصيل حاصل ومتطلب يتوجب الوفاء به ليس فقط استناداً لحل الدولتين، بل كذلك تنفيذ لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947م.
فمنذ تولي بنيامين نتنياهو الحكم عام 2009 دخلت مسيرة السلام في مأزق أشد عمقاً من سابقيه، حيث صرّح أنه مستعد للتفاوض مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة أو جدول زمني محدد، معتبراً الضفة الغربية منطقة مختلفاً عليها، وليست أرضاً محتلّة، ما دفع رئيس السلطة محمود عباس للتوجه للأمم المتحدة من أجل الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية فيها. غير أن التلويح باستخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن دفعه إلى التوجه للجمعية العمومية للحصول على مكانة دولة مراقب.
وهو ما حصل فعلياً وهو أن صوتت الجمعية العمومية في 29/11/2012 لصالح منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو. وتضمن القرار الذي أقرته الجمعية العامة نصاً يعرب عن الأمل بأن ينظر مجلس الأمن إيجاباً" في قبول طلب الدولة الكاملة العضوية في الأمم المتحدة الذي قدمه عباس في أيلول (سبتمبر)2011.
ورغم محاولات (إسرائيل) الدبلوماسية اليائسة لإقناع بعض الدول بعدم التصويت لصالح القرار، إلا أنها فشلت في احتكار القرار لصالحها، بعدما أدرك موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية هذا الفشل، طلبوا من هذه الدول إصدار بيانات يعربون فيها بأن تأييدهم لعضوية فلسطين هو تأييد رمزي فقط، وليس بديلاً عن المفاوضات، ولا يعتبر مرجعية لأي مفاوضات لترسيم الحدود بين الطرفين.
فقد أيقظت الرغبة الفلسطينية بالتوجه للأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة، مؤسسات (إسرائيل) الرسمية وغير الرسمية للبحث في نتائج وانعكاسات الخطوة الفلسطينية عليها. وهناك من اعتبرها تهديداً يتطلب من (إسرائيل) مواجهته، فيما اعتبرها البعض الآخر فرصة يجب استغلالها والبناء عليها من أجل الوصول لدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية. وطرح المعارضون للتوجه الفلسطيني للأمم المتحدة سلسلة من النتائج:
أولا- سياسيا: حيث رأت (إسرائيل) بنتيجة التصويت في الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة هزيمة سياسية لها، وبداية لتدخل دولي إذا استمر، سيدفع باتجاه ممارسة ضغوط وفرض عقوبات عليها للتوصل إلى حل وفق الرؤية الفلسطينية من دون أن يأخذ بعين الاعتبار المطالب السياسية والقانونية والأمنية الإسرائيلية. كما اعتبرت هذا الاعتراف بداية لحرب خاسرة مع السلطة الفلسطينية لدخول باقي المؤسسات الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية التي ترى بانضمام الفلسطينيين إليها خطراً على قياداتها السياسية والأمنية.
ثانيا- قانونيا: رأت أنه لا يقل خطورة عن الهزيمة السياسية التي لحقت بها، واعتبرت أن الاعتراف بعضوية دولة فلسطين كمراقب سيدفع الفلسطينيين إلى الانضمام إلى المؤسسات الدولية الأخرى خاصة محكمة الجنايات الدولية، وترى في حال تحقق وانضمت فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية، فإن ذلك يعني مد صلاحيات هذه المحكمة على أراضي الدولة المحتلة، وتقديم شكاوى قضائية ضد القيادات الأمنية والسياسية على جرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين.
ثالثاً- أمنياً: وترى أنه أخطر من سابقيه ، أي تراجع حالة الردع التي تعتبر من أهم العناصر الأمنية الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين والعرب، وفي حال اندلاع انتفاضة شعبية ثالثة ضدها، لا تستطيع فيها استخدام الوسائل العسكرية المتاحة لها في مواجهة الفلسطينيين، نظراً لوجود المؤسسات الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية.
وهذا من شأنه أن يزيد من عزلتها الدولية وفرض عقوبات عليها، كما أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفقدها أحد عناصر الضغط على الفلسطينيين للاعتراف بها كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية.
رابعا - دبلوماسياً: ترى أن الاعتراف سيؤدي لدفن المفاوضات المباشرة مع السلطة إلى الأبد وإعطاء دور للمؤسسات الدولية التي ستعمل على تقليص مساحة المساومة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، نظراً للحقوق الدولية في مناطق الدولة المعلن عنها.
خامساً - حدودياً: وترى حصول الفلسطينيين على مكانة دولة بداية لفرض حل دولتين لشعبين بشروط غير مريحة لها، و أن ترسيم الحدود مع الفلسطينيين سيكون بشكل أحادي الجانب وليس وفق اتفاق بين الجانبين لا يتضمن تنازلات فلسطينية في القضايا الجوهرية مثل القدس وحق العودة والتسويات الأمنية والحدود والمياه.
أما المؤيدون لاعتراف الأمم المتحدة بالدولة ويعتبرون ذلك فرصة تحقق (لإسرائيل) أهدافاً عديدة خاصة إذا تطور الاعتراف إلى خطوات عملية تترجم إلى حقائق على الأرض، فيطرحون:
أولا- تمكن (إسرائيل) من إنشاء دولة ذات أغلبية يهودية كبيرة وديمقراطية.
ثانيا- يحول الصراع مع الفلسطينيين من شعب محتل ضد دولة احتلال، إلى خلاف حدودي بين دولتين.
ثالثا- يؤجل بحث قضايا الحل النهائي المشكلة إزعاجاً للطرفين مثل القدس والحدود وحق العودة، ويمنح (إسرائيل) فرصة للبحث عن حلول خلاقة وهي بظروف مريحة.
رابعا- ربما يؤدي الإعلان عن الدولة إلى تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، كونها تحولت لخلاف حدودي بين دولتين.
خامسا- يجدد الأمل في صفوف الفلسطينيين باحتمال التوصل لحل، خاصة إذا ترافق ذلك مع تأييد وخطوات إسرائيلية باتجاه الحل.
سادسا- يدفع الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى تراجع حملة عدم الشرعية التي تواجهها (إسرائيل) في مختلف أنحاء العالم، وفي مقدمتها محاولات نزع الشرعية عنها في أوروبا.
سابعا- يساعد اعتراف (إسرائيل) بالدولة الفلسطينية في استمرار اتفاقيات السلام مع مصر والأردن خاصة إثر أحداث الربيع العربي. وبالتالي التخفيف من حدة التوتر في المنطقة، والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.
ثامنا- يساعد الولايات المتحدة في إعادة تعزيز مكانتها التي شهدت تراجعاً بعد أحداث الربيع العربي.
في المحصلة أعتقد أنه مهما توافق أو اختلف قادة الاحتلال على الدولة الفلسطينية فإنه سوف يأتي اليوم الذي ستقام فيه الدولة رغم كل التجاوزات التي ارتكبها العالم في ذلك الوقت، وما تزال دول عديدة ترفض أو تماطل في تصحيحه، فهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي وردت بشكل صريح في قرار التقسيم، حتى مع أن الدولة الفلسطينية بتوصيفها الحالي انكمشت إلى مساحة ٢٢ في المائة من فلسطين التاريخية، ويتم طرح هذه الدولة التي حجَّمها الاحتلال الإسرائيلي وما يزال يحاول تقليص مساحتها أكثر فأكثر من خلال التوسع الاستيطاني- يتم طرح الاعتراف بهذه الدولة منذ انطلاق ما تسمى بعملية السلام قبل خمسة وعشرين عاماً.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية