الدين ثابت والعلم متغير ولا ينقصنا العدد
سري سمّور
رحم الله الشيخ محمد متولي شعراوي فـقد نصح بعدم الاستغراق في البحث عن الحكمة في أمر إلهي، لأن عقل الإنسان يظل محدودا في تصوراته وإمكاناته.
أجد نصيحته مهمة في أيامنا فقد كثر الحديث عن الأشياء المحرمة والمحللة من منظور علمي وصار بعضنا يصوّر العلماء والباحثين في مخابرهم ومراكزهم البحثية كفرق مهمتها إثبات ما ورد في القرآن الكريم، ويطير الخاصة والعامة منا فرحا كلما أثبت بحث علمي، خاصة في أمريكا أو أوروبا أو اليابان ضرر أمر حرمه الإسلام...وعلى المدى المتوسط والبعيد يجعل هؤلاء القرآن وأحكامه خاضعة لمختبرات الباحثين ونظرياتهم، ولعمري هذا عبث خطير، مع أن نوايا أهل هذا النهج، الذي له شعبية كبيرة، سليمة وهدفهم تبـيان روعة الإسلام وأنه حين حلل وحرّم التمس الفائدة، وهذا صحيح، ولكن هل يحدده علماء نظرياتهم تخضع للتغيير؟ومؤخرا باتت الأبحاث العلمية تخضع لمعايير تجارية، على الأقل من حيث النشر والإعلان، إن لم يكن من حيث النتائج!
وثمة كلام منطقي أورده سيد قطب-رحمه الله- في ظلال القرآن ردا على القول بأن الأضرار التي كشف عنها العلم في لحم الخنزير يمكن تفاديها بأساليب الطبخ الحراري والوسائل الحديـثه، حيث قال ما معناه: إن العلم مكث 1400 سنة حتى اكتشف هذه الأضرار، فما يدرينا ما سيكشفه العلم في المستقبل؟!
هذه ركيزة أساسية في التعامل مع الحلال والحرام؛ وألا نسقط في وعي الناس، أن عليهم البحث عن أقوال علماء الكيمياء والبيولوجيا في ما حرم الله لنا وحلل، وبعدها يقررون، قد يكون من يفعل ذلك للاستئناس أو تشجيع الناس على ترك المحرمات، ولكن هذا أسلوب ليس سويا، فالإسلام هو الاستسلام والانقياد لله، وليس انقيادا مرتبطا بنتائج بحوث مخبرية في جامعات غربية!
فملايين الناس يشربون الخمور، وكثير منهم مبدعون في دراستهم وأعمالهم، وكثير منهم لا يعانون من أمراض زيادة عمن لا يشرب الخمر، وهناك ملايين يأكلون لحم الخنزير وصحتهم ليست سيئة، وليس دائما الصوم مفيد، فالصوم يرهق ويفقد الجسم سوائل، ويمكن الاستغناء عن الامتناع الكامل عن الطعام والشراب بأكل معتدل يحفظ الجسم من الإرهاق...وأسوق هذه الأمثلة للتحذير من منزلقات خطيرة حيث بات السؤال التلقائي:لماذا هذا حلال ولماذا ذاك حرام، ولماذا نصوم ولماذا نصلي ولماذا...؟ لأن الله حلل وحرم وشرّع وأمر ونهى، بغض النظر عن العلم التجريبي؛ فالقرآن ثابت والعلم متغير، ولا يجوز أن يصبح المتغير مرجعا معتمدا يحكم به على الثابت.
أنا هنا لا أنكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فهو مؤكد بكثير من الشواهد والأدلة والبراهين الدامغة؛ ولكن أحيانا تشعر بنوع من التبعية المضحكة؛ فكلما اكتشف العلم الحديث شيئا، خرج علينا بعض من نصبناهم ونصبوا أنفسهم كخبراء في الإعجاز العلمي ليقولوا:هذا ليس جديدا فهو موجود في القرآن الكريم في سورة كذا...حسنا لماذا لم تتحدث عنه قبل أن يكشفه علماء من غير المسلمين؟القرآن أسمى من هذا ولنتأمل ما جاء في بداية سورة الكهف:-
«الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا» هذا هو القرآن، وبعض هؤلاء يجعلنا أضحوكة ومحل سخرية، ولنتذكر قصة من قال بأنه جاء بألف دليل على وجود الله، فردت عجوز:ومتى غاب ليستدل عليه؟ ولو لم يكن عنده ألف شك لما جاء بألف دليل!...نعم وهؤلاء أكاد أقول أن في نفوسهم شكوك في القرآن، أو أنهم يتعاملون بسذاجة تلامس الغباء!
إن النظريات العلمية تتغير، وكل يوم يطالعنا بحث جديد قد يلغي ما قبله، ومؤخرا قرأت عن فوائد شرب الخمر باعتدال بناء على دراسة علمية، فهل أتبعها أم أنصاع للحكم الشرعي؟كفى هراء...وطلع علينا بعض من يريد تفسير أحداث يوم القيامة وأهواله بنظريات فيزيائية يكيفها مع آي الذكر الحكيم؛ ونسي أهم شيء في ذاك اليوم، وهو أن القوانين الموجودة سيحدث لها خرق كامل وتتغير تماما مثلما جاء في نصوص كثيرة (وسيرت الجبال فكانت سرابا) (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) وغيرها من النصوص دلالات على أن قوانين نيوتن والنظرية النسبية وما قبلها وما بعدها وما اعتدنا عليه يومها سيكون مختلفا، و يوم القيامة خارج عما ألفه الخلق أجمعين من أيام أخرى، ففيه تذهل المرضعة عن وليدها، وتضع كل ذات حمل حملها!
وفي عصرنا الحالي لا ينقصنا الكم بل النوع، فليس للمسلمين مشكلة عددية؛ وللأسف يتم دمج الهوس بزيادة العدد مع الاكتشافات العلمية؛ بالقول أن العالم الفلاني الأمريكي أو الفرنسي أو الإنجليزي أسلم بعدما رأى أن القرآن الكريم يتطابق مع بحثه، كأنه كان يمارس البحث جريا وراء الإيمان...ومن كثرة ما حدثونا عن علماء غربيين أسلموا بناء على ذلك، صرت في شكّ كبير، فأين هؤلاء العلماء، هل تركوا العلم وجلسوا في المساجد مثلا؟!ومن هو ذاك الجاسوس البريطاني الذي أسلم بسبب الحجر الأسود؟وأين هو الكتاب الذي ألفه، كما يزعم عبر شاشات فضائية أحد الذين تخصصوا في هذا التضليل والكذب باسم ديننا الذي يحرم الكذب؟علما بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد وضح لنا مسألة الحجر الأسود ولسنا بحاجة لاختلاق مثل هذه القصص!
الإسلام يحض على العلم والتفكر(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت...) وكلمة (اقرأ) هي أول ما نزل من هذا القرآن العظيم، وهذا ما يجب أن ننشغل به ففي الكون حقائق أمرنا الله -جل وعلا- البحث عنها واكتشاف أسرارها، لا أن ننشغل مثلا بحبة بندورة يظهر لفظ الجلالة أو اسم نبينا الكريم عليها، وكأن الدين لم يكتمل وكان بانتظار حبة البندورة، أو أغصان شجرة...ثم يأتي من ينشرها ويقول :أسلم كثير ممن رآها...!
الإسلام دين ثابت بقرآنه العظيم المحمي من الزيادة والنقصان، والعلم نظرياته متغيرة، ومأمور المسلم أن يتعلم ويبحث، بدل أن ينتظر إثبات صحة دينه ومعتقده بأبحاث جامعات غربية!
سري سمّور
رحم الله الشيخ محمد متولي شعراوي فـقد نصح بعدم الاستغراق في البحث عن الحكمة في أمر إلهي، لأن عقل الإنسان يظل محدودا في تصوراته وإمكاناته.
أجد نصيحته مهمة في أيامنا فقد كثر الحديث عن الأشياء المحرمة والمحللة من منظور علمي وصار بعضنا يصوّر العلماء والباحثين في مخابرهم ومراكزهم البحثية كفرق مهمتها إثبات ما ورد في القرآن الكريم، ويطير الخاصة والعامة منا فرحا كلما أثبت بحث علمي، خاصة في أمريكا أو أوروبا أو اليابان ضرر أمر حرمه الإسلام...وعلى المدى المتوسط والبعيد يجعل هؤلاء القرآن وأحكامه خاضعة لمختبرات الباحثين ونظرياتهم، ولعمري هذا عبث خطير، مع أن نوايا أهل هذا النهج، الذي له شعبية كبيرة، سليمة وهدفهم تبـيان روعة الإسلام وأنه حين حلل وحرّم التمس الفائدة، وهذا صحيح، ولكن هل يحدده علماء نظرياتهم تخضع للتغيير؟ومؤخرا باتت الأبحاث العلمية تخضع لمعايير تجارية، على الأقل من حيث النشر والإعلان، إن لم يكن من حيث النتائج!
وثمة كلام منطقي أورده سيد قطب-رحمه الله- في ظلال القرآن ردا على القول بأن الأضرار التي كشف عنها العلم في لحم الخنزير يمكن تفاديها بأساليب الطبخ الحراري والوسائل الحديـثه، حيث قال ما معناه: إن العلم مكث 1400 سنة حتى اكتشف هذه الأضرار، فما يدرينا ما سيكشفه العلم في المستقبل؟!
هذه ركيزة أساسية في التعامل مع الحلال والحرام؛ وألا نسقط في وعي الناس، أن عليهم البحث عن أقوال علماء الكيمياء والبيولوجيا في ما حرم الله لنا وحلل، وبعدها يقررون، قد يكون من يفعل ذلك للاستئناس أو تشجيع الناس على ترك المحرمات، ولكن هذا أسلوب ليس سويا، فالإسلام هو الاستسلام والانقياد لله، وليس انقيادا مرتبطا بنتائج بحوث مخبرية في جامعات غربية!
فملايين الناس يشربون الخمور، وكثير منهم مبدعون في دراستهم وأعمالهم، وكثير منهم لا يعانون من أمراض زيادة عمن لا يشرب الخمر، وهناك ملايين يأكلون لحم الخنزير وصحتهم ليست سيئة، وليس دائما الصوم مفيد، فالصوم يرهق ويفقد الجسم سوائل، ويمكن الاستغناء عن الامتناع الكامل عن الطعام والشراب بأكل معتدل يحفظ الجسم من الإرهاق...وأسوق هذه الأمثلة للتحذير من منزلقات خطيرة حيث بات السؤال التلقائي:لماذا هذا حلال ولماذا ذاك حرام، ولماذا نصوم ولماذا نصلي ولماذا...؟ لأن الله حلل وحرم وشرّع وأمر ونهى، بغض النظر عن العلم التجريبي؛ فالقرآن ثابت والعلم متغير، ولا يجوز أن يصبح المتغير مرجعا معتمدا يحكم به على الثابت.
أنا هنا لا أنكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فهو مؤكد بكثير من الشواهد والأدلة والبراهين الدامغة؛ ولكن أحيانا تشعر بنوع من التبعية المضحكة؛ فكلما اكتشف العلم الحديث شيئا، خرج علينا بعض من نصبناهم ونصبوا أنفسهم كخبراء في الإعجاز العلمي ليقولوا:هذا ليس جديدا فهو موجود في القرآن الكريم في سورة كذا...حسنا لماذا لم تتحدث عنه قبل أن يكشفه علماء من غير المسلمين؟القرآن أسمى من هذا ولنتأمل ما جاء في بداية سورة الكهف:-
«الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا» هذا هو القرآن، وبعض هؤلاء يجعلنا أضحوكة ومحل سخرية، ولنتذكر قصة من قال بأنه جاء بألف دليل على وجود الله، فردت عجوز:ومتى غاب ليستدل عليه؟ ولو لم يكن عنده ألف شك لما جاء بألف دليل!...نعم وهؤلاء أكاد أقول أن في نفوسهم شكوك في القرآن، أو أنهم يتعاملون بسذاجة تلامس الغباء!
إن النظريات العلمية تتغير، وكل يوم يطالعنا بحث جديد قد يلغي ما قبله، ومؤخرا قرأت عن فوائد شرب الخمر باعتدال بناء على دراسة علمية، فهل أتبعها أم أنصاع للحكم الشرعي؟كفى هراء...وطلع علينا بعض من يريد تفسير أحداث يوم القيامة وأهواله بنظريات فيزيائية يكيفها مع آي الذكر الحكيم؛ ونسي أهم شيء في ذاك اليوم، وهو أن القوانين الموجودة سيحدث لها خرق كامل وتتغير تماما مثلما جاء في نصوص كثيرة (وسيرت الجبال فكانت سرابا) (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) وغيرها من النصوص دلالات على أن قوانين نيوتن والنظرية النسبية وما قبلها وما بعدها وما اعتدنا عليه يومها سيكون مختلفا، و يوم القيامة خارج عما ألفه الخلق أجمعين من أيام أخرى، ففيه تذهل المرضعة عن وليدها، وتضع كل ذات حمل حملها!
وفي عصرنا الحالي لا ينقصنا الكم بل النوع، فليس للمسلمين مشكلة عددية؛ وللأسف يتم دمج الهوس بزيادة العدد مع الاكتشافات العلمية؛ بالقول أن العالم الفلاني الأمريكي أو الفرنسي أو الإنجليزي أسلم بعدما رأى أن القرآن الكريم يتطابق مع بحثه، كأنه كان يمارس البحث جريا وراء الإيمان...ومن كثرة ما حدثونا عن علماء غربيين أسلموا بناء على ذلك، صرت في شكّ كبير، فأين هؤلاء العلماء، هل تركوا العلم وجلسوا في المساجد مثلا؟!ومن هو ذاك الجاسوس البريطاني الذي أسلم بسبب الحجر الأسود؟وأين هو الكتاب الذي ألفه، كما يزعم عبر شاشات فضائية أحد الذين تخصصوا في هذا التضليل والكذب باسم ديننا الذي يحرم الكذب؟علما بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد وضح لنا مسألة الحجر الأسود ولسنا بحاجة لاختلاق مثل هذه القصص!
الإسلام يحض على العلم والتفكر(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت...) وكلمة (اقرأ) هي أول ما نزل من هذا القرآن العظيم، وهذا ما يجب أن ننشغل به ففي الكون حقائق أمرنا الله -جل وعلا- البحث عنها واكتشاف أسرارها، لا أن ننشغل مثلا بحبة بندورة يظهر لفظ الجلالة أو اسم نبينا الكريم عليها، وكأن الدين لم يكتمل وكان بانتظار حبة البندورة، أو أغصان شجرة...ثم يأتي من ينشرها ويقول :أسلم كثير ممن رآها...!
الإسلام دين ثابت بقرآنه العظيم المحمي من الزيادة والنقصان، والعلم نظرياته متغيرة، ومأمور المسلم أن يتعلم ويبحث، بدل أن ينتظر إثبات صحة دينه ومعتقده بأبحاث جامعات غربية!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية