الرئيس وأُكذوبة الداهية السياسية ... بقلم : د.فهمي شراب

السبت 14 ديسمبر 2013

الرئيس وأُكذوبة الداهية السياسية

د.فهمي شراب

ونحن على مشارف الانتهاء من عام 2013 ومرور القضية الفلسطينية بعدة تحولات خطيرة وتجارب وفرص ضائعة، من المفيد جدا تقييم أداء الرئيس من خلال بعض القرارات والمراسيم التي أصدرها، والمواقف التي تبناها، وخاصة بعد دخول حركة حماس ضمن النظام السياسي الفلسطيني بعد انتخابات 2006، وصعودها كلاعب سياسي جديد non-state actor، حيث أفلتت منه فرص لو تم استغلالها لما وصلنا إلى هذا المشهد المعقد، والذي ليس له من دون الله كاشفة، حيث وقع الرئيس محمود عباس في كثير من الأخطاء، وهنا نجري عملية رصد سريعة لبعض أهم الأخطاء التي وقع فيها، مؤكدين أن عملية الرصد ليس من باب التأريخ أو التجريح ، ولكن من باب تسجيل التجارب واخذ العبر، ومن باب الدعوة إلى اغتنام رياح المصالحة وقتما هبت، فقد مر على كثير من الناس اوقات " كان فيها الحليم حيرانا" لذا وجب وضع عدة اضاءات من وحي الواقع او من مدرسة " الريال بوليتيك" بعيدا عن العاطفة او اي ارتباط حزبي:

1- قبيل إجراء انتخابات 2006 وفترة ما بعدها، تجاوزت بعض الأجهزة الأمنية حدودها الوطنية، واختلفت طبيعة دورها، وظهرت فرق موت تابعة لجهاز الأمن الوقائي، تعمل لأجندة خارجية بطابع أناني، مستغلة مقدرات وإمكانيات دولة تحت سمع وبصر ابو مازن، ولم يحرك ساكنا رغم وجود إجماع وطني حول ضرورة تفكيك هذا الجهاز. اين كانت العبقرية السياسية؟

2- وافق أبو مازن على دخول حماس الانتخابات ظاناً أنها لن تحصل على أي أغلبية، وستكون أقلية طيعة في يديه، يشكلها كيفما أراد، وفاجأت النتائج أبو مازن و " إسرائيل" والغرب، ولو أن أبو مازن تفطن وكان لديه بُعد تنبؤي بسيط لعمل على إدخال حماس للنظام السياسي باي طريقة اخرى بنسبة "الأقلية المغرية"، دون خوض انتخابات، حتى لا يفقد على الأقل غزة التي يعتبره الغرب و " إسرائيل" رئيسا على شعب الضفة فقط دون غزة، وهذه نقطة ضعف لديه في المفاوضات وأيضا في علاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة، ولكنه لا يعلم بالنتائج وليس لديه مستشارين أكفاء. وإلا لما كان وافق على الانتخابات. أين التنبؤ السياسي والحكمة السياسية؟

3- رفض أبو مازن ان يشارك في الحكومة التي كانت حماس مكلفة بتشكيلها، وذهب الى الدول العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يبحث عن حل سريع لإرجاع ما فقده في الانتخابات بأي طريقة أخرى غير "الديمقراطية"، مؤلباً العالم ضد حماس الفائزة، والتي كانت اثناء العملية الانتخابية شريكا وطرفا –شركاء في الدم وشركاء في القرار- فاصبحت بعد فوزها خصما وعدوا، فكان بذلك يضرب عرض الحائط " مبدأ التداول على السلطة" ومبدأ " التسليم السلس للسلطة" فأين الإيمان بالديمقراطية وقبول الآخر؟

4- بعد استفاقة السلطة -ممثلة في الرئاسة آخر قلاع السلطة حينذاك، - من صدمة الخسارة الفادحة في الانتخابات، بدأت عملية مجزرة القرارات والمراسيم التي أصدرها ابو مازن لتحويل بعض المؤسسات والهيئات العامة من الحكومة إلى الرئاسة، ومنها (التلفزيون الفلسطيني، وهيئات إعلامية، وإذاعات، وبعض الأجهزة الأمنية الخ..). محولاً هذه المؤسسات من وطنية إلى حزبية، تتبع الحزب الواحد و الفرد القائد، مما اعتبر انقلاب مؤسساتي. فأين مبدأ المشاركة السياسية؟

5- بعد الانقسام مباشرة وبعد تأكد سقوط الأجهزة الأمنية – الأمن الوقائي والمخابرات- دعا رئيس الوزراء إسماعيل هنية أبو مازن للعودة فورا لتسلم غزة، وكانت حماس فعلا ليس في نيتها ولا وارد فكرها، ولا مخططاتها حكم غزة بمفردها،، ومر أكثر من شهر وحماس ما زالت لا تصدق أن غزة أصبحت ملك يمينها، وأكد هنية في خطاب له بان الهدف كان ليس السيطرة وحكم غزة ولكن التصدي ومواجهة تغول بعض الأجهزة الأمنية، التي كانت تتخذ من عناصر حماس أعداء وأهدافا مطلوبة للتعذيب والتنكيل، ورفض ابو مازن الدعوة وضاعت عليه فرصة الرجوع تحت أوهام العودة بالاستقواء بالخارج. وبدأت في غزة عملية مأسسة كل شيء ( قضاء، نيابة، شرطة، تعليم، وزارات، مؤسسات، معابر الخ)

6- استمرار مسلسل التآمر على غزة من اجل استرجاعها بأي طريقة، وكثيرة هي التصريحات التي تؤكد ذلك، منها، تصريحات قادة أمنيين وتصريحات عزام الاحمد في الضفة بأن هناك " قاعدة في غزة"، وايضا ابو مازن نفسه قال " حماس قامت باستقدام تنظيم القاعدة الى غزة" عام 2008، ومؤخرا تصريحات مدير التخطيط السياسي البلجيكي في وزارة الخارجية " مارك اوتيه" الذي اكد بان السلطة الفلسطينية حرضت الاتحاد الأوروبي على مقاطعة حماس بعد انتخابات 2006، او إجبارها على الاستسلام او تأليب شعبها من اجل الثورة على حكم حماس، وهذا واضح اذ بعد كل زيارة للرئيس عباس لمصر بعد 30 يونيو 2013 يفاجأ الشعب في غزة بعدة قرارات، ليست في صالحه، جاء منها، استمرار حملات إعلامية مشبوهة لتشويه حماس وقيادة غزة وشيطنتها رغم ان النظام في غزة حافظ على امن مصر الحدودي بشكل لافت للنظر،، ووقف الإمداد بالغاز والكهرباء والبترول ومشتقاته ومواد الغذاء والبناء، وإغلاق المعبر، والاستمرار في هدم الانفاق بدون خلق بديل، إضافة إلى قرارات سحب الجنسية من الفلسطينيين الذين اكتسبوها أثناء حكم مرسي. ولا يدرك ابو مازن ان هذا الأمر يؤلب الشعب الغزي كله عليه وعلى قيادته في الضفة. وهذا يؤكد أن أبو مازن لا يحسب اي حساب للمستقبل! وهذه صفة مستثمر أجنبي او مستثمر غير مقيم، وليس رجلا سياسيا وطنيا يعمل لمستقبل قيادته وحركته! ومن يعرف دواخل غزة ومكوناتها يدرك بان الشعب في غزة لن يثور على جيش القَسام وقيادات حماس حتى لو شهدت غزة تراجعا غير مسبوق على مستوى تقديم الخدمات.

7- وعد فياض رئيس حكومة ابو مازن السابق بانه في عام 2009 – وتم تمديد الوعد لعام 2011- ستعتمد السلطة على نفسها وتحقق وفرة في الإنتاجية ودفع رواتب الموظفين، وتقلل من اعتمادها على الغرب ماليا، وتعتمد على مشاريعها. فكان كل ما وصلوا إليه " رغوة كابتشينو" ولا مؤسسات ولا اعتماد على الذات، وغاب فياض نفسه عن المشهد الفلسطيني برمته. كما سيغيب ابو مازن عما قريب، تاركا لنا ميراثا كبيرا عبارة عن فواتير تستحق الدفع، مثلما تسلمت حماس عام 2006 خزينة المال " فاضية" وبديون وقروض ظهرت فجأة!

هناك عدة نقاط في المسيرة القيادية لابو مازن تثبت بانه شخص عادي ليس له أفق سياسي ولا قاعدة تنبؤية ولا لديه حتى مستشارين مهنيين أو وطنيين، وهو إذا غضب يغضب لنفسه وذاته، وليس يغضب للوطن ويفرح للوطن، على قاعدة يفرح لله ويغضب لله، ومن الطراز الذي يبني موقفه لسماع صاحب الرواية الأولى بغض النظر عن مصداقية صاحب الرواية الثانية! والدليل انه عندما غضب من محمد دحلان واختلف معه بدأت عملية المحاسبة فورا، واقام له محكمة متهما دحلان بشتى التهم. لماذا لم يقم بمحاسبته طوال السنوات الماضية؟

يحاول البعض خداعنا بعبارات الرئيس خطط لكل شيء، والرئيس ابو مازن داهية سياسية، وهو في الحقيقة يخسر كل يوم شعبيته ووطنه وترتفع الأصوات الناقدة والساخطة الآن من الضفة تطالبه بالاستقالة او وقف مسلسل الفساد، في ظل تهويد الضفة والقدس أمام أعينه، وإنشاء وحدات استيطانية جديدة بشكل متسارع ومستمر، والسلطة ما زالت تقف في موقف تآمري عجيب وتوافقي مع الاحتلال، مكتوفة الأيدي، مسلوبة الإرادة، ويحلم الآن باستعادة غزة (بعد ان تركع من اجله بسبب الازمات التي يشارك في خلقها) بشرط سيطرته وليس تحت بند المشاركة السياسية، لأنه يريد ان يستمر في ما شب عليه، وهو المفاوضات حتى وهو يعلم بأنها عبثية!

يقمع شعبه في الضفة بالحديد والنار، ويتقارب مع قطر وايران وينكر ذلك على حماس، يهتم بغزة عندما يجري الحديث عن حقل الغاز الهام، يقطع رواتب موظفين في سابقة لم يفعلها رئيس، او زعيم مافيا، ففي الوقت الذي أطلق بعض الجماعات الفلسطينية المعارضة النار على أبو عمار رحمه الله، كان ابو عمار يرسل لهم رواتبهم بشكل مستمر ويعالجهم أيضا على حساب المنظمة. ابو مازن يترنح في حالة فشل واضحة وتتقاذفه أمواج أعلى من إمكانيات صموده وبقائه، فالتهديد الأوروبي الأخير بوقف المساعدات بسبب جمود المفاوضات جعلته كالوحش الكاسر الذي يفترس أولاده، حيث امتدت يده الى رواتب موظفين غزة المستنكفين واقتطع " بدل مواصلات" و " وبدل علاوات إشرافية" في حين ان الموظفين كانوا يترقبون زيادة في الراتب بسبب الغلاء المعيشي الفاحش! ونتوقع ان تمتد يديه الى رواتب العساكر في الشهور القادمة.

لم يستوعب الداهية المزعوم اي درس في السياسة، حيث تنازلت القوى العظمى عن مطالبها من إيران وأصبحت إيران قوى إقليمية عظمى يُخطب ودها، وبالأمس كانت إيران بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي " راعية للإرهاب" و من دول ( محور الشر)، وها هي تتحالف معها وتكسبها، وتضمها في خانة الأصدقاء. فهل ستستمر عبارات التخويف من إيران وعملية التشيع؟ وهل يستمر ابو مازن يتهم حماس بالتشيع وبالإرهاب بعد المصالحة التاريخية بين الغرب وإيران؟

مع مرور الوقت ، ثبت للعالم أن حماس ليست القاعدة أو طالبان وليست إرهابية وهي حركة معتدلة غير متطرفة، وحكومتها حكومة مدنية ديمقراطية، وان كانت بمرجعيات دينية، وتؤمن بضرورة الحكم والاستمرار فيه حسب مبدأ "لا فصل بين الدين والدولة"، متوازيا مع المسار الديمقراطي، وحماس لن تترك الحكم، كما لن تفرط في المقاومة التي اشتد عودها،، وبعد الحصار الخاطئ والظالم، بدأت خيوط المؤامرة تتفكك وبدأ الغرب يعترف بأنه اخطأ في حصار غزة ووضع حماس على قوائم الإرهاب، وبدا أيضا ان حماس تستطيع ان تعمل بنجاح تحت الحصار وتحت الضغط، وتتقدم أكثر مثلما فعلت كوبا إبان حصار الولايات المتحدة والغرب لها منذ عقود، ومثل ايران التي تم حصارها منذ الثورة الإسلامية عام 1979. فالحصار والضغط " سر النجاح" لحماس، ولن يحاصر الا الشعب الذي يعرف من يحاصره ومن يتسبب في معاناته.

أبو مازن مدعو للاعتراف بأخطائه إن كان يهمه ان يُكتب في سجل "الوطنيين"، و لطي صفحة سوداء لوثت الجميع، ومد يده لقيادة غزة بقدر ما يمد يده لقادة الكيان الصهيوني " وذلك اضعف الإيمان" والتحالف معها في حكومة وطنية على قاعدة الكل يكسب،win win theory وعلى قاعدة "مشاركة لا مغالبة"، وليس على قاعدة النظرية الصفرية، "Zero sum theory" وان ينظر حوله، فلا عداء دائم، والشعب الفلسطيني مل وضجر واقترب من لحظة الانفجار، وقد أزكمت أنفه رائحة الفضائح المنبعثة من كبار القادة والمسئولين، وفي النهاية، فإن جميع المجتمعات التي تقاتلت وتصارعت فيها القوى المجتمعية مثل لبنان ، أصبحت مثالا رائعا للتعايش المجتمعي وحققت عدالة انتقالية ومشاركة سياسية وديمقراطية. وفي النهاية وكنتيجة حتمية، الآن او بعد حين، ستكون هناك مصالحة، فمن يا ترى يحظى بشرف توقيعها وتنفيذها؟ وبشرف انهاء الانقسام؟ هل يكون انت سيدي الرئيس؟ أشك..
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية