"الرغبة الإجبارية" في الساحة السياسية ... بقلم : محمد القيق

الثلاثاء 26 مايو 2015

"الرغبة الإجبارية" في الساحة السياسية

محمد القيق

يتناقض المعنى في الرغبة والإجبار، وتتفق كلتا الكلمتين في شرح حال سياسية تعيشها المنطقة العربية برمتها؛ فأهداف تبعثرت، ومبادئ سقطت، وأخرى تنازع، وغيرها صامد، حينما دخلت كلها في ممرات إجبارية جعلت الرغبة هناك بمقاسات المرحلة والظروف حتى تحولت شعارات من غايات إلى وسيلة وحيدة، حينما أحرق بعض سفنه وقال لأنصاره: "التبعية من أمامكم وبحر الكرامة من خلفكم".

وسارت الأحداث منذ أن بدأت الثورات المسروقة بفكرها تارة وبتغيير مسارها أيضًا في إطار الرغبة الإجبارية تارة أخرى، فبكاء ودموع وفرحة وصرخة كلها تناقضات يعيشها الفلسطيني والعربي والمسلم في العالم في دوامة تصل بمن يسير فيها تحت حب الإكراه إلى غاية يكتشف فيما بعد أنه كان وسيلة للوصول إليها؛ فهو المصفق في ترح والباكي في فرح (أطرش في الزفة).

بعد الحديث برمزية المواقف والمعاني في مقدمة المقال نعرج على بعض الأمثلة من الواقع الأليم الذي يراد له أن يصبح حقيقة الوهم؛ فحماس التي تحارب الاحتلال منذ عقود حولها العدل الظالم في انقلاب السيسي إلى إرهاب، هذا ليس غريبًا في تحول ضمن الرغبة الإجبارية وتغيير المسارات.

هناك في سوريا دماء تسيل على يد بشار أسمتها بعض التنظيمات الفلسطينية مؤامرة على دكتاتور الحرية الأسد، ووضعوا يدهم في يده على دماء الفلسطينيين قبل السوريين؛ فغاية باتت تلك المصالح بعد أن أشبعوا العالم حديثًا عن أنها وسيلة للحفاظ على الحق الفلسطيني، ولأنهم استخدموا الحرية والمقاومة في مكان غير مناسب بالدوائر المغلقة؛ طلب منهم الكثير خلال الأيام الماضية؛ فغضبوا غضب "العشمية".

"الشهيد الحي" مصطلح يستخدمه الفلسطينيون، وكثر تداوله في انتفاضة الأقصى عندما كان الإعلام التعبوي المقاوم ينقل وصايا الاستشهاديين لترهيب الاحتلال، وإنه يقين بأن الشهيد حي عند الله (عز وجل)، غير أنه خرج علينا في الآونة الأخيرة قضاء الفضاء في مصر يحكم بالإعدام على الشهداء؛ هي حال التناقض التي تحول فيها الشهيد الحي عند ربه إلى متهم معدم لدى الانقلاب في مصر.

لا يمكن للمبادئ أن تتغير بتغير الأجواء أو الحدود؛ فالثلوج والمطر والحر والبحار والمحيطات والحرب والسلم كلها أجواء تحيط بالمبادئ والأفكار؛ فلا تغير فيها، إلا أن واقعًا عربيًّا باتت فيه الأفكار والمبادئ عبارة عن "بسطات" تبحث عن معجب بهذه البضاعة للشراء منها.

جزئية أخرى في الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهي شراكة التفرد التي تقودها حركة فتح في كل المؤسسات؛ فأبرز مثال ما واجهته حركة حماس في انتخابات عام 2006م في المجلس التشريعي من محاربة، مع أنها قالت: "تعالوا إلى وحدة وطنية"، غير أن فتح أدخلت القضية الفلسطينية في نفق الانقسام لتعزيز شعار شراكة التفرد، أي "أنا ومن تحتي".

انعكس ذلك على الجامعات حتى بات التمثيل النسبي مطلب الكتل الطلابية من باب "كف شر الأجهزة الأمنية عن أي تشكيل ديمقراطي" حتى يدوم العمل النقابي؛ فبعد أن كان غاية تحول بسبب ممارسات حركة فتح وأذرعها إلى غاية ووسيلة لحماية الهيكل المنتخب، ومع ذلك ما زال الثأر التصالحي قائمًا.

انتفاضة التخدير هي شكل آخر من أشكال التناقضات العربية؛ فتشكيل لجان شعبية للمقاومة وتنظيم مسيرات هما عنوان كبير لانتفاضة غيب هدفها الأساسي التاريخي، وهو دحر الاحتلال وإرباكه، فإذا هي انتفاضة تخدير بالوكالة، هدفها تمرير مشاريع التهويد والاستيطان، وحينما تسأل: "ماذا أنجزتم؟"، يقولون لك: "سلمية سلمية سلمية"، غريب حالهم حينما فازت حماس في الانتخابات لم نسمع عن مسيرات سلمية لهم، فإذا هي مع الاحتلال سلمية، وضد المقاومة الحقيقية وحماس دموية.

نكتفي بهذه الأمثلة التي تعكس حالًا يريد الأمريكان أن يكرس في نتائجه النهائية "الفوضى المنظمة الخلاقة"، ليس مهمًّا كيف بدأت القضية، ولا كيف سارت، ولكن الأهم أن نغير جميعًا القواعد التي أجبرت عليها الأمة؛ لتلغى التناقضات وتوحد الإشارات الموصلة إلى خط النجاة وحقيقة الرغبة والانتفاضة والتحرر؛ لأن ما سبق كله في إطار الإحباط بعدة وسائل دفعت في سبيلها المليارات، ولمعت دول وتنظيمات منفرة خبيثة، وفتحت حدود لتزيد الحصار وأغلقت أبواب لتذلل الأفكار، فليس صحيحًا ما كان يطرح قديمًا أن الباب إذا فتح فرجت، وأن الحدود إذا أغلقت ضاقت؛ فاللعب على التناقضات في السنوات الأخيرة من قبل الأطراف والجهات واللاعبين كشف كثيرًا من الأكاذيب مرت عليها عقود وهي تسمى حقائق
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية