عزالدين أحمد إبراهيم
عندما تناولنا في وقت سابق موقف الضفة الغريبة المحتلة في حال اندلاع انتفاضة ثالثة، مع استمرار الوضع الفلسطيني على ما هو عليه، عارضني في ذلك زملاء أعزاء بعضهم من أبناء الضفة المحتلة، مدللين على ذلك بشواهد محترمة ومهمة تحول دون اندلاع أي مواجهة شاملة مع الاحتلال وأعوانه.
غير أن التطورات الأخيرة التي شهدتها الضفة المحتلة، تعيد إلى الساحة طرح التساؤلات مجددا بشأن احتمالات اندلاع انتفاضة شعبية، أو ربما ربيع ثوري فلسطيني يعدّ امتداد لما تشهده الدول العربية المجاورة.
مؤشرات شهدتها الضفة خلال الفترة الماضية يجب أن نتوقف عنده مليا، بدءا بالقمع الذي تعرضت له مسيرة سلمية رافضة لزيارة الإرهابي موفاز لمدينة رام الله ولقاءه بعباس، مرورا بتصاعد الحراك الشعبي ضد الاعتقال السياسي وقمع الحريات، والاعتداء على الصحفيين، وليس انتهاء إلى ما قد تفرزه التحقيقات باغتيال الرئيس عرفات واتهامات وجهتها شخصيات وطنية لقيادات نافذة في السلطة بالتورط في القضية.
واذا أردنا عقد مقارنة بسيطة بين أجواء بعض بلدان الربيع العربي قبل اندلاع ثوراتها، والأجواء السائدة الآن في الضفة، نجد أن ثمة متشابهات كثيرة، فالحريات مقيدة، وانتقاد عباس أو حكومة فياض من المحرمات، والوضع الاقتصادي متدهور، أضف إلى ذلك كله شكل تعاطي الطبقة الحاكمة -ان جاز التعبير- مع الحراك الشعبي، حيث وصف الشباب الرافض لزيارة موفاز بالفوضويين تارة، وبالمدعومين من دحلان تارة أخرى، عدا عن مهاجمة الناطق باسم الأجهزة الأمنية عدنان الضميري للشباب المنتفض، واعتبار هتافهم ضد العسكر بالأمر المعيب.
وما حصل ويحصل في الضفة يؤكد نظرية من سخروا من هذه الأنظمة العربية القمعية واعتبروها "درست على يد شيخ واحد" في قمع الشعوب، حيث رأينا وبشكل فجّ اعتداء من اصطلح الناشطون الشباب على تسميتم بـ"الزعران" على المشاركين في الحراك الشعبي الفلسطيني، في مقارنة مع ما يماثلهم من شريحة سيئة بيد الأنظمة من الميليشيات منفلتة تحررت من كل معاني الدين والشرف، كالبلطجية والمرتزقة والشبيحة، فرأيناهم في اعتداءهم لا يفرقون بين شاب وفتاة، او طفل وشيخ، غير مكترثين بالقيم والمبادئ التي تحكم الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية الآن أمام خيارين، إما تصعيد الحراك الثوري -الذي هو في حالة مستمرة أصلا- ضد الاحتلال ومستوطناته وجداره، ليشمل كل من يخرج من مربع الاجماع الوطني على الثوابت والحقوق الفلسطينية.
والخيار الثاني الرضى بردة وطنية يعمل على تحقيقها المستفيدون من الانقسام، تحذف من تاريخ الشعب الفلسطيني صفحات ناصعة من البطولة والمقاومة والتصدي للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي لا نحسب شباب فلسطين يقبلونه، وهم يراقبون نظرائهم في الدول العربية يدسون بأقدامهم أصناما وطواغيت فُرضت على الشعوب لعقود مضت.
القبول باستمرار النهج التفاوضي العبثي ومن يتبنونه، رغم انسداد الأفق، واستمرار وجود من يرفضون المصالحة ويعملون على عرقلتها ووضع العصي في دواليبها، هو قبول بردة وطنية، نرجو أن يكون شباب فلسطين المتحدي لهراوت شرطة السلطة وقمعها، ومن قبلها دبابات الاحتلال ورصاصه، طليعة مباركة تعيد للضفة المحتلة صورتها المقاومة الناصعة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية