الضفة الغربية في ظلال الانطلاقة!
لمى خاطر
هذا العام، لم تكن الضفة الغربية تنتظر أن يسمح لها أحد بإحياء ذكرى انطلاقة حماس، ولا كانت جماهيرها ستعبأ كثيراً أو قليلاً لو أن قرار حظر نشاطها دُفع في وجهها وهي تعلن عن برامج فعالياتها، بل كانت حتماً ستتمرد على أية محاولة لإعادتها إلى قمقم الخوف وقلة الحيلة!
إن اعداء حماس وخصومها على حدّ سواء قد فقهوا جيداً كيف أن الزمن تغيّر وأن روح الإقدام عادت لتطوف بين ظهراني أهل الضفة عشية معركة حجارة السجيل، وأن كلّ تفاصيل مشروع (الفلسطيني الجديد) قد منيت بانتكاسة كبيرة، حتى صار معظم المراقبين يتوقعون أن انتفاضة الضفة في وجه الاحتلال باتت مسألة وقت لا أكثر!
هنا، علينا أن نتوقّف مليّا عند مظاهر القلق داخل المؤسسة الصهيونية من توجه حماس لإحياء ذكرى انطلاقتها في الضفة هذا العام، على الرغم من أن هذا الإحياء سيقتصر على المسيرات والمهرجانات الخطابية، غير أن تخوفات الاحتلال التي أبرزتها وسائل إعلامه المختلفة قفزت مباشرة إلى النتيجة، أي النتيجة التي يتوقعها الاحتلال لنهوض حماس في الضفة الغربية، وهي العمل العسكري، فمع أنه من السخف الربط المباشر بين فعاليات الانطلاقة والعمل العسكري، إلا أن جوهر الأمر يشي بأن الاحتلال وأجهزة مخابراته على قناعة تامة بأن حماس لن تتحوّل عن هدفها واستراتيجيتها المقاومة، وأنها لن تلبث أن تستثمر أية حالة انفراج لتعيد الحياة إلى أوصال جناحها المسلّح في الضفة، وهو أمر يبدو أن الاحتلال سيسعى جاهداً ليمنع تحقّقه.
أما حماس، فهي اليوم أمام مسؤولية تاريخية ومهمة عظيمة، لأن هذا القلق الصهيوني الكبير من مؤشرات نهوض حماس في الضفة الغربية يعني أن الحركة هي عامل التهديد الحقيقي له؛ لمشروعه وأمنه، ولأحلامه وطموحاته على الصعيدين السياسي والأمني. وهنا لا بد للحركة أن تثبت أمام عاصفة الاستهداف الجديدة المتوقعة، والهادفة إلى هزيمتها في معركة عضّ الأصابع، وإجبارها على الرجوع إلى وضع السكينة والتسليم بالأمر الواقع.
إن الاغتيالات والاعتقالات التي يلوّح بها الاحتلال في وجه الحركة ليست شأناً جديداً عليها، ولم تكن يوماً عامل إضعاف لها أو سبباً في هزيمتها معنويا، لكنّ ما يغيب عن بال الاحتلال اليوم وهو يراقب أوضاع حماس بقلق بالغ أن هناك جيلاً جديداً قد نشأ وكبر، وأنه قد شاهد بأم عينيه حجم إنجاز المقاومة ومدى تقدّمها، وهو حتماً سيختلف عن جيل نشأ في ظل هزائم الأمة وانكساراتها، فألف الانحناء للعواصف والاستجابة لإملاءات الواقع.
إن ذكرى انطلاقة حماس الخامسة والعشرين ستكون بلا شكّ مؤذنة بانطلاقة عزيمة جيل جديد من شبابها ومناصريها في الضفة الغربية، وهو جيل ما زال ينتظر أن يأخذ دوره في معركة التحرير ومشروع المقاومة بكلّ تجلياتها؛ جيل لم يهرم ولم تتعب فيه إرادة التحدي ولا انخفض في عروقه منسوب الإصرار، وهو لم يسبق أن كان جزءاً من الحدث خلال الانتفاضات السابقة، لكنّه يبدو اليوم ممتلئاً بالأمل والزهو، والإيمان بأهليته لحمل اللواء وتقديم التضحيات واستئناف المسيرة.
ولن يمضي وقت طويل حتى يدرك الاحتلال الصهيوني أن الضفة الغربية لم ولن تخرج من معادلة الصراع، ولن تتحول إلى بقعة هادئة غير قابلة للاشتعال، فهي لا تملك فقط العوامل الموجبة للثورة، لكنها كذلك باتت تنفّس هواءً مختلفاً حُبس عن أنفاسها طويلا، فما لبثت أن فتحت له نافذة كبيرة يومَ كسرت قيودها وتمرّدت على واقع الخوف والترهيب، وحرّرت ناصية رجالها من ثقافة الإذعان وقبول المهانة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية