العيش على الماء والملح ..بقلم : يوسف أبو لوز

الإثنين 10 أكتوبر 2011

العيش على الماء والملح

يوسف أبو لوز


مشهد جديد في الرواية الفلسطينية..

بعد طحين وكالة الغوث الدولية، ها هو الفلسطيني يعيش على الماء والملح ليبقي قليلاً على حياته.

أسرى فلسطينيون بالآلاف لا يعرف العالم عنهم الكثير، سوى أنهم في أروقة الظلام يمارسون إضراباً عن الطعام، وبلادهم بلد الزيت والزيتون والزعتر. البلد المنهوب والمصبوب في الرصاص منذ أكثر من ستين عاماً جعلت ظهر الفلسطيني يحدودب، ولكنه كالهلال يحدودب لكي يولد ويكبر ويكتمل، وهي صورة شعرية، أما الصورة الواقعية تماماً فهي مشهد فلسطيني في الثمانين من عمره ينحني على رفات ابنه الشهيد الذي أفرجت عنه قوات الاحتلال "الإسرائيلي" بعد خمسة وثلاثين عاماً. الرجل الثمانيني لم يتبق له إلاّ الهيكل العظمي من جسد ابنه وهذه الجمجمة التي ينحني عليها ويقبّلها.. تتساقط دموعه على العظام وأخيراً تستقر في التراب، وبعد سنوات ستنمو في الجمجمة زهرة حمراء. المقبرة كلّها تتحول إلى إكليل من الزهور الحمراء.

مرة أخرى عدنا إلى المشهد الشعري أو الصورة الشعرية على رغم هذه الواقعية الفلسطينية التي لا تحتمل أي تأويل.

لا تأويل في "مقابر الأرقام". هنا شهداء من كل الأعمار. كل جثمان له رقم. جسد الشهيد يذوب في التراب، ويبقى الرقم.

رقم على رقبة.

رقم في عنق، أو رقم على جمجمة.

هكذا تحوّل الثقافة "الإسرائيلية" السادية كرامة الإنسان حياً أكان أم ميتاً إلى مجرد تسلسل إحصائي يشير بقسوة إلى أن الكينونة البشرية ما هي إلاّ معلومة أو رقم أو إحصائية.

الموتى لا كرامة لهم في عرف هذه الثقافة التي تؤمن بالإبادة حلاً نهائياً وأخيراً للصراع، هذا الصراع الذي لا مكان فيه لإنسانية الكائن البشري حتى لو كان رفاتاً.

إذن، عليك أيها الفلسطيني بالماء والملح كما فعلت، وكما كنت تفعل دائماً وأنت تقترح المعجزة تلو المعجزة لتبقى على قيد الحياة.

عليك أيها الفلسطيني بالأرض التي تحوّلت كلّها إلى مقبرة يعيش فيها الحيّ إلى جوار الميت ويقتسمان الحياة نصفاً بنصف.

نصف للغياب، ونصف للحضور في هذه الرواية التي لم تنته بعد.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية