المحرر بدران: تحرير الأسرى أمانة في أعناق الجميع
مع حلول الذكرى الأولى لصفقة وفاء الأحرار، التي تعتبر أكبر انتصار حققته المقاومة للأسرى خلال العقود الأخيرة، كان لا بد لقاء أحد قادة الأسرى المحررين، الذي كانوا جزءًا من هذا الحدث الكبير.
الأسير المحرر حسام عاطف علي بدران، الذي حكم بالسجن 18 عاماً، أمضى منها 10 أعوام، قبل أن يحرر في الصفقة إلى خارج فلسطين، ولد بتاريخ (1111966م)، وكان من سكان مخيم عسكر القديم في نابلس، بعد أن هُجرت عائلته من مدينة اللد، متزوج وله ولدان، اعتقل 5 مرات، بمجموع حوالي 14 عاماً، حاصل على شهادة الماجستير في التاريخ، عمل مدرساً قبل اعتقاله، إضافة الى عمله مديراً لمكتب للصحافة في مدينة نابلس، تم اعتقاله عقب محاولة اغتيال كبيرة، شاركت فيها الطائرات الحربية الصهيونية، أنجز في سجنه عدة كتب، طُبع بعضها، ومن أهمها: "كتيبة الشمال"، التي وضع فيها زبدة تجربته العملية في عمله العسكري خلال انتفاضة الأقصى، وله أيضاً: "مواعظ في القيد" و"خطب تحت الحراب" و"محاور في فقه السياسة والجهاد" وآخرها والتي تصنف على أنها أهم كتبه "لافتات على طريق المقاومة" وهي آخر ما كتب في السجن، وفيها عرض لكل ما يلزم المقاوم من معرفته في هذه المرحلة.
وفيما يلي نص المقابلة:
كأسير محرر في صفقة وفاء الأحرار، ما الذي تعنيه لك هذه الصفقة وهذه الذكرى؟
صفقة وفاء الأحرار كانت بمثابة حياة جديدة كتبت لي، لأننا في سجون الاحتلال نعيش في وضع لا علاقة له بالحياة الطبيعية للبشر، حيث تتساوى الأيام وتتشابه السنين، عدت مرة أخرى لرؤية الأهل والناس بعد طول غياب، إن التحرر من القيد هي نعمة يصعب وصفها وهي منة من الله علينا تستحق الحمد والثناء، ومع مرور عام على الصفقة تزداد في نفسي مشاعر الحنين لإخواني الذين بقوا خلف القضبان، وكم كنت أود لو نحتفل بوجودهم معنا في هذه الذكرى، ليكونوا هم وليس نحن موقع الاهتمام والاحتفاء.
بعد عام على بداية تنفيذ الصفقة، ما الذي أضافته الصفقة إلى الحركة الأسيرة وإلى الصراع مع الاحتلال، أو بمعنى آخر ما تقييمك لها؟
سوف يسجل التاريخ أن هذه الصفقة كانت إنجازاً تاريخيًّا ومنعطفاً مهمًّا في مسيرة الصراع مع المحتل، من حيث مكان الأسر وطريقة التفاوض والنتائج التي تمخضت عنها، هي انتصار للإرادة، وفيها قهر للعدو، وكسر لشوكته، وإرغامه على دفع ثمن كان يصر جاهداً على تفاديه.
الصفقة بتفاصيلها أضافت دليلاً جديداً على أن العدو الصهيوني قابل للهزيمة والاندحار، وأنه مهما بطش وتجبَّر، قابل للتراجع إذا وجد أمامه خصماً مؤمناً مستعداً للتضحية والعطاء.
بعد خمس سنوات من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس والجانب الصهيوني لإتمام الصفقة، ما الذي باعتقادك كان باستطاعة المفاوض الفلسطيني المقاوم تحقيقه ولم يحققه؟
كانت مفاوضات التبادل صعبة ومعقدة، وفيها تفاصيل كثيرة، وقد تأثرت بعوامل داخلية لدى الطرفين، إضافة إلى تدخل العديد من الجهات الخارجية، وكان الزمن بذاته جزءاً من عملية التفاوض، وقد رأينا نموذجاً جديداً من المفاوض الفلسطيني، يختلف كثيراً عما اعتدنا عليه في الساحة الفلسطينية، ومع ذلك تبقى هناك دوماً فرص لطلب المزيد والبحث عن إنجازات أكبر.
أعتقد أنه قد آن الأوان كي تقوم حماس بإجراء عملية تقويم شاملة لكل تفاصيل التفاوض على الصفقة، ومن تتوفر لديه المعلومات سيكون أقدر من غيره على الحكم عليها.
كلنا يعلم أن الصفقة لم تكن لتفرج عن كل الأسرى بكل الأحوال، لكن على الأقل كان من الأفضل لو تمكن المفاوض من انتزاع فكرة تحسين الظروف الحياتية للأسرى وأن يكون ذلك ضمن بنود الاتفاق.
الاحتلال اخترق بعض بنود الصفقة المتفق عليها برعاية الوسيط المصري، وأعاد اعتقال بعض المحررين فيها، من المسؤول عن تمادي الاحتلال بهذه الخروقات، وما المطلوب منه ؟
ليس غريباً على الاحتلال أن يخرق الاتفاقيات التي يوقع عليها، خاصة أنه كان مضطراً لإنهاء الملف، ولو كان بمقدوره أن يعيد اعتقال كل المحررين لفعل، ولا يجوز أن نلقي بالمسؤولية عليه لأنه في النهاية عدو حاقد.
في رأيي إن الوسيط المصري هو الطرف المطالب الآن بمتابعة الخروقات وأن يضغط على الاحتلال كي يحترم ما وقع عليه، خاصة أن مصر الثورة اليوم تملك قدرات أكبر وإرادة مستقلة، ولها وزنها على الساحة الإقليمية والدولية، وهي مهيأة كي تلعب هذا الدور، وتحرز فيه اختراقاً حقيقيًّا، إذ ليس من مصلحة العدو في هذه المرحلة، أن تتوتر علاقاته مع دولة مثل مصر وهذه نقطة قوة لصالح المصريين.
نجحت المقاومة بعد أسر شاليط، بالإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة، برأيك وبعد أن صار سلاح المقاومة سلاحاً ملاحقاً في الضفة الغربية، ما أثر ذلك على الأسرى في سجون الاحتلال؟
هذا سؤال هام جدًّا، لأن تفاصيل القضية مترابطة ومتداخلة، ومن المتفق عليه أن قضية الأسرى هي قضية مُجمَعٌ عليها لدى كل الأحرار في الساحة الفلسطينية، وأن تحرير الأسرى هو الهدف المشترك الذي ينبغي أن يسعى الجميع لتحقيقه، وقد أثبتت التجارب، أن هذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال عمليات الأسر والتبادل، والذي هو من فعل المقاومة فقط، وعليه فإن كل طرف يضيِّق على المقاومة، أو يلاحق المجاهدين، أو يصادر سلاحهم، فإنه عمليًّا يمنع أي فرصة لتحرير الأسرى، وهذا ما نلاحظه في الضفة للأسف، حيث تُحارَبُ المقاومة بكل أشكالها وألوانها، بما في ذلك محاولات الخطف لتحرير الأسرى، وقد رأينا مثالاً على ذلك، من خلال كشف السلطة لمخبأ سري لحماس في قرية عوريف بنابلس، كان معدًّا خصيصاً لاحتجاز جنود صهاينة، وهذا بشهادة العدو نفسه.
إن إلغاء التنسيق الأمني ووقف ملاحقة المقاومة في الضفة، هو مطلب مشروع، يجب أن يتبناه الجميع، وفي مقدمتهم الأسرى بكل توزعاتهم الفصائلية، لأن الأمر يمس حريتهم بشكل مباشر، وهنا يجب أن نسمع أصوات الأسرى وأهلهم في هذا المجال، بعيداً عن التنافس الحزبي والخلاف الداخلي.
في العام 1993 وقعت منظمة التحرير اتفاق أوسلو للسلام مع الاحتلال، هل تعتقد أن الأسرى في سلم أولويات قيادة المنظمة، أو يحتل مرتبة متقدمة، وما شاهدك على ذلك؟
اتفاق أوسلو كان كارثةً وطنيةً على الشعب الفلسطيني، من كل النواحي الفكرية والسياسية والوجدانية، وقد عمَّت سلبياته على جميع شرائح الشعب في كافة أماكن تواجدهم، غير أن المتضرر الأكبر كانت قضية الأسرى فقد تكشف الآن أن قضية الأسرى، لم تكن على جدول أعمال المفاوض الفلسطيني في "أوسلو"، ولم تكن مطلباً أو شرطاً لتوقيع الاتفاق، وهذا ما تثبته الوثائق والشهادات من مختلف الأطراف، بما في ذلك الطرف الصهيوني، الذي أقر بعض القادة فيه بأنهم كانوا قد أعدوا جواباً حول موضوع الأسرى، وأنهم كانوا على استعداد للإفراج عن الجميع، إذا أصر الطرف الفلسطيني على ذلك، لكنهم فوجئوا بأن المفاوض الفلسطيني لم يطرح الموضوع بشكل حقيقي، وبقيت المسألة معلقة برغبة العدو وبوادر حسن النية من طرفه، حيث يحدد هو المعايير والأرقام والتوقيت، وهنا ضاعت حرية الفئة التي دفعت حياتها ثمناً لحرية فلسطين، وليس أدل على هذا الكلام من بقاء عدد كبير من الأسرى خلف القضبان ممن اعتقلوا قبل "أوسلوا" وفي غالبيتهم من حركة فتح، التي أشرفت على التفاوض، ووقعت على الاتفاق، وحتى الآن لا نرى موقفاً جادًّا من منظمة التحرير للإفراج عن الأسرى، كما لا توجد خطة واقعية لديهم من أجل هذا الأمر.
هل ترى أن عبء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ملقى فقط على عاتق الفلسطينيين؟
تحرير الأسرى الفلسطينين هو واجب الأمة كلها، لأن هؤلاء الأبطال اعتقلوا دفاعًا عن كرامة الأمة ومقدساتها، وعليه فإن الإفراج عن الأسرى مسؤولية الجميع، حكاماً وأحزاباً وشعوباً، غير أن الشعب الفلسطيني هو الأولى بالمساءلة فهم أبناؤه الذين قاوموا باسمه ومن أجل حريته، ولا يجوز لأي طرف أن يتنصل من المسؤولية.
إن تحرير الأسرى أمانة في أعناق الكل، والمطلوب خطة واقعية وفعالة، تساهم فيها كل الجهات المعنية، وأن تكون ساحات العمل مفتوحة لهذا الأمر، دون الإكثار من الحسابات السياسية الضيقة، لأننا هنا نتحدث عن حياة رجال ضحوا بأعمارهم، ومن خلفهم عائلات تنتظر الفرج منذ عقود وسنوات.
كان من ضمن بنود الصفقة تحرر بعض الأسرى خارج فلسطين، برأيك ما الذي استفادته الحركة الأسيرة على الصعيد الإعلامي من هذا الإبعاد القسري الذي فرضه الاحتلال؟
كانت تفاصيل معاناة الأسرى محصورة داخل سجون الاحتلال، ولا يكاد يخرج منها إلا القليل، خاصة أن السجان يمنع دخول وسائل الاعلام لتغطية الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون، وكان معظم الذين يتحدثون في قضية الأسرى في الخارج، من الإخوة المهتمين المتابعين في غالبيتهم، لكن إبعادنا أعطى للمسألة بعداً آخر لأننا نحن الذين عايشنا المحنة، وأُغلقت علينا أبواب السجن ليل نهار، واكتوت أجسادنا بالقيد سنوات طوالا، ونحن أقدر على إيصال تفاصيل ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال، وقد تمكنا بفضل الله، من لعب دور إيجابي في هذه المسألة، وقد لاقينا تجاوباً كبيراً وتعاطفاً مميزاً واستعداداً للتضامن في كل المواقع التي زرناها، وتحدثنا فيها عن قضية الأسرى، واخترقنا وسائل الإعلام بصورة ملحوظة، حتى صارت قضية الأسرى أكثر تفهماً لدى قطاعات واسعة في الخارج، وكان بعضها لا يكاد يعلم شيئا عن المسألة.
أثبتت عمليات التبادل أنه أنجع الحلول للإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال، ما المطلوب الآن من الفلسطينيين سلطة وفصائل إزاء أبنائهم وراء القضبان؟
المطلوب الآن الأفعال لا الأقوال، إذ بعد مرور عام كامل على "وفاء الأحرار" ينبغي العمل بجدية، ضمن برنامج محدد وواضح، لإكمال الطريق وتحرير بقية الأسرى، وأن ترصد كل الإمكانات اللازمة لذلك، وأن تتكرر المحاولات حتى تنجح، مهما كان الثمن الذي يمكن أن يُدفع، فالقضية تستحق.
هل من رسالة توجهها إلى إخوانك الأسرى في سجون الاحتلال؟
إلى إخواني في الأسر: أنتم أهل الفضل والسبق، وأنتم الكرام الأحباب إلى قلوبنا، لن ننساكم، وما نسيناكم، وسنقرع كل الأبواب، ونتَّبع كل السبل، حتى نراكم أحراراً بين أهليكم.
وهل من كلمة لإخوانك المحررين في الصفقة؟
أما إخواني المحررين: فنحن نعلم تماماً ما هو المطلوب منا، وكان يمكن لأي منا، أن يكون هناك خلف القضبان، لنكن خير سفراء لإخواننا الذين بقوا خلفنا، من حقكم أن تنعموا بالحرية، ومن حق الأسرى عليكم أن تكملوا المشوار حتى يكون اللقاء بهم خارج الأسوار.
كلمة أخيرة؟
كلمة أخيرة لكل من يعنيه الأمر: كل ساعة تمر على الأسرى خلف القضبان، هي مصيبة، وأن نعيش كأن الأمر لا يعنينا هي المصيبة الأكبر!.
مع حلول الذكرى الأولى لصفقة وفاء الأحرار، التي تعتبر أكبر انتصار حققته المقاومة للأسرى خلال العقود الأخيرة، كان لا بد لقاء أحد قادة الأسرى المحررين، الذي كانوا جزءًا من هذا الحدث الكبير.
الأسير المحرر حسام عاطف علي بدران، الذي حكم بالسجن 18 عاماً، أمضى منها 10 أعوام، قبل أن يحرر في الصفقة إلى خارج فلسطين، ولد بتاريخ (1111966م)، وكان من سكان مخيم عسكر القديم في نابلس، بعد أن هُجرت عائلته من مدينة اللد، متزوج وله ولدان، اعتقل 5 مرات، بمجموع حوالي 14 عاماً، حاصل على شهادة الماجستير في التاريخ، عمل مدرساً قبل اعتقاله، إضافة الى عمله مديراً لمكتب للصحافة في مدينة نابلس، تم اعتقاله عقب محاولة اغتيال كبيرة، شاركت فيها الطائرات الحربية الصهيونية، أنجز في سجنه عدة كتب، طُبع بعضها، ومن أهمها: "كتيبة الشمال"، التي وضع فيها زبدة تجربته العملية في عمله العسكري خلال انتفاضة الأقصى، وله أيضاً: "مواعظ في القيد" و"خطب تحت الحراب" و"محاور في فقه السياسة والجهاد" وآخرها والتي تصنف على أنها أهم كتبه "لافتات على طريق المقاومة" وهي آخر ما كتب في السجن، وفيها عرض لكل ما يلزم المقاوم من معرفته في هذه المرحلة.
وفيما يلي نص المقابلة:
كأسير محرر في صفقة وفاء الأحرار، ما الذي تعنيه لك هذه الصفقة وهذه الذكرى؟
صفقة وفاء الأحرار كانت بمثابة حياة جديدة كتبت لي، لأننا في سجون الاحتلال نعيش في وضع لا علاقة له بالحياة الطبيعية للبشر، حيث تتساوى الأيام وتتشابه السنين، عدت مرة أخرى لرؤية الأهل والناس بعد طول غياب، إن التحرر من القيد هي نعمة يصعب وصفها وهي منة من الله علينا تستحق الحمد والثناء، ومع مرور عام على الصفقة تزداد في نفسي مشاعر الحنين لإخواني الذين بقوا خلف القضبان، وكم كنت أود لو نحتفل بوجودهم معنا في هذه الذكرى، ليكونوا هم وليس نحن موقع الاهتمام والاحتفاء.
بعد عام على بداية تنفيذ الصفقة، ما الذي أضافته الصفقة إلى الحركة الأسيرة وإلى الصراع مع الاحتلال، أو بمعنى آخر ما تقييمك لها؟
سوف يسجل التاريخ أن هذه الصفقة كانت إنجازاً تاريخيًّا ومنعطفاً مهمًّا في مسيرة الصراع مع المحتل، من حيث مكان الأسر وطريقة التفاوض والنتائج التي تمخضت عنها، هي انتصار للإرادة، وفيها قهر للعدو، وكسر لشوكته، وإرغامه على دفع ثمن كان يصر جاهداً على تفاديه.
الصفقة بتفاصيلها أضافت دليلاً جديداً على أن العدو الصهيوني قابل للهزيمة والاندحار، وأنه مهما بطش وتجبَّر، قابل للتراجع إذا وجد أمامه خصماً مؤمناً مستعداً للتضحية والعطاء.
بعد خمس سنوات من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس والجانب الصهيوني لإتمام الصفقة، ما الذي باعتقادك كان باستطاعة المفاوض الفلسطيني المقاوم تحقيقه ولم يحققه؟
كانت مفاوضات التبادل صعبة ومعقدة، وفيها تفاصيل كثيرة، وقد تأثرت بعوامل داخلية لدى الطرفين، إضافة إلى تدخل العديد من الجهات الخارجية، وكان الزمن بذاته جزءاً من عملية التفاوض، وقد رأينا نموذجاً جديداً من المفاوض الفلسطيني، يختلف كثيراً عما اعتدنا عليه في الساحة الفلسطينية، ومع ذلك تبقى هناك دوماً فرص لطلب المزيد والبحث عن إنجازات أكبر.
أعتقد أنه قد آن الأوان كي تقوم حماس بإجراء عملية تقويم شاملة لكل تفاصيل التفاوض على الصفقة، ومن تتوفر لديه المعلومات سيكون أقدر من غيره على الحكم عليها.
كلنا يعلم أن الصفقة لم تكن لتفرج عن كل الأسرى بكل الأحوال، لكن على الأقل كان من الأفضل لو تمكن المفاوض من انتزاع فكرة تحسين الظروف الحياتية للأسرى وأن يكون ذلك ضمن بنود الاتفاق.
الاحتلال اخترق بعض بنود الصفقة المتفق عليها برعاية الوسيط المصري، وأعاد اعتقال بعض المحررين فيها، من المسؤول عن تمادي الاحتلال بهذه الخروقات، وما المطلوب منه ؟
ليس غريباً على الاحتلال أن يخرق الاتفاقيات التي يوقع عليها، خاصة أنه كان مضطراً لإنهاء الملف، ولو كان بمقدوره أن يعيد اعتقال كل المحررين لفعل، ولا يجوز أن نلقي بالمسؤولية عليه لأنه في النهاية عدو حاقد.
في رأيي إن الوسيط المصري هو الطرف المطالب الآن بمتابعة الخروقات وأن يضغط على الاحتلال كي يحترم ما وقع عليه، خاصة أن مصر الثورة اليوم تملك قدرات أكبر وإرادة مستقلة، ولها وزنها على الساحة الإقليمية والدولية، وهي مهيأة كي تلعب هذا الدور، وتحرز فيه اختراقاً حقيقيًّا، إذ ليس من مصلحة العدو في هذه المرحلة، أن تتوتر علاقاته مع دولة مثل مصر وهذه نقطة قوة لصالح المصريين.
نجحت المقاومة بعد أسر شاليط، بالإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة، برأيك وبعد أن صار سلاح المقاومة سلاحاً ملاحقاً في الضفة الغربية، ما أثر ذلك على الأسرى في سجون الاحتلال؟
هذا سؤال هام جدًّا، لأن تفاصيل القضية مترابطة ومتداخلة، ومن المتفق عليه أن قضية الأسرى هي قضية مُجمَعٌ عليها لدى كل الأحرار في الساحة الفلسطينية، وأن تحرير الأسرى هو الهدف المشترك الذي ينبغي أن يسعى الجميع لتحقيقه، وقد أثبتت التجارب، أن هذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال عمليات الأسر والتبادل، والذي هو من فعل المقاومة فقط، وعليه فإن كل طرف يضيِّق على المقاومة، أو يلاحق المجاهدين، أو يصادر سلاحهم، فإنه عمليًّا يمنع أي فرصة لتحرير الأسرى، وهذا ما نلاحظه في الضفة للأسف، حيث تُحارَبُ المقاومة بكل أشكالها وألوانها، بما في ذلك محاولات الخطف لتحرير الأسرى، وقد رأينا مثالاً على ذلك، من خلال كشف السلطة لمخبأ سري لحماس في قرية عوريف بنابلس، كان معدًّا خصيصاً لاحتجاز جنود صهاينة، وهذا بشهادة العدو نفسه.
إن إلغاء التنسيق الأمني ووقف ملاحقة المقاومة في الضفة، هو مطلب مشروع، يجب أن يتبناه الجميع، وفي مقدمتهم الأسرى بكل توزعاتهم الفصائلية، لأن الأمر يمس حريتهم بشكل مباشر، وهنا يجب أن نسمع أصوات الأسرى وأهلهم في هذا المجال، بعيداً عن التنافس الحزبي والخلاف الداخلي.
في العام 1993 وقعت منظمة التحرير اتفاق أوسلو للسلام مع الاحتلال، هل تعتقد أن الأسرى في سلم أولويات قيادة المنظمة، أو يحتل مرتبة متقدمة، وما شاهدك على ذلك؟
اتفاق أوسلو كان كارثةً وطنيةً على الشعب الفلسطيني، من كل النواحي الفكرية والسياسية والوجدانية، وقد عمَّت سلبياته على جميع شرائح الشعب في كافة أماكن تواجدهم، غير أن المتضرر الأكبر كانت قضية الأسرى فقد تكشف الآن أن قضية الأسرى، لم تكن على جدول أعمال المفاوض الفلسطيني في "أوسلو"، ولم تكن مطلباً أو شرطاً لتوقيع الاتفاق، وهذا ما تثبته الوثائق والشهادات من مختلف الأطراف، بما في ذلك الطرف الصهيوني، الذي أقر بعض القادة فيه بأنهم كانوا قد أعدوا جواباً حول موضوع الأسرى، وأنهم كانوا على استعداد للإفراج عن الجميع، إذا أصر الطرف الفلسطيني على ذلك، لكنهم فوجئوا بأن المفاوض الفلسطيني لم يطرح الموضوع بشكل حقيقي، وبقيت المسألة معلقة برغبة العدو وبوادر حسن النية من طرفه، حيث يحدد هو المعايير والأرقام والتوقيت، وهنا ضاعت حرية الفئة التي دفعت حياتها ثمناً لحرية فلسطين، وليس أدل على هذا الكلام من بقاء عدد كبير من الأسرى خلف القضبان ممن اعتقلوا قبل "أوسلوا" وفي غالبيتهم من حركة فتح، التي أشرفت على التفاوض، ووقعت على الاتفاق، وحتى الآن لا نرى موقفاً جادًّا من منظمة التحرير للإفراج عن الأسرى، كما لا توجد خطة واقعية لديهم من أجل هذا الأمر.
هل ترى أن عبء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ملقى فقط على عاتق الفلسطينيين؟
تحرير الأسرى الفلسطينين هو واجب الأمة كلها، لأن هؤلاء الأبطال اعتقلوا دفاعًا عن كرامة الأمة ومقدساتها، وعليه فإن الإفراج عن الأسرى مسؤولية الجميع، حكاماً وأحزاباً وشعوباً، غير أن الشعب الفلسطيني هو الأولى بالمساءلة فهم أبناؤه الذين قاوموا باسمه ومن أجل حريته، ولا يجوز لأي طرف أن يتنصل من المسؤولية.
إن تحرير الأسرى أمانة في أعناق الكل، والمطلوب خطة واقعية وفعالة، تساهم فيها كل الجهات المعنية، وأن تكون ساحات العمل مفتوحة لهذا الأمر، دون الإكثار من الحسابات السياسية الضيقة، لأننا هنا نتحدث عن حياة رجال ضحوا بأعمارهم، ومن خلفهم عائلات تنتظر الفرج منذ عقود وسنوات.
كان من ضمن بنود الصفقة تحرر بعض الأسرى خارج فلسطين، برأيك ما الذي استفادته الحركة الأسيرة على الصعيد الإعلامي من هذا الإبعاد القسري الذي فرضه الاحتلال؟
كانت تفاصيل معاناة الأسرى محصورة داخل سجون الاحتلال، ولا يكاد يخرج منها إلا القليل، خاصة أن السجان يمنع دخول وسائل الاعلام لتغطية الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون، وكان معظم الذين يتحدثون في قضية الأسرى في الخارج، من الإخوة المهتمين المتابعين في غالبيتهم، لكن إبعادنا أعطى للمسألة بعداً آخر لأننا نحن الذين عايشنا المحنة، وأُغلقت علينا أبواب السجن ليل نهار، واكتوت أجسادنا بالقيد سنوات طوالا، ونحن أقدر على إيصال تفاصيل ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال، وقد تمكنا بفضل الله، من لعب دور إيجابي في هذه المسألة، وقد لاقينا تجاوباً كبيراً وتعاطفاً مميزاً واستعداداً للتضامن في كل المواقع التي زرناها، وتحدثنا فيها عن قضية الأسرى، واخترقنا وسائل الإعلام بصورة ملحوظة، حتى صارت قضية الأسرى أكثر تفهماً لدى قطاعات واسعة في الخارج، وكان بعضها لا يكاد يعلم شيئا عن المسألة.
أثبتت عمليات التبادل أنه أنجع الحلول للإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال، ما المطلوب الآن من الفلسطينيين سلطة وفصائل إزاء أبنائهم وراء القضبان؟
المطلوب الآن الأفعال لا الأقوال، إذ بعد مرور عام كامل على "وفاء الأحرار" ينبغي العمل بجدية، ضمن برنامج محدد وواضح، لإكمال الطريق وتحرير بقية الأسرى، وأن ترصد كل الإمكانات اللازمة لذلك، وأن تتكرر المحاولات حتى تنجح، مهما كان الثمن الذي يمكن أن يُدفع، فالقضية تستحق.
هل من رسالة توجهها إلى إخوانك الأسرى في سجون الاحتلال؟
إلى إخواني في الأسر: أنتم أهل الفضل والسبق، وأنتم الكرام الأحباب إلى قلوبنا، لن ننساكم، وما نسيناكم، وسنقرع كل الأبواب، ونتَّبع كل السبل، حتى نراكم أحراراً بين أهليكم.
وهل من كلمة لإخوانك المحررين في الصفقة؟
أما إخواني المحررين: فنحن نعلم تماماً ما هو المطلوب منا، وكان يمكن لأي منا، أن يكون هناك خلف القضبان، لنكن خير سفراء لإخواننا الذين بقوا خلفنا، من حقكم أن تنعموا بالحرية، ومن حق الأسرى عليكم أن تكملوا المشوار حتى يكون اللقاء بهم خارج الأسوار.
كلمة أخيرة؟
كلمة أخيرة لكل من يعنيه الأمر: كل ساعة تمر على الأسرى خلف القضبان، هي مصيبة، وأن نعيش كأن الأمر لا يعنينا هي المصيبة الأكبر!.
عن المركز الفلسطيني للإعلام
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية