المشهد المصري وانتكاسة الربيع العربي
إياد القرا
مصر زهرة الربيع العربي بامتياز، لما لها من ثقل سياسي وتاريخي وجغرافي، وتأثيرها على الساحات العربية والإقليمية والدولية، وفوز الرئيس المصري محمد مرسي مثل تحولاً حقيقياً في نظام الحكم في مصر، بانتخابه بشكل مباشر من الشعب المصري بخلاف النظام الانتخابي المصري السابق وهو ثمرة الثورة المصرية.
حكم الإخوان المسلمين في مصر على مدار العام المنصرم كان موضع متابعة واهتمام وظهر ارتباك دولي في التعامل معه لأسباب ترتبط بوجود رئيس إسلامي وهو أمر لم يعتدْ عليه الغرب، سوى تجربة رئيس الوزراء التركي، وواجه مرسي عداءً شديداً من قبل أنصار النظام السابق والحركات الاشتراكية والليبرالية المدعومة من بعض الدول العربية التي لها عداء تاريخي مع جماعة الإخوان المسلمين.
التحالف الذي تم لإسقاط الرئيس المصري، هو توافق آني بين عدة أطراف داخلية وخارجية للتخلص من حكم الإخوان، وكل طرف منهم يسعى لتحقيق أهداف وتصفية حساباتهم مع الجماعة ولو كانت مصر هي التي تدفع هذا الثمن.
داخلياً.. توافقت عدة اعتبارات على التخلص من حكم الإخوان بينها أنصار الرئيس المخلوع مبارك، وبعض المتضررين داخلياً من تغيرات الحكم، وكذلك بعض رجال الأعمال الذين تضرروا بشكل كبير من النظام الجديد، وتحالف القوى اليسارية والاشتراكية والليبرالية وجزء مهم من الأقباط بهدف التخلص من حكم إسلامي يمثل عامل غموض وخشية لديهم.
وتوافق ذلك أيضًا مع معاناة المواطن المصري البسيط من حكم الإخوان بقصد أو بدون قصد من معاناة لم يعشها سابقًا على صعيد توفير الوقود والغاز والكهرباء وسط تحريض إعلامي واضح من الإعلام المصري، والذي عمل على تعبئة الشعب المصري ضد الإخوان المسلمين مما ترك تأثيرا لا يمكن تجاهله.
كل ذلك أضيف لعامل لا يمكن تجاهله مرتبط ببعض الأخطاء التي وقع بها حكم الإخوان في التعامل بشدة في بعض الملفات وبينها الأمن والإعلام وهي ذات تأثير مهم على حياة المواطن، ومثل مطلباً للشارع المصري، وكذلك بعض الأخطاء المرتبطة بصياغة علاقة خاصة مع القضاء وأقباط مصر الذين ثبت أن موقفهم معادٍ للإخوان المسلمين، دون مبرر مقنع ولا يقارن مع معاناتهم من النظام المصري السابق.
خارجياً.. عمل كثير من الأطراف لإفشال الإخوان واتخاذ موقف العداء الواضح في مقدمتهم بعض دول الخليج العربي لاعتبارات تاريخية يغلب عليها روح الانتقام من حكم الإخوان خشية أن تمتد إليهم وتهدد حكمهم، وكذلك الموقف الإيراني والسوري والروسي وأدواتهم للانتقام من الرئيس محمد مرسي شخصياً على موقفه الأخير من النظام السوري، وإغلاق السفارة السورية وقطع آخر شعرة مع نظام الأسد، وكذلك العداء الإيراني للإخوان المسلمين باعتبارهم الغريم الأساسي لفكرة تصدير الثورة في الدول العربية.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي تتعاطى وفق مصالحها الخاصة ومراعاة العلاقة مع (إسرائيل) ويتنازعها موقفان الأول ما هو بديل حكم الإخوان الذي يمثل تهديداً للمنطقة إذا ما اتجهت نحو العنف والفوضى، وهنا ليس من باب الحرص على مصر، بل أكثر منه يتعلق بأمن الكيان الصهيوني وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، وانتشار الفوضى في منطقة سيناء وتهديد محيط قناة السويس البوابة المهمة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تهديد الكيان الصهيوني من قبل الجماعات الجهادية التي استطاع الرئيس المصري كبح جماحها العام الماضي، لصالح فرض الاستقرار في مصر.
الموقف الثاني هو تبنيها بشكل واضح للانقلاب على الرئيس المصري مرسي، وهو أمر لا يمثل لها اطمئناناً لضعف المعارضة المصرية وتفرقها وتشتتها وضعفها ميدانياً في مقابل ميدان سيطر عليه الإخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس المصري، والذي قد يؤدي بالنهاية لعودة الرئيس المصري مرسي للرئاسة وحينها سيكون له موقف أكثر عداءً للولايات المتحدة وخاصة تجاه التصرف غير اللائق من السفيرة الأمريكية بالقاهرة مع الرئيس المصري ومساومته بين البقاء بالحكم عبر حكومة كاملة الصلاحيات أو دعم الانقلاب وهو مخالف للأعراف الدبلوماسية.
الغريب بين الأطراف الخارجية أنها مختلفة حول الموقف من النظام السوري، وتوافقها الآن يظهر ازدواجية المعايير وتداخل المصالح والعداءات التاريخية بين الطرفين.
من الواضح أن ما يحدث في مصر فيه كثير من التعقيدات والتدخلات لأطراف داخلية وخارجية، سيحسمها مستوى الصمود لمؤيدي الرئيس مرسي في الميادين، والحفاظ على سلمية ثورتهم واستعادة الشرعية، ومدى قدرة المعارضة على استمرار تحالفها المصلحي وهو أمر أصبح مشكوك في استمراره والأيام القادمة كفيلة بكشف اللثام عن الكثير من المواقف.
ما حدث من انقلاب هو انتكاسة حقيقية للربيع العربي وخاصة إذا ما تعلق بمصر، وهناك حاجة ضرورية أن تعيد القوى الثورية صفوفها للتمسك بالشرعية المنتخبة التي أفرزتها الثورات وضمان عدم تكرار التجربة المؤسفة التي وقعت في مصر.
إياد القرا
مصر زهرة الربيع العربي بامتياز، لما لها من ثقل سياسي وتاريخي وجغرافي، وتأثيرها على الساحات العربية والإقليمية والدولية، وفوز الرئيس المصري محمد مرسي مثل تحولاً حقيقياً في نظام الحكم في مصر، بانتخابه بشكل مباشر من الشعب المصري بخلاف النظام الانتخابي المصري السابق وهو ثمرة الثورة المصرية.
حكم الإخوان المسلمين في مصر على مدار العام المنصرم كان موضع متابعة واهتمام وظهر ارتباك دولي في التعامل معه لأسباب ترتبط بوجود رئيس إسلامي وهو أمر لم يعتدْ عليه الغرب، سوى تجربة رئيس الوزراء التركي، وواجه مرسي عداءً شديداً من قبل أنصار النظام السابق والحركات الاشتراكية والليبرالية المدعومة من بعض الدول العربية التي لها عداء تاريخي مع جماعة الإخوان المسلمين.
التحالف الذي تم لإسقاط الرئيس المصري، هو توافق آني بين عدة أطراف داخلية وخارجية للتخلص من حكم الإخوان، وكل طرف منهم يسعى لتحقيق أهداف وتصفية حساباتهم مع الجماعة ولو كانت مصر هي التي تدفع هذا الثمن.
داخلياً.. توافقت عدة اعتبارات على التخلص من حكم الإخوان بينها أنصار الرئيس المخلوع مبارك، وبعض المتضررين داخلياً من تغيرات الحكم، وكذلك بعض رجال الأعمال الذين تضرروا بشكل كبير من النظام الجديد، وتحالف القوى اليسارية والاشتراكية والليبرالية وجزء مهم من الأقباط بهدف التخلص من حكم إسلامي يمثل عامل غموض وخشية لديهم.
وتوافق ذلك أيضًا مع معاناة المواطن المصري البسيط من حكم الإخوان بقصد أو بدون قصد من معاناة لم يعشها سابقًا على صعيد توفير الوقود والغاز والكهرباء وسط تحريض إعلامي واضح من الإعلام المصري، والذي عمل على تعبئة الشعب المصري ضد الإخوان المسلمين مما ترك تأثيرا لا يمكن تجاهله.
كل ذلك أضيف لعامل لا يمكن تجاهله مرتبط ببعض الأخطاء التي وقع بها حكم الإخوان في التعامل بشدة في بعض الملفات وبينها الأمن والإعلام وهي ذات تأثير مهم على حياة المواطن، ومثل مطلباً للشارع المصري، وكذلك بعض الأخطاء المرتبطة بصياغة علاقة خاصة مع القضاء وأقباط مصر الذين ثبت أن موقفهم معادٍ للإخوان المسلمين، دون مبرر مقنع ولا يقارن مع معاناتهم من النظام المصري السابق.
خارجياً.. عمل كثير من الأطراف لإفشال الإخوان واتخاذ موقف العداء الواضح في مقدمتهم بعض دول الخليج العربي لاعتبارات تاريخية يغلب عليها روح الانتقام من حكم الإخوان خشية أن تمتد إليهم وتهدد حكمهم، وكذلك الموقف الإيراني والسوري والروسي وأدواتهم للانتقام من الرئيس محمد مرسي شخصياً على موقفه الأخير من النظام السوري، وإغلاق السفارة السورية وقطع آخر شعرة مع نظام الأسد، وكذلك العداء الإيراني للإخوان المسلمين باعتبارهم الغريم الأساسي لفكرة تصدير الثورة في الدول العربية.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي تتعاطى وفق مصالحها الخاصة ومراعاة العلاقة مع (إسرائيل) ويتنازعها موقفان الأول ما هو بديل حكم الإخوان الذي يمثل تهديداً للمنطقة إذا ما اتجهت نحو العنف والفوضى، وهنا ليس من باب الحرص على مصر، بل أكثر منه يتعلق بأمن الكيان الصهيوني وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، وانتشار الفوضى في منطقة سيناء وتهديد محيط قناة السويس البوابة المهمة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تهديد الكيان الصهيوني من قبل الجماعات الجهادية التي استطاع الرئيس المصري كبح جماحها العام الماضي، لصالح فرض الاستقرار في مصر.
الموقف الثاني هو تبنيها بشكل واضح للانقلاب على الرئيس المصري مرسي، وهو أمر لا يمثل لها اطمئناناً لضعف المعارضة المصرية وتفرقها وتشتتها وضعفها ميدانياً في مقابل ميدان سيطر عليه الإخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس المصري، والذي قد يؤدي بالنهاية لعودة الرئيس المصري مرسي للرئاسة وحينها سيكون له موقف أكثر عداءً للولايات المتحدة وخاصة تجاه التصرف غير اللائق من السفيرة الأمريكية بالقاهرة مع الرئيس المصري ومساومته بين البقاء بالحكم عبر حكومة كاملة الصلاحيات أو دعم الانقلاب وهو مخالف للأعراف الدبلوماسية.
الغريب بين الأطراف الخارجية أنها مختلفة حول الموقف من النظام السوري، وتوافقها الآن يظهر ازدواجية المعايير وتداخل المصالح والعداءات التاريخية بين الطرفين.
من الواضح أن ما يحدث في مصر فيه كثير من التعقيدات والتدخلات لأطراف داخلية وخارجية، سيحسمها مستوى الصمود لمؤيدي الرئيس مرسي في الميادين، والحفاظ على سلمية ثورتهم واستعادة الشرعية، ومدى قدرة المعارضة على استمرار تحالفها المصلحي وهو أمر أصبح مشكوك في استمراره والأيام القادمة كفيلة بكشف اللثام عن الكثير من المواقف.
ما حدث من انقلاب هو انتكاسة حقيقية للربيع العربي وخاصة إذا ما تعلق بمصر، وهناك حاجة ضرورية أن تعيد القوى الثورية صفوفها للتمسك بالشرعية المنتخبة التي أفرزتها الثورات وضمان عدم تكرار التجربة المؤسفة التي وقعت في مصر.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية