المصالحة الفلسطينية إلى أين ذاهبة ؟!
د. أيمن أبو ناهية
لقد عمت الفرحة والسعادة لدى الشعب الفلسطيني حين سمع خبر توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين الأشقاء الفرقاء بالذات بين حركتي حماس وفتح، ووضع هذا الاتفاق قيد التنفيذ الفعلي كي يطوي صفحة الانقسام العقيمة الذي طالت مدته بين شقي الوطن، والذي انعكس سلبا على جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية، وأهم من هذا كله التراجع والتدهور للقضية الفلسطينية وهي مرحلة عاشتها دولة الاحتلال لم تحلم بها منذ نشأتها على الإطلاق.
صحيح أن المصالحة قد جاءت متأخرة وكانت من باب الحكمة أن تحققت سريعا فور حدوث الانقسام الذي من المفترض أن لا يحدث إطلاقا. المهم أننا استطعنا التغلب على العقبات وحل جميع القضايا المعضلة في وجه المصالحة وتقاربنا من بعضنا البعض وتجالسنا سويا لحل مشاكلنا الداخلية وإنهاء الانقسام، لأننا وصلنا إلى مرحلة فقدنا فيها الثقة بكل الأجندات وكفرنا بكل السياسات الخارجية المبطنة بالسوء لنا ولقضيتنا الوطنية، وأصبح لدينا قناعة بعد شقائنا على مدار سنوات الانقسام الأربعة الماضية، أنه لابد أن نتقارب ونتصالح مع بعضنا البعض ونرجع اللحمة الوطنية من جديد للجسمين المتخاصمين كي نكون يداً واحدة لنواجه كل التحديات المحدقة بنا والتي تحول دون إتمام المصالحة.
لاشك أن الاحتلال قد لعب دورا بارزا في إحداث هذا الانقسام وكان له يد مباشرة في تعميق شرخه ولا داعي للخوض في هذا المجال فالمسألة واضحة وضوح الشمس من الخاسر الأول ومن المستفيد الأول من الانقسام، طبعا الفلسطينيون هم الخاسرون الأول من الانقسام، وان دولة الاحتلال هي المستفيد الأول والأخير من الانقسام ولها مصلحة كبيرة في استمراره والذي عملت جاهدة على تعزيزه واستثماره من اجل خدمة مصالحها وتنفيذ سياساتها الاحتلالية العدوانية وفرض وقائع جديدة إضافية على الأرض بمواصلة سياسة قضم وضم الأراضي والممتلكات الفلسطينية وبناء المستوطنات والجدار والشوارع الالتفافية والثكنات والحواجز العسكرية بالإضافة لهدم المنازل والاستيلاء على المياه والتهويد للمدن والمقدسات العربية وفرض الحصار الخانق على الضفة والقطاع ناهيك عن المداهمات والاعتقالات والاغتيالات اليومية.
فهل تداركنا المخطط الذي يدبر وينفذ من قبل الاحتلال للقضاء على حقوقنا وقضايانا ومستقبل الدولة الفلسطينية المنشود؟ وهل تأكدنا من صدق ونوايا الأجندات الإقليمية والدولية ووعودها الكاذبة لنا والتي كثيرا ما عولنا عليها وكانت عبارة عن وعود "رمادية" لذرها في العيون ليس إلا؟
فها هي الأنظمة العربية قد تطارد من شعوبها لأنها ثبت أنها أنظمة فاشلة في بلادها ومخادعة لشعوبها فكيف ستكون صادقة للشعوب والقضايا الأخرى؟! أما الأجندات الدولية فهي الأكثر مراوغة وتكيل بمكيالين حسب مصالحها مع دولة الاحتلال وأول هذه الدول الحليف الاستراتيجي لها الولايات المتحدة التي سارعت بالتلويح لقطع المعونات المالية في حال تمت المصالحة، بل اعتبرتها تهديداً لعملية السلام وقد سبقها بالتأكيد نفس التهديدات من قبل نتنياهو وليبرمان وباراك وبيرس.
رغم كل هذا فإننا بالفعل لم نتدارك تلك المخاطر وتداعياتها المستقبلية على قضيتنا، فاتفاق المصالحة أصبح يراوح مكانه ولا يوجد أي تقدم في إتمامه بالشكل الصحيح، فليس المهم هو توقيع المصالحة، وإنما المهم هو تنفيذه عمليا حتى لا يبقى حبراً على ورق.
لقد نص اتفاق المصالحة على تفعيل لجان الانتخابات بإصدار مرسوم من السيد عباس كي تباشر أعمالها في الضفة والقطاع لتهيئة الأجواء الانتخابية إلى حينها، ومن المفترض أن تشكل حكومة انتقالية تشرف على عملية التنفيذ، وللأسف لم يحدث هذا حتى الآن. كذلك الحال بالنسبة للملف الأمني الذي هو واحد من أهم ملفات الخلاف وسبب رئيسي من أسباب الانقسام والذي لم يتوقف على مدار الساعة في الضفة.
أقول إننا أمام فرصة تكاد لا تعوض إطلاقا، فإما إن نكون فعلا صادقين إزاء حسن النوايا بإبداء المرونة في المطالب وعدم فقدان الثقة بالآخر بالنظر إلى المصلحة الوطنية قبل أي شيء، لأن الخيارات أمامنا ضئيلة ومحدودة ولا يوجد لدينا خيار إلا خيار المصالحة وإنهاء الانقسام فعليا وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من صفاء الأنفس رأفة بشعبنا وقضيتنا والعمل على تهيئة الأجواء من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعمل على رأب صدع الانقسام بإنهاء حالة الاحتقان المجتمعي والعمل على صفاء الأنفس التي تبدو قد شحنت بالضغينة والكره طوال فترة الانقسام.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية