المصالحة بين وردية الشعارات وأشواك الواقع!
لمى خاطر
كان رأيي دائماً أن المدخل الذي يعالج من خلاله ملف الانقسام غير سليم ولا كافٍ لإنهائه، ولا يضمن عدم تعميق الشرخ بدلاً من رأبه. فضلاً عن أن التصوّر بأن عجلة المصالحة ستدور بمجرّد تشكيل حكومة جديدة وتحديد موعد للانتخابات هو وهم كبير وإسهام في تضليل الجمهور وصرف أنظاره عن مسببات الانقسام الحقيقية.
أحاديث وجلسات المصالحة الفلسطينية لم تعد سوى مناسبة لجلب الملل للمتابعين، لأنها ببساطة معبأة بشعارات وكلام وردي لا رصيد له، من طراز (ترتيب البيت الفلسطيني) و(طي صفحة الانقسام) و(بناء مؤسسات واحدة) و(تأسيس شراكة وطنية) و(التوحد لمواجهة الاحتلال)، مع العلم أن هذه الأخيرة لا تكفلها مصالحة غير متأسسة على دستور وطني يضمنها ويمنع من محاربتها، فضلاً عن أن كل هذه الشعارات تتجاهل أصل المشكلة وفصلها والمتعلقة بالكيان السلطوي وسياساته الأمنية والاقتصادية والسياسية، التي لا تستوعب ولا تتيح إقحام أي برنامج مختلف على مسارها.
ولعلّ حركة حماس هي الطرف المعني أكثر من غيره في تصوّر وتوقع السيناريوهات المختلفة التي ستعقب الانتخابات والعلاج السياسي المتسرّع لملف الانقسام، كونها لا تعيش أوضاعاً مريحة، وخصوصاً في الضفة، ميدان السلطة الحقيقي، وهنا أرجو ألا تتصور الحركة أنه سيكون مقبولاً (وطنيا) أو معقولاً (منطقيا) أن تشارك في إدارة سلطة مسقوفة بإملاءات الاحتلال واشتراطات حلفائه.
ولكن التأمّل قليلاً في واقع ما بعد مرحلة الانتخابات مطلوب بشدّة، ففي حال فوز حماس مجدداً في الانتخابات (وهو خيار غير مستبعد)، فعلى الحركة أن تكون متأكدّة أنّ سيناريو 2006 سيعود من جديد؛ الرفض الفتحاوي، الحصار الإسرائيلي، الاشتراطات الدولية، وغير ذلك من تبعات، وحينها سيخرج محمود عباس ليقول إن الخبز أهمّ من الديمقراطية، بل ومن المقاومة أيضا، وإن على حماس أن تتحمل أعباء السلطة ولو على حساب برنامجها (المتعنت)، وهنا؛ ما هي حاجة حماس للتورّط في أعباء سلطة تحت الاحتلال، بلا أفق سياسي ولا حتى فرص للإصلاح والتنمية الداخلية؟ وفي وقت لن تفيدها فيه شرعيتها الجديدة أو تجعلها في مأمن من استهداف الاحتلال!
أما في حال خسارة حماس أو تراجعها، فما الذي سيضمن لها عدم المساس بقوّتها المقاومة في غزة ومعها بقية التشكيلات العسكرية؟ وماذا سيكون مصير مؤسستها الأمنية التي بذلت جهوداً كبيرة في تأسيسها؟ ضمن بيئة نظيفة أمنياً وبعيداً عن الخضوع لإملاءات الاحتلال، وذلك على خلاف المؤسسة الأمنية في الضفة التي تكاد تكون ملحقاً بأجهزة الأمن الإسرائيلية.
ألم تكف السنوات الفائتة لإيضاح أن الخلاف في الساحة الفلسطينية يتجاوز البرامج إلى الدور الوظيفي والعقيدة الأمنية وطبيعة العلاقة مع المحتل؟ فليست القضية هنا من يكسب السلطة أو يخسرها، ولا من يؤسس الحكومة أو من ينسحب منها، بل ما هو مستقبل المشروع الوطني وفي القلب منه قضية المقاومة؟ وكيف سيكون ممكناً استئناف هذا المشروع أو ضخ الحياة فيه فيما الموجود على الأرض سلطة تتنفّس بإرادة هذا المحتل وتتموّل بإذنه، وتشرف أمريكا وإسرائيل على قواها الأمنية، وتسلّحها وفق ضوابط معينة؟!
تعلّمنا قديماً أن فلسطين لا تتحرر بالأمنيات، وبما أن موضوع المصالحة أصبح اليوم في عرف السياسيين أهمّ من مشروع التحرر، فلا بدّ من القول أيضاً إن المصالحة لا تتحقق بالأمنيات أو الكلمات الوردية الحالمة حول مستقبل موهوم سيعقب الخطوات العرجاء المنتظر أن تفضي لها.
فكروا مليون مرّة في سلبيات هذا الكيان السلطوي وفي الضريبة المطلوب دفعها ممن سينخرط فيه، ومرة في إيجابيات أجواء الوفاق إذا ما بُنيت على أساس هشّ!
لمى خاطر
كان رأيي دائماً أن المدخل الذي يعالج من خلاله ملف الانقسام غير سليم ولا كافٍ لإنهائه، ولا يضمن عدم تعميق الشرخ بدلاً من رأبه. فضلاً عن أن التصوّر بأن عجلة المصالحة ستدور بمجرّد تشكيل حكومة جديدة وتحديد موعد للانتخابات هو وهم كبير وإسهام في تضليل الجمهور وصرف أنظاره عن مسببات الانقسام الحقيقية.
أحاديث وجلسات المصالحة الفلسطينية لم تعد سوى مناسبة لجلب الملل للمتابعين، لأنها ببساطة معبأة بشعارات وكلام وردي لا رصيد له، من طراز (ترتيب البيت الفلسطيني) و(طي صفحة الانقسام) و(بناء مؤسسات واحدة) و(تأسيس شراكة وطنية) و(التوحد لمواجهة الاحتلال)، مع العلم أن هذه الأخيرة لا تكفلها مصالحة غير متأسسة على دستور وطني يضمنها ويمنع من محاربتها، فضلاً عن أن كل هذه الشعارات تتجاهل أصل المشكلة وفصلها والمتعلقة بالكيان السلطوي وسياساته الأمنية والاقتصادية والسياسية، التي لا تستوعب ولا تتيح إقحام أي برنامج مختلف على مسارها.
ولعلّ حركة حماس هي الطرف المعني أكثر من غيره في تصوّر وتوقع السيناريوهات المختلفة التي ستعقب الانتخابات والعلاج السياسي المتسرّع لملف الانقسام، كونها لا تعيش أوضاعاً مريحة، وخصوصاً في الضفة، ميدان السلطة الحقيقي، وهنا أرجو ألا تتصور الحركة أنه سيكون مقبولاً (وطنيا) أو معقولاً (منطقيا) أن تشارك في إدارة سلطة مسقوفة بإملاءات الاحتلال واشتراطات حلفائه.
ولكن التأمّل قليلاً في واقع ما بعد مرحلة الانتخابات مطلوب بشدّة، ففي حال فوز حماس مجدداً في الانتخابات (وهو خيار غير مستبعد)، فعلى الحركة أن تكون متأكدّة أنّ سيناريو 2006 سيعود من جديد؛ الرفض الفتحاوي، الحصار الإسرائيلي، الاشتراطات الدولية، وغير ذلك من تبعات، وحينها سيخرج محمود عباس ليقول إن الخبز أهمّ من الديمقراطية، بل ومن المقاومة أيضا، وإن على حماس أن تتحمل أعباء السلطة ولو على حساب برنامجها (المتعنت)، وهنا؛ ما هي حاجة حماس للتورّط في أعباء سلطة تحت الاحتلال، بلا أفق سياسي ولا حتى فرص للإصلاح والتنمية الداخلية؟ وفي وقت لن تفيدها فيه شرعيتها الجديدة أو تجعلها في مأمن من استهداف الاحتلال!
أما في حال خسارة حماس أو تراجعها، فما الذي سيضمن لها عدم المساس بقوّتها المقاومة في غزة ومعها بقية التشكيلات العسكرية؟ وماذا سيكون مصير مؤسستها الأمنية التي بذلت جهوداً كبيرة في تأسيسها؟ ضمن بيئة نظيفة أمنياً وبعيداً عن الخضوع لإملاءات الاحتلال، وذلك على خلاف المؤسسة الأمنية في الضفة التي تكاد تكون ملحقاً بأجهزة الأمن الإسرائيلية.
ألم تكف السنوات الفائتة لإيضاح أن الخلاف في الساحة الفلسطينية يتجاوز البرامج إلى الدور الوظيفي والعقيدة الأمنية وطبيعة العلاقة مع المحتل؟ فليست القضية هنا من يكسب السلطة أو يخسرها، ولا من يؤسس الحكومة أو من ينسحب منها، بل ما هو مستقبل المشروع الوطني وفي القلب منه قضية المقاومة؟ وكيف سيكون ممكناً استئناف هذا المشروع أو ضخ الحياة فيه فيما الموجود على الأرض سلطة تتنفّس بإرادة هذا المحتل وتتموّل بإذنه، وتشرف أمريكا وإسرائيل على قواها الأمنية، وتسلّحها وفق ضوابط معينة؟!
تعلّمنا قديماً أن فلسطين لا تتحرر بالأمنيات، وبما أن موضوع المصالحة أصبح اليوم في عرف السياسيين أهمّ من مشروع التحرر، فلا بدّ من القول أيضاً إن المصالحة لا تتحقق بالأمنيات أو الكلمات الوردية الحالمة حول مستقبل موهوم سيعقب الخطوات العرجاء المنتظر أن تفضي لها.
فكروا مليون مرّة في سلبيات هذا الكيان السلطوي وفي الضريبة المطلوب دفعها ممن سينخرط فيه، ومرة في إيجابيات أجواء الوفاق إذا ما بُنيت على أساس هشّ!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية