نافذ أبو حسنة
سبق للجنة الرباعية الدولية، أن حددت يوم السادس والعشرين من الشهر الجاري، بوصفه موعداً نهائياً لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال. وقد تحركت اللجنة المذكورة في محاولة لتحريك تلك المفاوضات، ليصطدم تحركها بتمسك السلطة بإعلان حكومة الاحتلال وقفاً أو تجميداً للاستيطان، والاعتراف بحدود عام سبعة وستين كمرجعية لهذه المفاوضات. ورفضت الأخيرة، أي إعلان من هذا القبيل، بل إن الإعلان الوحيد الذي صدر هو قرارات ببناء مستوطنات جديدة، وتعزيز تهويد القدس.
كما أصرت الحكومة الصهيونية، على تلقي الطلبات الفلسطينية في تفاوض مباشر، ما يعني عملياً الدخول في المفاوضات، ولو لمجرد تبادل الأوراق والرؤى.عند هذا الحد من الانسداد، جاء التدخل الأردني المفاجئ إلى حد ما. فقد وصل الملك الأردني إلى رام الله، للقاء عباس، وتحدث وزير خارجيته علناً عن تحرك أردني، قوامه تخطي نقطة تجميد الاستيطان. ومن رام الله إلى عمان، حيث استقبل فيها الملك الأردني، رئيس كيان الاحتلال، شمعون بيريز.
وتردد أن لقاءات سرية وشبه علنية فلسطينية- صهيونية، عقدت في العاصمة الأردنية، وبحضور رسمي أردني، وصولاً إلى الاجتماع الذي عقد في الثالث من الشهر الجاري، بحضور الفلسطينيين والصهاينة والأردنيين، والرباعية. وكما كان متوقعاً، فإن الاجتماعات تمت برعاية المضيفين أي الحكومة الأردنية. وفيها جرى تقديم الورقة الفلسطينية، ما يعني أن ما وصفه كبير المفاوضين الفلسطينيين بالجولة الاستكشافية، قد عنى الدخول خطوة في الغرفة التفاوضية، وبشكل علني. دون تجميد الاستيطان. بالأحرى في ظل زيادته وارتفاع شراسته.
الحديث عن الاستكشاف في هذه المفاوضات، وفي الجلسة التي تلتها لتلقي الردود الصهيونية على الطرح الفلسطيني، سوف تضعنا مرة أخرى أمام سيل من المصطلحات الجديدة، تستخدم في توصيف الواقع نفسه والذي لم يتغير فيه شيء. وهو سيعني نجاحاً لفكرة وزير الخارجية الأردني بتخطي عقبة الاستيطان، للشروع في التفاوض حول الأمن والحدود. كما سيعني أيضاً، تلبية مواربة للالتزام بالموعد الذي حددته اللجنة الرباعية، وتراجعاً من السلطة عن التهديد باعتماد واحد من سلة البدائل التي تقوم بدراستها، في حال لم تستأنف المفاوضات في الموعد المحدد.وإذاً، إلى الوراء در.
ومن الآن وصاعداً سوف نشهد فصولاً أخرى من مسلسل العبث الطويل، وبمشاركة أردنية نشطة هذه المرة، دون أن تترتب على ذلك نتائج فعلية، نقصد نتائج على الأرض.يرى مراقبون أن هذه الجولة الجديدة من التفاوض لن تنتج شيئاً، لكنها في الوقت نفسه تمثل حاجة لكل الأطراف. فالسلطة لا تريد أن تصنف من جديد، بأنها ليست شريكاً مناسباً في عملية السلام. وهي لم تستطع طوال الأشهر الماضية، أن تقنع الرباعية أو الفاعل المؤثر فيها (واشنطن) بالضغط على الصهاينة لوقف الاستيطان أو حتى تجميده. وتتحرك من منطلق أن البدائل التي تتحدث عنها، ومنها خيار الحل (حل السلطة) يتعذر تنفيذها لأسباب كثيرة.
وما دامت ترفض علناً، مجرد التلويح، بانتفاضة ثالثة، وتفسر المقاومة الشعبية على أنها تظاهرات يوم الجمعة أمام بعض مقاطع جدار الفصل في الضفة، فإن العودة إلى المفاوضات، ولو بالصيغة المطروحة، يعطي مبرراً آخر لاستمرارها، بأمل تغير ما في الظروف القائمة. ولا يغفل بعض المراقبين الإشارة إلى أن السلطة، تعمدت مجاملة الحكم الأردني في طلبه إليها العودة إلى شكل ما من التفاوض، يحتاجه النظام في الأردن، لأسباب تخصه.ولن يخسر الاحتلال شيئاً، في ممارسة المزيد من التسلية التفاوضية، وتبادل النصوص، ما دام الاستيطان مستمراً، ومعه التهويد، ومعه كل أشكال الممارسة الاحتلالية اليومية، ضد الشعب الفلسطيني. على العكس من ذلك، فالتفاوض يمنحه الوقت، والمناخ المناسب لمتابعة مشاريعه على الأرض. وفي الوقت المناسب دفع المفاوض الفلسطيني المتهالك نحو صياغات أكثر مناسبة لإدامة احتلال مريح، وغير مكلف.
أما بالنسبة للرباعية، واللص الفاسد طوني بلير، فالمفاوضات مناسبة ملائمة للترويج لعملية سياسية قائمة. ما يعفيها من إزعاج المطالبات بوقف الانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين. فهي ستحيل كل شيء إلى القول: المفاوضات جارية الآن.يبقى الطرف الأردني، الذي كان تحركه إشارة البدء بالمرحلة الجديدة، بتوافق أو بتكليف مباشر من الولايات المتحدة، التي ستبدأ عامها الانتخابي عما قليل. وقد تحدث وزير الخارجية الأردني عن أن ما تقوم به بلاده، يخدم المصالح العليا للدولة الأردنية.
واقعاً، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تجامل عمان، ويمكن لحكومة الاحتلال أن تأتي إلى العاصمة الأردنية، وهي لا تخسر شيئاً، كما بينا، بل إنها تكسب كسباً كبيراً، وترسخ المعاهدة التي يظل نتنياهو، يذكر ليل نهار بضرورة الحفاظ عليها مع تلك الأخرى مع مصر. ولكن حين يتصل الأمر بالرباعية، يحين أوان الحديث عن «التبادلية». فالأطراف الرئيسيون في تلك اللجنة، لا يضيرهم أن يستفيد الأردن من هذا التحرك، ما دامت الفائدة التي يجنونها أكبر. وهذا يفرض التدقيق كثيراً، لمعرفة نقطة البدء الفعلي للتحرك الأردني، والذي لم يكن ليتم بعيداً عن التوافق مع واشنطن على الأقل.
محلل قريب من أوساط السلطتين الأردنية والفلسطينية، رأى أن الدوافع الأردنية تتلخص، في حرص الملك الأردني، على تقديم خدمة للرئيس الأمريكي على أبواب الحملة الانتخابية، وكذلك «تقديم صورة أردنية مقبولة، تظهر رغبته ومحاولته مساعدة الموقف الأميركي نحو الرغبة المشتركة الأميركية الإسرائيلية باستمرار المفاوضات حتى ولو كانت شكلية، تتوسل الصورة، وتظهير مشهد المفاوضات وإن كانت بلا محتوى جدي، فالمشهد في عمان (لقاء الأطراف) صورة تجميلية لواقع احتلالي استعماري استيطاني بشع على أرض فلسطين، تقوده حكومة نتنياهو وأحزاب اليمين والأجهزة الأمنية وأبطال المستوطنين، فقدمت عمان الصورة وأظهرت مشهد الجلوس على طاولة المفاوضات بقبول الأطراف جميعاً للأولويات الإسرائيلية والتكيف معها، والمتمثلة بإجراء مفاوضات» (لنتذكر تصريحات ناصر جودة في رام الله).
ثم يأتي المحلل نفسه للحديث عن دافع آخر يتصل بـ«قلق جدي أردني من وصول المفاوضات لطريق مسدود حتى يوم 26 كانون الثاني الجاري، ما يفتح الباب على احتمالات متعددة يقف في طليعتها انفجار شعبي فلسطيني في وجه الاحتلال، سيؤدي إلى تداعيات غير محسوبة تعود على الأردن بمزيد من التوتر والاحتقان الداخلي والإقليمي المحيط، تزيد من أعباء الأردن الأمنية والاقتصادية لا يستطيع التحكم فيها وقد لا يستطيع التكيف معها، ولذلك يسعى الأردن جاداً ومخلصاً لإيجاد مخارج تقلل من منسوب التوتر وفتح نافذة مهما بدت ضيقة لعلها توفر فرصة التوصل إلى تفاهمات مُرضية».ليس هناك ما يدفع إلى رفض كلي لهذه القراءة. كما أنه ليس هناك ما يمنع من الافتراض، بأن الاتفاق على هذه الغايات حصل قبل توجه الملك عبد الله إلى رام الله، في تشرين الثاني الماضي.
لكن سؤالاً يفرض نفسه وبقوة: من هو الرابح والخاسر جراء الدخول في هذه الرحلة العبثية الجديدة من المفاوضات؟ الرابحون ومن يسعون للربح واضحون تماماً. الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني. فمن يجامل اليوم يعرف أن الاستيطان يتقدم في كل يوم خطوة، وأن التهويد يبتلع القدس، وأن الشعب الفلسطيني يعاني ويلات الاحتلال، بكل مظاهرها. وهو يعرف أيضاً، أن المفاوضات هي فرصة إضافية لمزيد من العدوان الاحتلالي. قد يسعى البعض لأن يتسلى، والبعض الآخر لأن يحقق مكاسب بهذه الدرجة أو تلك، لكن فلسطين تنزف.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية