المقاومة وليس حماس
د. عبد الله السعافين
"غزة خلصت، وحماس انتهى أمرها"..هذا ما قاله في أغسطس آب الماضي ضابط المخابرات في سلطة الضفة (ب.ب) والمسؤول عن العمليات الخارجية المشتركة مع الموساد وأجهزة أمن بعض الدول العربية. الكلام نقله لي من قيل له هذا الكلام مباشرة.
مسؤول سياسي كبير (ويملأ العالم ضجيجاً عن انهاء الانقسام و مسؤولية حماس عنه) في سلطة المقاطعة، وفي نفس الفترة، وكان يزور عمان، قال ان شهر 11 سيشهد النهاية الرسمية "لسقوط غزة وتبخر حماس".
راقبوا ما حدث لغزة خلال الشهور الثلاثة الماضية...
*جولة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأوربية التي أدهش خلالها القادة الأوروبيين بدفاعه عن الانقلاب العسكري في مصر، والتي قبض ثمنها، بتشديد الحصار المصري لغزة.
*بيانات ما يسمى ب "حركة تمرد غزة" المتتالية، والأنباء المتواترة عن لقاءات عناصر هذه الحركة مع نظرائهم المصريين للاستفادة من تجربتهم في تقويض الحكم والتعبئة الشعبية.
*مطالبة سلطة الضفة وبشكل مفاجئ بأن تدفع غزة ضرائب اضافية على المبالغ المخصصة لشراء السولار المخصص لتشغيل محطة الكهرباء.
*احتجاز سلطة الضفة لأموال المنحة الأوروبية المخصصة لدفع ثمن سولار تشغيل محطة كهرباء غزة وهدم وتفجير السلطات المصرية للأنفاق على حدود رفح، والتركيز على تفجير الأنفاق المخصصة لادخال الوقود بالذات.
*حجز السلطات المصرية للوقود القطري الذي ارسل للمساهمة في حل مشكلة كهرباء غزة، وايقاف مشاريع مد غزة بالغاز، أو حتى تشغيل محطة العريش التي تكفل البنك الاسلامي للتنمية بتمويلها.
مقابل ذلك: تصدي حكومة غزة وحركة حماس للهجمة الشرسة على غزة والحركة بالطريقة الاخوانية التقليدية، التي تقوم على التكتم وأحياناً الشكوى، وفي كثير من الأحيان التعالي على الناس وعدم ابداء الاكتراث بما يدور على اعتبار ان الحصار يطال الجميع رعية ورعاة. الاستثناء الوحيد هو البيان الذي أصدره الناطق الرسمي ايهاب الغصين الأحد، وشرح فيه بالتفصيل ما انتظر الناس طويلاً جداً لسماعه ومعرفته.
ما الذي يريده محمود عباس؟
مخطئ من يظن أن عباس يهدف الى اسقاط حكم حماس في غزة ليتولى هو ادارتها أو ضمها الى سلطته الكرتونية في رام الله. لقد عبر ابو مازن أكثر من مرة عن ضجره من غزة، حتى قبل وقوع الانقسام، وقال صراحة في اجتماع للمجلس المركزي في عمان وبحضور سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني: أنه يشعر بالارتياح لأن غزة (حلت عن ظهره)! والواقع أن سلوك عباس، وهذه قناعة كل من يتعامل معه عن قرب يدل بوضوح على أنه غير معني بانهاء الانفسام ويتعمد اضاعة الفرصة تلو الأخرى لاعادة العلاقة الادارية بين غزة والضفة في اطار سلطة اوسلو. ان خطاب عباس الأخير في اجتماع اللجنة المركزية لفتح كان أوضح موقف علني له بأنه غير معني بانهاء الانقسام او المصالحة مع حماس. سلوك محمود عباس بابداء الولاء للانقلاب في مصر مقابل تشديد الحصار المصري على غزة هدفه ليس انتقاماً شخصياً من غزة، ولا تعبيراً عن حقد شخصي يميز شخصية عباس حسب المقربين منه وكثير من أبناء فتح، ولكنه تنفيذ لأجندة اسرائيلية بكسر ارادة المقاومة في غزة واستكمال تفكيك حركة فتح، والحيلولة دون استعادة منظمة التحرير الفلسطينية لعافيتها ونهوضها من جديد، مقابل استمرار اسرائيل في احتضانه شخصياً وأبنائه ثم الحيلولة دون سقوط سلطته، أو ازاحته عن منصبه، أو تأليب الدول المجاورة عليه، كالأردن مثلاً التي يقيم فيها معظم وقته.
الهدف من الحصار
الواضح أن قسوة الحصار الذي تتعرض له غزة، ومعها حماس، هي النتيجة الطبيعية للجهود التي سبق ذكرها محلياً واقليمياً. لكن خروج الناس الى الشارع ثائرين على حماس، أمر مستبعد لأسباب عدة من بينها ضعف أي قوة مقابلة لحماس تنظيميا وأخلاقياً مما لا يؤهلها لتقديم بديل أفضل. حماس لم ولا تمانع في استلام قوات عباس لمعبر رفح. حماس تعرض وتحاول التنسيق الدائم مع سلطة رام الله بصفتها وكيلا للاحتلال لادخال الوقود والبضائع او تنسيق شؤون السفر عبر معبر ايرز. اسرائيل لا يهمها (من) يدير قطاع غزة او الضفة الغربية طالما (أزاح) عن كاهلها كدولة احتلال مسؤوليات قانونية وادارية كانت ملزمة بها، وحفظ أمنها، وضمن عدم ازعاجها او التشويش على مشاريعها. الذي يؤرق اسرائيل ويقلقها فعلاً في كل المشهد الفلسطيني هو المقاومة. هو حقيقة وجود فصائل وتنظيمات مسلحة في غزة، ذات عقيدة عسكرية وايديولوجية تتصادم مباشرة مع وجود اسرائيل ابتداء. هذه البؤرة يجب أن تنتهي. حاولت اسرائيل انهاءها عسكريا بحروب مدمرة في سنوات متقاربة، لكن بات واضحاً لها أن المقاومة في غزة شبت عن الطوق وليست من النوع الذي ينتهي بتصفية قيادات أو تنفيذ ضربات جوية. لذلك بد من الحصار. الطلب الاسرائيلي المستمر من الأوروبيين والأمريكيين بتزويد محمود عباس وسلطته بالأموال كلما فرغت خزينته، مربوط دائماً بالتزان عباس بمالمطلوب منه فلسطينياً. تفكيك فتح وتحطيمها، ووضع منظمة التحرير في حالة الموت السريري، وخنق غزة باعتبارها حاضنة المقاومة، هي ما تتأكد اسرائيل من تنفيذ سلطة ابو مازن له قبل أن تطلب من الأمريكيين او الأوروبيين تحويل رواتب الشهر التالي....
هل من مخرج؟
بالتاكيد يمكن لحركة حماس أن تتحرك على صعيدين داخلي وخارجي. الداخلي يتمثل في تغيير فلسفة حكمها لقطاع غزة، باعلان وسيلة وطريقة تعيين واختيار المسؤولين في كل المواقع وعلى كل المستويات، وكسر الجوزة التنظيمية الكريهة، والخروج من قوقعة التنظيم الى فضاء الشعب وقواه وامكاناته الفردية والجماعية. واجراء انتخابات شفافة وحقيقية للبلديات. وسيكون تولي كفاءات ليست من الاخوان او غير حمساوية لملفات كبرى في ادارة قطاع غزة هو الحلم الذي سيسعد كل فلسطيني لو تحقق.على الصعيد الخارجي، لا مفر امام حماس الا المحاولة مع ايران مرة اخرى وثالثة وعاشرة، واسترضائها، وتقديم تنازلات ان لزم الأمر، لأن خسارة طرف من أطرافك أقل فداحة من القبول بموتك. ولأن ايران لم تعد داعمة لحماس والمقاومة فحسب، بل باتت مفتاح المجتمع الدولي شرقاً وغرباً.
وإن حشر حماس نفسها مع الأصدقاء القدامى مثل قطر وتركيا، سينتج عنه وقوعها مرة أخرى في مطب تغير خارطة التحالفات السياسية في المنطقة، التي تقف برمتها على رمال متحركة.ويبقى الجميع ان لم ينجح ذلك كله، في انتظار دور المقاومة وفي مقدمتها كتائب القسام، فهي قادرة لو أرادت على قلب الطاولة ان استمر الحصار المشدد على غزة زمناً أطول. ان أي خطوة قد تقدم عليها كتائب القسام ستكون نابعة من حقيقة لا لبس فيها هو أن الهدف من الحصار هو كسر المقاومة وحاضنتها وليس ازاحة حماس عن الحكم.
د. عبد الله السعافين
"غزة خلصت، وحماس انتهى أمرها"..هذا ما قاله في أغسطس آب الماضي ضابط المخابرات في سلطة الضفة (ب.ب) والمسؤول عن العمليات الخارجية المشتركة مع الموساد وأجهزة أمن بعض الدول العربية. الكلام نقله لي من قيل له هذا الكلام مباشرة.
مسؤول سياسي كبير (ويملأ العالم ضجيجاً عن انهاء الانقسام و مسؤولية حماس عنه) في سلطة المقاطعة، وفي نفس الفترة، وكان يزور عمان، قال ان شهر 11 سيشهد النهاية الرسمية "لسقوط غزة وتبخر حماس".
راقبوا ما حدث لغزة خلال الشهور الثلاثة الماضية...
*جولة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأوربية التي أدهش خلالها القادة الأوروبيين بدفاعه عن الانقلاب العسكري في مصر، والتي قبض ثمنها، بتشديد الحصار المصري لغزة.
*بيانات ما يسمى ب "حركة تمرد غزة" المتتالية، والأنباء المتواترة عن لقاءات عناصر هذه الحركة مع نظرائهم المصريين للاستفادة من تجربتهم في تقويض الحكم والتعبئة الشعبية.
*مطالبة سلطة الضفة وبشكل مفاجئ بأن تدفع غزة ضرائب اضافية على المبالغ المخصصة لشراء السولار المخصص لتشغيل محطة الكهرباء.
*احتجاز سلطة الضفة لأموال المنحة الأوروبية المخصصة لدفع ثمن سولار تشغيل محطة كهرباء غزة وهدم وتفجير السلطات المصرية للأنفاق على حدود رفح، والتركيز على تفجير الأنفاق المخصصة لادخال الوقود بالذات.
*حجز السلطات المصرية للوقود القطري الذي ارسل للمساهمة في حل مشكلة كهرباء غزة، وايقاف مشاريع مد غزة بالغاز، أو حتى تشغيل محطة العريش التي تكفل البنك الاسلامي للتنمية بتمويلها.
مقابل ذلك: تصدي حكومة غزة وحركة حماس للهجمة الشرسة على غزة والحركة بالطريقة الاخوانية التقليدية، التي تقوم على التكتم وأحياناً الشكوى، وفي كثير من الأحيان التعالي على الناس وعدم ابداء الاكتراث بما يدور على اعتبار ان الحصار يطال الجميع رعية ورعاة. الاستثناء الوحيد هو البيان الذي أصدره الناطق الرسمي ايهاب الغصين الأحد، وشرح فيه بالتفصيل ما انتظر الناس طويلاً جداً لسماعه ومعرفته.
ما الذي يريده محمود عباس؟
مخطئ من يظن أن عباس يهدف الى اسقاط حكم حماس في غزة ليتولى هو ادارتها أو ضمها الى سلطته الكرتونية في رام الله. لقد عبر ابو مازن أكثر من مرة عن ضجره من غزة، حتى قبل وقوع الانقسام، وقال صراحة في اجتماع للمجلس المركزي في عمان وبحضور سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني: أنه يشعر بالارتياح لأن غزة (حلت عن ظهره)! والواقع أن سلوك عباس، وهذه قناعة كل من يتعامل معه عن قرب يدل بوضوح على أنه غير معني بانهاء الانفسام ويتعمد اضاعة الفرصة تلو الأخرى لاعادة العلاقة الادارية بين غزة والضفة في اطار سلطة اوسلو. ان خطاب عباس الأخير في اجتماع اللجنة المركزية لفتح كان أوضح موقف علني له بأنه غير معني بانهاء الانقسام او المصالحة مع حماس. سلوك محمود عباس بابداء الولاء للانقلاب في مصر مقابل تشديد الحصار المصري على غزة هدفه ليس انتقاماً شخصياً من غزة، ولا تعبيراً عن حقد شخصي يميز شخصية عباس حسب المقربين منه وكثير من أبناء فتح، ولكنه تنفيذ لأجندة اسرائيلية بكسر ارادة المقاومة في غزة واستكمال تفكيك حركة فتح، والحيلولة دون استعادة منظمة التحرير الفلسطينية لعافيتها ونهوضها من جديد، مقابل استمرار اسرائيل في احتضانه شخصياً وأبنائه ثم الحيلولة دون سقوط سلطته، أو ازاحته عن منصبه، أو تأليب الدول المجاورة عليه، كالأردن مثلاً التي يقيم فيها معظم وقته.
الهدف من الحصار
الواضح أن قسوة الحصار الذي تتعرض له غزة، ومعها حماس، هي النتيجة الطبيعية للجهود التي سبق ذكرها محلياً واقليمياً. لكن خروج الناس الى الشارع ثائرين على حماس، أمر مستبعد لأسباب عدة من بينها ضعف أي قوة مقابلة لحماس تنظيميا وأخلاقياً مما لا يؤهلها لتقديم بديل أفضل. حماس لم ولا تمانع في استلام قوات عباس لمعبر رفح. حماس تعرض وتحاول التنسيق الدائم مع سلطة رام الله بصفتها وكيلا للاحتلال لادخال الوقود والبضائع او تنسيق شؤون السفر عبر معبر ايرز. اسرائيل لا يهمها (من) يدير قطاع غزة او الضفة الغربية طالما (أزاح) عن كاهلها كدولة احتلال مسؤوليات قانونية وادارية كانت ملزمة بها، وحفظ أمنها، وضمن عدم ازعاجها او التشويش على مشاريعها. الذي يؤرق اسرائيل ويقلقها فعلاً في كل المشهد الفلسطيني هو المقاومة. هو حقيقة وجود فصائل وتنظيمات مسلحة في غزة، ذات عقيدة عسكرية وايديولوجية تتصادم مباشرة مع وجود اسرائيل ابتداء. هذه البؤرة يجب أن تنتهي. حاولت اسرائيل انهاءها عسكريا بحروب مدمرة في سنوات متقاربة، لكن بات واضحاً لها أن المقاومة في غزة شبت عن الطوق وليست من النوع الذي ينتهي بتصفية قيادات أو تنفيذ ضربات جوية. لذلك بد من الحصار. الطلب الاسرائيلي المستمر من الأوروبيين والأمريكيين بتزويد محمود عباس وسلطته بالأموال كلما فرغت خزينته، مربوط دائماً بالتزان عباس بمالمطلوب منه فلسطينياً. تفكيك فتح وتحطيمها، ووضع منظمة التحرير في حالة الموت السريري، وخنق غزة باعتبارها حاضنة المقاومة، هي ما تتأكد اسرائيل من تنفيذ سلطة ابو مازن له قبل أن تطلب من الأمريكيين او الأوروبيين تحويل رواتب الشهر التالي....
هل من مخرج؟
بالتاكيد يمكن لحركة حماس أن تتحرك على صعيدين داخلي وخارجي. الداخلي يتمثل في تغيير فلسفة حكمها لقطاع غزة، باعلان وسيلة وطريقة تعيين واختيار المسؤولين في كل المواقع وعلى كل المستويات، وكسر الجوزة التنظيمية الكريهة، والخروج من قوقعة التنظيم الى فضاء الشعب وقواه وامكاناته الفردية والجماعية. واجراء انتخابات شفافة وحقيقية للبلديات. وسيكون تولي كفاءات ليست من الاخوان او غير حمساوية لملفات كبرى في ادارة قطاع غزة هو الحلم الذي سيسعد كل فلسطيني لو تحقق.على الصعيد الخارجي، لا مفر امام حماس الا المحاولة مع ايران مرة اخرى وثالثة وعاشرة، واسترضائها، وتقديم تنازلات ان لزم الأمر، لأن خسارة طرف من أطرافك أقل فداحة من القبول بموتك. ولأن ايران لم تعد داعمة لحماس والمقاومة فحسب، بل باتت مفتاح المجتمع الدولي شرقاً وغرباً.
وإن حشر حماس نفسها مع الأصدقاء القدامى مثل قطر وتركيا، سينتج عنه وقوعها مرة أخرى في مطب تغير خارطة التحالفات السياسية في المنطقة، التي تقف برمتها على رمال متحركة.ويبقى الجميع ان لم ينجح ذلك كله، في انتظار دور المقاومة وفي مقدمتها كتائب القسام، فهي قادرة لو أرادت على قلب الطاولة ان استمر الحصار المشدد على غزة زمناً أطول. ان أي خطوة قد تقدم عليها كتائب القسام ستكون نابعة من حقيقة لا لبس فيها هو أن الهدف من الحصار هو كسر المقاومة وحاضنتها وليس ازاحة حماس عن الحكم.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية