انطلاقة حماس..تحدي اللحظة وسؤال المستقبل ...بقلم : د. عدنان أبو عامر

الأربعاء 12 ديسمبر 2012

انطلاقة حماس..تحدي اللحظة وسؤال المستقبل

د. عدنان أبو عامر

بينما تحيي حركة المقاومة الإسلامية حماس ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين تشعر أنها بلغت بهذه المرحلة الزمنية ذروة مجدها وأقصى ما تتمناه أي حركة سياسية، في حين ينظر إليها الخصوم بمشاعر يختلط فيها الإعياء بالحنق من كثرة الإحباط الذي ألم بمخططاتهم لاستئصالها، والقضاء عليها، وفي الوقت نفسه يبدو المجال متاحًا للحديث في محاور هامة، لابد للحركة من أن تقرأها جيدًا، وتتأمل ما بين سطورها الذي ليس بالضرورة أن يكون واضحًا وضوح العنوان الوارد أعلاه.

وقد فاجأتني _كما فاجأت غيري_ الأعداد التي فاقت الحصر في مهرجان انطلاقة حماس الأخير في غزة، لاسيما في ظل حضور مختلف الفئات والمستويات، وبغض النظر عن الأرقام التي ذكرت، إن هذه الشعبية المتنامية لحماس في قطاع غزة تحديدًا تضع نقاطًا هامة، بخصوص ما قد تستفيده الحركة فعلًا من شعبيتها هذه، في ظل أن التوقعات والاستطلاعات "الموجهة" تؤكد أن شعبيتها وجماهيريتها بالقطاع المحاصر (إسرائيليًّا) وفلسطينيًّا وعربيًّا ودوليًّا تراجعت، بما لا يدع مجالًا للشك، شاءت حماس أم أبت.

أهم هذه النقاط التي تتطلب وقفة جادة وتاريخية من قيادة حماس في الداخل والخارج:
1- قدرة حماس على استقطاب هذا العدد الهائل في ظل حصار محكم الإغلاق يوجب على حماس أن تقيم لجماهيرها ومناصريها، من أفراد الشعب العاديين غير المؤطرين؛ تماثيل من الأحجار الكريمة، وهنا لابد لحماس أن تنظر بعين أكثر حرصًا وتحسسًا لأوضاعهم، هناك جهود تبذل نعم، لكن حشود الجماهير الأخيرة تضع مسؤوليات كبيرة على الحكومة والحركة.

2- الحشود المؤلفة التي وصلت إلى مهرجان الانطلاقة تحتم على حماس البقاء على ثوابتها السياسية الوطنية، والإثبات لهذه الجماهير أنها على العهد والقسم الذي من أجله ذهب الشهداء الذين تزينت بصورهم ساحة المهرجان، وألا تخضع لحملات الترهيب والترغيب التي تمارس عليها، من الأصدقاء والخصوم على حد سواء؛ لأن لسان حال تلك الجماهير كان بصوت عال: "لا تصالح، لا تصالح".

3- لا أظن _ولو لحظة واحدة_ أن أي تنظيم تصل جماهيريته وشعبيته إلى هذه الدرجة يسعى للمزيد من الاستقطاب، واستيعاب المزيد من الأنصار والمؤيدين، فقد وصلت حماس إلى مختلف البيوت والعائلات، ونادرًا ما تجد بيتا ليس فيه مؤيد للحركة أو مناصر لها، فضلًا أن يكون مؤطرًا في صفوفها.

وتبدو حماس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باجتراح بعض "الميكانيزمات" والآليات التي يجب أن تتسلح بها لاجتياز هذا التحدي، ما يمكن أن يمنحها بجدارة براءة الاختراع الخاصة بابتكار وصفة جديدة من الحكم، وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج من التحديات الضمنية والمعلنة.

4- السلطة والمقاومة: لم يكن انتقال حماس من المعارضة إلى السلطة انتقالًا مكانيًّا، من موقع إلى موقع، بل انتقال زماني، من الدعوة إلى الدولة، من لحظة الفعل الذي يحكمها مبدأ الواجب الشرعي والوطني إلى لحظة يؤسسها مبدأ الممكن السياسي، من "الأيديولوجيا" إلى السياسة، من "الإستراتيجية" إلى التكتيك، من الأهداف العليا إلى المرحلية.

وبالتالي قدر كل "أيديولوجيا" أن تنزل من عليائها النظري إلى الواقع حين تصطدم بالسياسة؛ لأنه من الصعوبة بمكان المحافظة على "العذرية الثورية" حين تترجل وتمشي على الأرض؛ لأنها ستصبح في هذه الحالة كائنًا ماديًّا نسبيًّا تسري عليه نواميس التحول.

5- اللون الواحد: من نافلة القول إن حماس بذلت جهودًا مضنية لتشكيل حكومة ائتلافية تشكل "قوس قزح" فلسطيني، يحظى بإجماع شعبي وطني، لكن الحسابات المختلفة لجميع الأطراف أعاقت خروج هذه الحكومة إلى حيز الوجود، ومع ذلك إن حماس في ذكرى انطلاقتها تبدو مطالبة أن تدير هذه البقعة الجغرافية بآليات أكثر انفتاحًا على الكفاءات الفلسطينية التي لا تنتمي بالضرورة لها.

على الصعيد التنظيمي، حافظت حماس طوال 25 عامًا على انتقال سلس للمواقع التنظيمية، غير المكشوفة على نطاق واسع، دون أن تشهد صراعات حزبية، واستقطابات تنظيمية، مع أنه ليس محرمًا محظورًا، لكنه بقي داخل البيت الواحد.

6- الخطاب السياسي: وضع انتقال حماس من موقع لآخر تحديات كبيرة عليها، وكأنها تنتقل من آفاق المعارضة الرحبة إلى أزقة السياسة الضيقة، وهو ما قد يستغربه أنصارها وهم يرون قادتهم يتحدثون عن خريطة الطريق والرباعية، والرغبة في وصول المنطقة للاستقرار الدائم، ما يضع على حماس عبئًا تنظيميًّا يركز في الحديث إلى الداخل، وإن شئت داخل الداخل، وهو ما يحتم عليها على قواعدها وأنصارها ألا يكبلوا حركتهم بثوابت متوهمة، أو مخلوطة بالأمنيات، وعليهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل بعض الخسائر والتراجعات، وأن يتذكروا أن السياسة تمتد بين المطلقات التي يستشهد في سبيلها ولا يجوز التنازل عنها، وبين الضرورات التي تبيح المحظورات، وأن يوسعوا ثقافتهم باتجاه المتغيرات، وأخف الضررين وأقل الشرين، بنفس القدر من ثقافتهم حول الثوابت والعزائم والأصول.

أخيرًا، تدخل حماس عامها الـ26 من عمرها وهي تبدو أكثر انتشارًا من ذي قبل، وأقل عرضة للاستئصال والغياب عن المشهد السياسي، مع عدم تناسي جسامة التحديات التي مازالت في طريقها، ما يحتم عليها أن تكون أكثر حذرًا في التعامل مع العدو المحتل، وأقل توجسًا من المختلف الوطني.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية