انهيار من الداخل
د. يوسف رزقة
(يوفال ديسكن) ترأس الشاباك الصهيوني بين 2005- 2011م وهو مطّلع على أحوال القيادات الصهيونية التي عمل معها في هذه الفترة أمثال نتنياهو وباراك وليفني وموفاز ومن سبقهم من أمثال رابين ومناحيم بيغن.
رجل الشاباك القوي (ديسكن) يرى أن نتنياهو ليس كبيغن أو رابين أو شارون، هو يريد أن يفعل شيئاً كبيراً مثلهم، ولكنه لا يستطيع لأن تركيبته الشخصية لا تسمح له بذلك.
يقول ديسكن في نتنياهو إن شخصيته مكونة من مزيج من الأيديولوجيا والشعور بأنه أمير من العائلة المالكة والنخبة المقدسة إلى جانب انعدام الثقة والخوف العميق من القرارات وتحمل المسئولية. إن شخصية نتنياهو ليست مبنية لاتخاذ قرارات بحجم كبير.
بيغن صنع كامب ديفيد، ورابين وقع أوسلو، وشارون انسحب من قطاع غزة، و نتنياهو لا يستطيع شيئاً من ذلك ؛ لأن شخصيته فاقدة للقدرة على القرار الجريء، وأحلامه أكبر من قدراته وهو مقيّد بأيديولوجيا يمينية تكبله.
ديسكن لا يرى مشكلة في النووي الإيراني، بينما يحاول نتنياهو أن يصرف الاهتمام الإسرائيلي والأمريكي نحو إيران. الرجل يرى المشكلة في حماس وفي موقف نتنياهو من محمود عباس. حماس في نظر ديسكن خطر في قلب البيت، وإضعاف عباس بالاستيطان غلط، وعلى نتنياهو استعادة التفاوض لإضعاف حماس، وبدون ذلك فإن انتفاضة ثالثة عمل متوقع في الضفة الغربية.
وكما شخّص ديسكن (الملك أو الأمير المقدس نتنياهو) وكشف عن عيوب شخصيته كقائد وكصاحب قرار، كشف أيضا عن عيوب المجتمع الإسرائيلي فقال إنه يعاني من تطرف نحو اليمين ومن شرخ عميق بين المتدينين والعلمانيين، وكراهية للأجانب وانعدام المساواة وسيطرة الحكومة على وسائل الإعلام وتعيين موالين في وزارة العدل والنيابة العامة، والأسوأ هو تعميق الشعور لدى الجمهور أنه لا يمكن تغيير شيء. كل هذه العيوب والأخطار تقف صغيرة أمام خطر الهجرة من (إسرائيل) حيث يقول ديسكن إن استطلاع رأي أظهر أن 30% من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة من (إسرائيل) إلى خارجها، وهذا أخطر من القنبلة الإيرانية، لأن الدولة تتفتت ببطء من الداخل.
انهيار (إسرائيل) من داخلها هو أخطر ما يواجه دولة الاحتلال ومجتمع البغي والعدوان. المجتمع الصهيوني لا يملك حصانة ضد الانهيار والتفتت الداخلي، فهو مجتمع مكون أصلا من فسيفساء غير متجانسة لأقليات يهودية وصهيونية تحمل في داخلها رغبة دفينة للعودة إلى مواطنها الأصلية، ولم تعد فكرة صهيون ومشاعر الأرض المقدسة ذات جاذبية. ما يقوله ديسكن عن انهيار الدولة وتفكك المجتمع حقيقة قال بها علماء الاجتماع السياسي. لقد قال علماء الاجتماع بهذه الحقيقة قبل أن تتبلور الأخطار العملية التي تهدد استقرار هذا المجتمع الغاصب.
لم يكن العلماء الذين قرروا هذه النتيجة يعطون مساحة حقيقية لخطر تقنية الصواريخ أو لخطر تحولات الربيع العربي واستعادة القيادات الإسلامية للحكم ولقيادة المجتمع، وجل نظريتهم بنوها على قضايا المجتمع الإسرائيلي نفسه، وهي عينها القضايا التي ذكرها ديسكن في كلامه آنف الذكر، ولكنه زاد على العلماء بالإعلان الصريح عن غياب شخصية القائد أو رجل الدولة الذي يستطيع أخذ القرار الكبير في الوقت المناسب. مجتمع يتفكك داخلياً وقيادة غائبة يعني أن فلسطين على مفترق طرق.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية