بعث الانقسام
أعاد موقف السلطة الفلسطينية المعارض لمشاركة رئيس الوزراء إسماعيل هنية في قمة دول عدم الانحياز نهاية الشهر الجاري في العاصمة الإيرانية طهران الانقسام الفلسطيني إلى الواجهة السياسية من جديد، بعدما تراجع هذا الانقسام خلال الفترة الماضية إلى أدنى درجة له، لأسباب كثيرة كان أهمها انشغال الشعب الفلسطيني في همومه الكثيرة التي تتقاذفه على مدار الساعة، الأمر الذي يبدو بأنه قد غاب عن بال السلطة الفلسطينية على وجه التحديد، التي جندت في الأيام الأخيرة كل طاقاتها وإمكاناتها الإعلامية، لإشعار الشعب الفلسطيني بأن مشاركة هنية في القمة هي نهاية القضية الفلسطينية، ولم تكتف السلطة بذلك بل ذهبت إلى أبعد منه، حينما وجهت أصابع الاتهام المباشر لإيران و"حماس" معًا بالتساوق مع (إسرائيل) لنزع الشرعية عن الرئيس محمود عباس، وأن دعوة هنية للمشاركة في القمة هي تأكيد على صحة زعمها.
إن هذه الاتهامات وغيرها لإيران وحركة "حماس" معًا- غير المقبولة-، والتي بالإضافة إلى كونها تفتقد إلى أبسط القيم الأخلاقية والأدبية في التعامل السياسي، قد كشفت بصدق حالة "العقم" السياسي للسلطة الفلسطينية في التعامل مع القضايا "الخلافية" داخل البيت الفلسطيني من جانب، وحقيقة القائمين على العمل السياسي داخل مؤسسة السلطة من جانب آخر، والتي كانت ولاتزال ليست سببًا في تعميق الانقسام الفلسطيني، بل سببًا رئيسًا في وجود الانقسام نفسه في العام 2007م، الذي كان بالإمكان تجنب ويلاته بالكامل، لو أصغت السلطة إلى صوت العقل واعترفت في العام 2006م بنتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها حركة "حماس" بغالبية الأصوات، ولكن يبدو بأن كل ما جرى منذ تلك الفترة وإلى اليوم غير كاف لإقناع القائمين على العمل السياسي داخل مؤسسة السلطة بتغيير موقفهم السياسي "السلبي" من حركة "حماس".
لقد كشفت الأيام الأخيرة للشعب الفلسطيني الرغبة "المبيتة" للبعض داخل أروقة السلطة الفلسطينية في إعادة "بعث" الانقسام مرة أخرى بكل السبل والطرق غير الأخلاقية، وأن مسألة مشاركة هنية في قمة دول عدم الانحياز- في حدود علمي- لم تكن أكثر من "ذريعة" تلقفتها هذه الأطراف لبعث الانقسام من جديد، بعدما اعتقد الكثير من الشعب الفلسطيني بأن الوقت قد حان لتهيئة الأسباب جميعًا للمصالحة الفلسطينية، بعدما تأكد للجميع أن أسباب الانقسام لم تعد مقنعة لأحد، ويمكن القول بأن دعوة هنية للمشاركة في قمة دول عدم الانحياز بطهران كان يمكن أن تكون مدخلا حقيقيًا للمصالحة الوطنية وليس العكس، وذلك لو توفرت النوايا الطيبة داخل مؤسسة السلطة للقبول بفكرة هنية تشكيل وفد فلسطيني مشترك للمشاركة في القمة، للتأكيد للعالم بأن الشعب الفلسطيني واحد، وأن الانقسام يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن أعتقد أن "العقم" السياسي الذي تعانيه السلطة كان ولايزال هو السبب الرئيس وراء رفض هذا المقترح على الفور، بخلاف الأسباب الكثيرة غير المقنعة التي ساقتها السلطة لتبرير هذا الرفض.
ولعل حالة "العقم" السياسي هي التي "زينت" للسلطة بأن تراجع هنية عن المشاركة في قمة دول عدم الانحياز هو تأكيد على صواب موقفها السياسي هذه المرة، ولكن أعتقد أن السبب وراء هذا التراجع هو رغبة هنية في تذليل كل الصعاب أمام تحقيق المصالحة الفلسطينية، وذلك حتى لا يسجل عليه أحد بأنه قد أعطى الفرصة للبعض داخل السلطة لبعث الانقسام من جديد، وأعتقد أن من جملة الأسباب لتراجعه عن المشاركة هو إدراكه أن مسألة المشاركة في القمة ليست أهم من زياراته مطلع العام الحالي إلى كل من: مصر، تونس، السودان، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة التي استقبلته كرئيس وزراء منتخب، وذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وعلى وجه التحديد من السلطة الفلسطينية نفسها، التي لم تملك حتى "معاتبة" هذه العواصم على هذا الاستقبال.
ويمكن القول بأن نجاح السلطة الفلسطينية في التأثير على إيران للتراجع عن دعوة هنية للمشاركة في القمة، لم تكن بسبب الضغوط التي مارستها السلطة كما تحاول الأخيرة الزعم، ولكن تبقى الرغبة الإيرانية في حشد دول عدم الانحياز خلفها في مواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها هو السبب، ولو كانت إيران في وضع غير الوضع الحالي لغلبت زيارة هنية على زيارة عباس حضور القمة، وذلك لعمق العلاقات التي تربطها بحكومة رئيس الوزراء هنية وحركة "حماس" معًا، و قبل كل ذلك عدم مشروعية مطلب السلطة في عدم استقبال هنية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية