تبدأ بخطوة
د.ديمة طهبوب
في عام 1897 كان اليهود شرذمة يعانون الاضطهاد والاحتقار والاستعباد حول العالم وكانوا معزولين في أماكن سكناهم ولا يسمح لهم بمخالطة الشعب إلى أن عقد مؤتمر بال في سويسرا الذي ضم مئتي شخص من سبع عشرة دولة وفيه تقرر إنشاء وطن قومي لليهود.
بعدها كتب هرتزل في 1/9/1897 في مذكراته "لو أردت تلخيص ما حدث في بال لقلت: لقد أنشأنا الدولة اليهودية ولكن العالم وقتها كان سيضحك علينا ولكنهم بعد خمسين سنة لن يضحكوا عندما يرونها حقيقة".
وبالفعل نفّذ وعده من جاء بعده وورثوا مشروعه وتحوّل المؤتمر الصهيوني الأول إلى أكثر من حبر على ورق، وبعد واحد وخمسين سنة بالضبط تم إعلان إنشاء دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
بدأ الأمر بحلم يشبه المستحيل في رأس هرتزل وجمع له مجموعة مؤثرة من أصحاب القرار والأعمال في الجاليات والطوائف اليهودية ثم وضع الأفكار على الورق وحوّلها إلى برنامج عمل دفع أغنياء اليهود لإنجازه ثروات طائلة لتجميع اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين.
وكان ممّا أقرّه المؤتمر أيضا إحياء الثقافة والشعور القومي اليهودي والعقيدة اليهودية فيما يختص بالأرض المقدسة وأرض الميعاد وبالفعل تم تربية أجيال ما قبل إنشاء "إسرائيل" في دولهم المختلفة على ثقافة مغرقة في التطرف والاستعلاء والحق المقدس! وقد يقول قائل ما فائدة التربية، فالأهم هي القوة العسكرية التي تفرض الواقع على الأرض، إلاّ أنّ ذلك الجيل الذي تربّى على المعاني الصهيونية هو الذي كان رأس الحربة في العصابات الصهيونية وجيش الدفاع وقيادات الكيان الصهيوني وما زال فكرهم هو الذي يحكم سياسات الدولة حتى الآن.
وبالمقابل فإنّ التقليل من أيّة فكرة وشعور وخطوة في تحرير فلسطين ودرّتها القدس هو ترسيخ لمنطق الهزيمة، فالدول تُسترد بالقوة النفسية والعدّة التربوية التي تهيئ الجنود بقدر ما تسترد بقوة السلاح والعتاد.
لقد تراجع الاهتمام بالقدس وفلسطين واتخذ بعدا إقليميا في ظل مشاريع التسوية الانهزامية والتفريطية ونشأت أجيال لم تعد تحمل للقدس ولا لفلسطين انتماء عروبيا قوميا أو إسلاميا عالميا وفي ظل غياب الحل العسكري والجهادي وكل الخيارات باستثناء تسويات الخيانة والبيع تغدو العودة للمربع الأول بإحياء الروح والتمسك بالمقدسات بإشعال الأشواق الروحية في الأجيال القادمة هي الخطوة الأولى في معركة طويلة الأمد كما نعرف ونؤمن بما ورد في أدبياتنا الدينية،
ومن هنا تأتي المسيرة العالمية إلى القدس بشعارها «شعوب العالم تريد تحرير القدس» لتشكّل خطوة هامة في تكوين جيل التحرير وإعادة القدس إلى صدارة اهتمامات الأمة، كما ويأتي اليوم الذي يتم فيه عقد المسيرة ونشاطاتها المختلفة في 7/6 من كل عام وهو ذكرى ما يعرف بالنكسة حين تم احتلال القدس ليعيد تقديم المفاهيم بقالب آخر للأجيال القادمة، فالإصرار على ثقافة ولغة الهزيمة وإحياء الذكرى بالبكائيات وثقافة اللطم سيزيد من الشعور بالانهزام والخذلان، أمّا تقديم المناسبة بنفس ورؤية ولغة النهوض والعودة والتحرير فهو بداية الانتقال من دور الضحية إلى دور المنتصر ومن حالة المفعول به إلى حالة الفاعل ومن حالة الغياب إلى حالة الوجود والمبادرة، فالنصر أوّله فكرة، فكيف إذا اجتمع معها عمل وخطوة رمزية باجتماع جميع العاملين والمحبين للقدس حول العالم في مواقع مختلفة للتأكيد على رسالة واحدة هي تحرير القدس؟
صلاح الدين احتاج إلى ست عشرة سنة ليوحّد مصر والشام لاسترداد القدس وكانت نفوس الناس وقوة المسلمين يومها أفضل بكثير ممّا نحن عليه الآن، وفي غضون الست عشرة سنة كانت خطب رفيقه القاضي الفاضل، وزواجه من امرأة نور الدين زنكي، وصلاته ودعاء جنوده في قيام الليل، وهمّه واهتمامه بأمر القدس هي من أعظم أسلحته للتحرير ومن يعتقد أنّ الكلمة الفصل هي للقوة والسلاح التقليدي فقط لا يعرف شيئا عن التاريخ.
للمسير تاريخ في حياة المسلمين، فما معركة وقصة انتصار إلاّ وقد سار لها أجدادنا حتى تمزّقت نعالهم ورقعوها كما حصل في غزوة ذات الرقاع إلاّ أنّ طول المسير ووعورة الطريق وصعوبة المحيط وقوة الخصم لم تفتّ في عضدهم ولا عزمهم والمسير إلى القدس وتحريرها يتطلّب ذات الإيمان وذات الصبر وذات التصميم على رقع كل ما انخرق في إيمان وثقافة وقوة الأمة المعنوية والمادية وتربيتها.
قال هرتزل في كتابه الأرض القديمة الجديدة: «أنا مؤمن تماما بأنّي على حق ولكني أشك إن كنت سأعيش إلى اليوم الذي أرى فيه تحقيق ما أؤمن به، ولكن يكفيني شرف وضع حجر الأساس والبدء في استرجاع تاريخ ودولة وحياة الشعب اليهودي وسيكمل من بعدي الشباب اليهودي المتحمس ولن ينفع الإبعاد والظلم في القضاء علينا، ففلسطين هي أرضنا التاريخية التي لا يمكن نسيانها».
مات هرتزل قبل أربع وأربعين سنة من تحقيق حلمه ولكنه خطى الخطوة الأولى في الرحلة وخرج بالشعب اليهودي من عقود من التيه من زمن سيدنا موسى.
كيانه المصطنع بدأ بحلم وفكرة وتمثَّل في السرطان الذي نراه اليوم! ومن استقل بالحلم والفكرة لن يصل يوما إلى مرحلة التحقيق والوجود.
تحرير القدس يبدأ بخطوة فهل سرت خطوتك؟ وهل مهّدت للأجيال القادمة دربهم للوصول إن لم يسعفك العمر بأن تكون من المحررين؟
اليوم موعدنا مع خطوة أخرى لتحرير القدس في المسيرة العالمية إلى القدس حري بنا أن لا نتأخر عنها ولو أتيناها حبواً.
اللهم إنّا نعوذ بك من جلد أصحاب الضلال وعجز أصحاب الحق.
د.ديمة طهبوب
في عام 1897 كان اليهود شرذمة يعانون الاضطهاد والاحتقار والاستعباد حول العالم وكانوا معزولين في أماكن سكناهم ولا يسمح لهم بمخالطة الشعب إلى أن عقد مؤتمر بال في سويسرا الذي ضم مئتي شخص من سبع عشرة دولة وفيه تقرر إنشاء وطن قومي لليهود.
بعدها كتب هرتزل في 1/9/1897 في مذكراته "لو أردت تلخيص ما حدث في بال لقلت: لقد أنشأنا الدولة اليهودية ولكن العالم وقتها كان سيضحك علينا ولكنهم بعد خمسين سنة لن يضحكوا عندما يرونها حقيقة".
وبالفعل نفّذ وعده من جاء بعده وورثوا مشروعه وتحوّل المؤتمر الصهيوني الأول إلى أكثر من حبر على ورق، وبعد واحد وخمسين سنة بالضبط تم إعلان إنشاء دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
بدأ الأمر بحلم يشبه المستحيل في رأس هرتزل وجمع له مجموعة مؤثرة من أصحاب القرار والأعمال في الجاليات والطوائف اليهودية ثم وضع الأفكار على الورق وحوّلها إلى برنامج عمل دفع أغنياء اليهود لإنجازه ثروات طائلة لتجميع اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين.
وكان ممّا أقرّه المؤتمر أيضا إحياء الثقافة والشعور القومي اليهودي والعقيدة اليهودية فيما يختص بالأرض المقدسة وأرض الميعاد وبالفعل تم تربية أجيال ما قبل إنشاء "إسرائيل" في دولهم المختلفة على ثقافة مغرقة في التطرف والاستعلاء والحق المقدس! وقد يقول قائل ما فائدة التربية، فالأهم هي القوة العسكرية التي تفرض الواقع على الأرض، إلاّ أنّ ذلك الجيل الذي تربّى على المعاني الصهيونية هو الذي كان رأس الحربة في العصابات الصهيونية وجيش الدفاع وقيادات الكيان الصهيوني وما زال فكرهم هو الذي يحكم سياسات الدولة حتى الآن.
وبالمقابل فإنّ التقليل من أيّة فكرة وشعور وخطوة في تحرير فلسطين ودرّتها القدس هو ترسيخ لمنطق الهزيمة، فالدول تُسترد بالقوة النفسية والعدّة التربوية التي تهيئ الجنود بقدر ما تسترد بقوة السلاح والعتاد.
لقد تراجع الاهتمام بالقدس وفلسطين واتخذ بعدا إقليميا في ظل مشاريع التسوية الانهزامية والتفريطية ونشأت أجيال لم تعد تحمل للقدس ولا لفلسطين انتماء عروبيا قوميا أو إسلاميا عالميا وفي ظل غياب الحل العسكري والجهادي وكل الخيارات باستثناء تسويات الخيانة والبيع تغدو العودة للمربع الأول بإحياء الروح والتمسك بالمقدسات بإشعال الأشواق الروحية في الأجيال القادمة هي الخطوة الأولى في معركة طويلة الأمد كما نعرف ونؤمن بما ورد في أدبياتنا الدينية،
ومن هنا تأتي المسيرة العالمية إلى القدس بشعارها «شعوب العالم تريد تحرير القدس» لتشكّل خطوة هامة في تكوين جيل التحرير وإعادة القدس إلى صدارة اهتمامات الأمة، كما ويأتي اليوم الذي يتم فيه عقد المسيرة ونشاطاتها المختلفة في 7/6 من كل عام وهو ذكرى ما يعرف بالنكسة حين تم احتلال القدس ليعيد تقديم المفاهيم بقالب آخر للأجيال القادمة، فالإصرار على ثقافة ولغة الهزيمة وإحياء الذكرى بالبكائيات وثقافة اللطم سيزيد من الشعور بالانهزام والخذلان، أمّا تقديم المناسبة بنفس ورؤية ولغة النهوض والعودة والتحرير فهو بداية الانتقال من دور الضحية إلى دور المنتصر ومن حالة المفعول به إلى حالة الفاعل ومن حالة الغياب إلى حالة الوجود والمبادرة، فالنصر أوّله فكرة، فكيف إذا اجتمع معها عمل وخطوة رمزية باجتماع جميع العاملين والمحبين للقدس حول العالم في مواقع مختلفة للتأكيد على رسالة واحدة هي تحرير القدس؟
صلاح الدين احتاج إلى ست عشرة سنة ليوحّد مصر والشام لاسترداد القدس وكانت نفوس الناس وقوة المسلمين يومها أفضل بكثير ممّا نحن عليه الآن، وفي غضون الست عشرة سنة كانت خطب رفيقه القاضي الفاضل، وزواجه من امرأة نور الدين زنكي، وصلاته ودعاء جنوده في قيام الليل، وهمّه واهتمامه بأمر القدس هي من أعظم أسلحته للتحرير ومن يعتقد أنّ الكلمة الفصل هي للقوة والسلاح التقليدي فقط لا يعرف شيئا عن التاريخ.
للمسير تاريخ في حياة المسلمين، فما معركة وقصة انتصار إلاّ وقد سار لها أجدادنا حتى تمزّقت نعالهم ورقعوها كما حصل في غزوة ذات الرقاع إلاّ أنّ طول المسير ووعورة الطريق وصعوبة المحيط وقوة الخصم لم تفتّ في عضدهم ولا عزمهم والمسير إلى القدس وتحريرها يتطلّب ذات الإيمان وذات الصبر وذات التصميم على رقع كل ما انخرق في إيمان وثقافة وقوة الأمة المعنوية والمادية وتربيتها.
قال هرتزل في كتابه الأرض القديمة الجديدة: «أنا مؤمن تماما بأنّي على حق ولكني أشك إن كنت سأعيش إلى اليوم الذي أرى فيه تحقيق ما أؤمن به، ولكن يكفيني شرف وضع حجر الأساس والبدء في استرجاع تاريخ ودولة وحياة الشعب اليهودي وسيكمل من بعدي الشباب اليهودي المتحمس ولن ينفع الإبعاد والظلم في القضاء علينا، ففلسطين هي أرضنا التاريخية التي لا يمكن نسيانها».
مات هرتزل قبل أربع وأربعين سنة من تحقيق حلمه ولكنه خطى الخطوة الأولى في الرحلة وخرج بالشعب اليهودي من عقود من التيه من زمن سيدنا موسى.
كيانه المصطنع بدأ بحلم وفكرة وتمثَّل في السرطان الذي نراه اليوم! ومن استقل بالحلم والفكرة لن يصل يوما إلى مرحلة التحقيق والوجود.
تحرير القدس يبدأ بخطوة فهل سرت خطوتك؟ وهل مهّدت للأجيال القادمة دربهم للوصول إن لم يسعفك العمر بأن تكون من المحررين؟
اليوم موعدنا مع خطوة أخرى لتحرير القدس في المسيرة العالمية إلى القدس حري بنا أن لا نتأخر عنها ولو أتيناها حبواً.
اللهم إنّا نعوذ بك من جلد أصحاب الضلال وعجز أصحاب الحق.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية