تفعيل العمل العربي المشترك
د.عصام عدوان
أثبتت جامعة الدول العربية عدم قدرتها على تفعيل قراراتها المتعاقبة بشأن العمل العربي المشترك. ويرجع سبب ذلك إلى ضعف الإرادة العربية على المستويين الرسمي والشعبي من جهة، وإلى الارتهان للقوى الدولية الخارجية من جهة ثانية. وما كان الحديث عن وجود معوقات داخلية إلا لتبرير هذا التقاعس؛ أو قل: الخيانة العربية لقرارات الشراكة والتنسيق والوحدة والتكامل التي مجّتها الشعوب العربية ولم تعد تطيق سماعها وهي ترى الويلات تحل بالأمة العربية دون أن يحرك أحدهم ساكناً.فقد وقع السادات الصلح مع (إسرائيل) منفرداً. وهاجم التحالف الدولي العراق في عام 1991م رغم توقيعه اتفاقيات الدفاع المشترك مع عدد من الدول العربية، اشتركت في العدوان عليه. وهاجمت (إسرائيل)لبنان أكثر من مرة دون تدخل عربي. وأغارت على تونس والسودان وسوريا والعراق في محطات مختلفة دون أي حراك عربي. وتم تقسيم السودان دون أي موقف عربي؛ وكأن السودان أرض الأعداء! وتسرق (إسرائيل)الغاز العربي المصري والفلسطيني واللبناني من البحر المتوسط وفي المياه الاقتصادية المصرية دون أن يتحرك لذلك أحد. ويفتك النظام السوري بشعبه كما التتار، ولا تتحرك لنجدتهم أي نخوة عربية. ويُشرّد الفلسطينيون من العراق وسوريا ولا مغيث. وغير ذلك الكثير من مظاهر الذلة التي أطبقت على الأمة العربية فلم تعد تشعر بألم الذلة والمهانة من كثرتها.
لقد جاءت ثورات الربيع العربي رداً حاسماً على كل هذا الخذلان العربي الرسمي، فأيقظت الأمة من سُباتها العميق. ورفعت رأس الأمة العربية عالياً بين الأمم. وأثبتت أن الأمة لا تموت، وأن الخير فيها إلى يوم القيامة. وحان وقت الفعل الإيجابي. وحان وقت المواقف الرجولية. وحان وقت التغيير نحو الأفضل.
إن دول الربيع العربي؛ وخصوصاً: مصر وليبيا وتونس وحكومة حماس في قطاع غزة، مدعوة اليوم للقيام بالواجب الذي عطلته أنظمة بائدة ثارت عليها شعوبها وأزاحتها. ذلك الواجب الذي تتطلع إليه كل الشعوب العربية وليس فقط شعوب الربيع العربي. فالأمل معقود في هذه الدول المتحررة من هيمنة الأجنبي، والتي تتمتع بدعم وتأييد ومناصرة شعوبها. والمطلوب من هذه الدول:
1- تشكيل إطار عمل مشترك، سواء تنسيقي أو تكاملي أو وحدوي لخدمة قضاياها الداخلية والخارجية، وقضايا الأمة، ونصرة المظلم حيثما كان.
2- توقيع معاهدة تحالف بين دول الربيع العربي لتقديم كل دعم مادي ومعنوي للثورات العربية التي تنطلق من تلقاء نفسها لرفع الظلم عن كاهلها. ويشمل هذا التحالف ممارسة أشكال من الضغط المعنوي والاقتصادي على الدول التي تدعم الأنظمة العربية التي تقهر شعوبها الثائرة كما في سوريا. وتمارس نشاطاً دبلوماسياً واسعاً داخل الأمم المتحدة، وداخل المنظمات الدولية والإقليمية، وخارجها من أجل عزل النظام السوري ومَن على شاكلته.
3- فتح باب الانضمام إلى هذه المعاهدة أمام أي نظام عربي يرغب في الانعتاق من الهيمنة الأجنبية، ويمنح الحريات لشعبه، ويرغب في أن يكون نصيراً للمظلومين في البلاد العربية والعالم.
4- تشكيل لجنة مراقبة خاصة لتعديات (إسرائيل)، لرصد كل تجاوزاتها وخروقاتها للأجواء العربية، وتوتيرها الأجواء في المنطقة، وتعدياتها على الحقوق العربية؛ السيادية والاقتصادية. وبناء خطوات فاعلة ومتصاعدة تدريجياً للرد على هذه العربدة الصهيونية.
5- رعاية المصالحة الفلسطينية بما يحقق اللُحمة وتفعيل المؤسسات المنتخبة، ورفع الحصار الدولي عن حكومة حماس التي تحظى بموافقة المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب. والعمل على إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية سليمة وعادلة، بما في ذلك تشجيع الدول المضيفة للفلسطينيين على السماح بإجراء انتخابات لمجلس وطني فلسطيني. وتشكيل لجنة مراقبة عربية لضمان تنفيذ ما يتم التوصل إليه بين الفرقاء الفلسطينيين، ومراقبة الانتخابات التي قد تجري في أي وقت.
إن العمل العربي المشترك في هذه المرحلة على موعد مع دول الربيع العربي، ومنوط بها. وهو واجب ديني وقومي ووطني وإنساني على هذه الحكومات الثورية. وإن آفاق هذا العمل مفتوحة على مصراعيها، وغير منحصرة فيما أسلفنا فقط. ولكن الخطوة الأولى لم تبدأ بعد، ولن يكون لأحد عذرٌ أمام الله وأمام شعوب الثورات العربية وأمام التاريخ ما لم تبدأ في أسرع وقت. لأن الشعب الفلسطيني، والمسجد الأقصى، والشعب السوري، واليمني والصومالي والعراقي والسوداني، وغيرهم ينتظرون الفعل العربي الثوري. اللهم لا تخيِّب رجاءنا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية