توحّد حماس والجهاد، والحاجة لبدايات سليمة
لمى خاطر
حتى لو لم تفضِ المبادرة التي قدّمها الأستاذ إسماعيل هنية إلى اندماج كامل بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحتى لو مرّ بعض الوقت قبل أن تتجلى بعض إفرازاتها عملياً على الأرض، فإن مبادرة حماس لطرح الفكرة وتعاطي الجهاد الإسلامي إيجابياً معها يدلّ على تقدم فكري لكلا الحركتين ووعي بضرورات المرحلة المقبلة في فلسطين.
ولعلّها المرة الأولى التي يجري فيها الحديث بجديّة عن ضرورات الاندماج أو التوحد من قبل مستويات قيادية متقدمة في الحركتين، فيما كان الأمر سابقاً يدور في غالبه ضمن حوارات سياسية للكوادر أو الأنصار، ولم يكن هناك شبه إجماع قيادي على فكرة توحيد الحركة الإسلامية في فلسطين..
في بدايات العمل الوطني ضمن مشروع تحرير أية أرض مغتصبة من الطبيعي أن تنشأ تباينات فكرية ومنهجية تفضي إلى نشوء قوى كثيرة، غير أن قطع أشواط مهمة في تلك المسيرة والاقتراب من نهاية البدايات أو بداية النهايات لا يجدي معه سوى التئام الصفوف وتجميع شتات الجهود ضمن إطار فيه من المرونة ما يستوعب كل القوى ذات الرسالة الجدية في مشروع التحرير، وفيه من الثبات ما يحول دون التسيّب والاختلالات الفكرية العميقة أو الإفضاء إلى التنازع!
وفي حالة حماس والجهاد، ورغم أن خلفية الحركتين إسلامية، ومشروعهما السياسي والمقاوم لا يحمل تبايناً عميقاً في جوهره، إلا أن نجاح فكرة الاندماج، أو التوحد ضمن أية رؤية أو صيغة لن يتمّ بكبسة زرّ أو بين عشية وضحاها، لكنه مرهون أولاً باقتناع قيادة وأفراد الحركتين بجدوى الفكرة وضرورتها، مع الإيمان بأن دراسة إيجابياتها ينبغي أن تنطلق من أثرها على مشروع المقاومة والتحرير بشكل عام وليس على كل من الفصيلين، وهنا ينبغي ألا تكون الكلمة الفصل أو الأشدّ تأثيراً على مجريات تنفيذ الفكرة لمن ينطلقون من مصلحة الفصيل، أو لمن يرون أن الحقيقة حكر عليهم، أو لمن يطغى على نظرتهم استحضار سلبيات الآخر بالنظر إلى سلوك بعض الكوادر التوتيرية هنا أو هناك.
وحين تتوفر النية الصادقة والوعي بضرورة التوحد والعمل المشترك وتنسيق المواقف وإدارة المقاومة فسيسهل حلّ جميع الإشكالات التي تعطّل التقارب، حتى وإن كانت في فترة ما غير قابلة للتجاوز، أو تملك فرض الافتراق ضمن مستويات لا تحتمل ذلك مثل اندماج الأطر الطلابية للحركتين في قائمة واحدة في انتخابات مجالس الطلبة أو النقابات أو حتى المجالس البلدية. خصوصاً وأن التنازل في الأمور محلّ الخلاف كان وسيظلّ أهون من التعنت المرتبط بالافتراق وما يرتبط به ويترتب عليه.
ثمّة تفصيلات كثيرة يمكن استحضارها وبحثها بين يدي هذه الفكرة التي نراها رائدة وتستحق الاهتمام، ولا شكّ أنه سيكتب الكثير حولها لاحقاً وحين تلوح بوادر بدء العمل عليها، غير أن ما يهمّ الآن هو سلامة النوايا، ووضع الأقدام على بدايات صحيحة، ولا بدّ للأفراد من كلا الحركتين أن يتعاطوا مع الفكرة بعقل وقلب مفتوحين بعيداً عن التشنجات، لأن جمهور الحركتين هو مفتاح نجاح الفكرة الأهمّ وعنوان تقدّمها بعد انطلاقها، وإدامتها بعد إقرارها. وهو ما يفرض على المستويات الإعلامية والدعوية لدى الحركتين أن تشيعا ثقافة التوحّد والتقارب وتبشّر بإيجابيات التئام الصفوف، مع توعية بخصوصيات المرحلة الحالية وما تفرضه من تجديد يواكب خطوات الأمة التي باتت متسارعة نحو أهدافها، والتي يصعب إدراكها في ظلّ تبعثر الصفوف وتشتت القوى، خصوصاً لمن تجمعهم خلفية فكرية متقاربة، ويعبرون المسلك ذاته نحو هدفهم الكبير.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية