ثقافة الشعب الفلسطيني
د. أيمن أبو ناهية
ما قاله العضوان في اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي وتوفيق الطيراوي، عن إرجاع منظمة التحرير الفلسطينية إلى عهدها الأول التي كانت تتبنى آنذاك الكفاح المسلح وتعتبر التفاوض مع الكيان الصهيوني هو خيانة، إذ أنها تبنت ثلاث لاءات في29 أغسطس 1967 على خلفية هزيمة حرب 67 أو ما عرف بـ"النكسة". وقد عرفت القمة باسم "قمة اللاءات الثلاثة" حيث خرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
كما أن منظمة لتحرير قد سبق لها وأن تمردت على اتفاق "كامب ديفيد" لعام 1978 بين مصر والكيان الصهيوني، واعتبرته طعنة في ظهر الفلسطينيين والعرب ومخالف لقمة الخرطوم. وكانت تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه بالتفاوض مع الكيان الصهيوني من الفلسطينيين في الداخل، لذا هي التي أذنت للوفد الفلسطيني من داخل الأراضي المحتلة برئاسة د. حيدر عبد الشافي للمشاركة في مفاوضات مدريد عام 1991، وهي التي سمحت أيضا لنفسها بفتح قنوات تفاوض مع الاحتلال وكانت متمثلة بالمفاوضات السرية في أوسلو وغير أوسلو، بعدما تخلت المنظمة عن كل المبادئ السابقة التي كانت تتبناها.
إن تصريحات زكي والطيراوي لم تأتِ من فراغ، بإدراكهم حجم المؤامرة التي تدبر للقضية الفلسطينية برمتها، إذ أن الاثنين ظهرا ولأول مرة أكثر الناقمين على تصريحات محمود عباس في قمة دافوس في الأردن لما أثار به حفيظة كل الشعب الفلسطيني، بتصريحه العلني أنه لم يخجل من التنسيق الأمني مع الاحتلال ضد شعبه، ودلل على ذلك الإخلاص بإرجاع 96 جنديًا إسرائيليا إلى حكومتهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، كم فلسطينياً حياً استلم عباس من الاحتلال بنفس المعادلة؟ أو بمعنى آخر كم جثة شهيد استلم عباس بحجة التنسيق الأمني والسؤال الأهم ماذا كان يفعل هؤلاء الجنود في المناطق الفلسطينية، والذي يدعي عباس بأنهم تاهوا وضلوا الطريق؟ لم يكونوا مدججين بالأسلحة وفي مهام عسكرية في المناطق الفلسطينية للقيام بعمليات خطف وقتل ومداهمات تحت ستار التنسيق الأمني، وكم أسيراً لنا موجودين في سجون الاحتلال لم يشفق محمود عباس على هؤلاء الذين أمضوا عقودا طويلة في السجون جوعى وعطشى وعراة ومحرومين من الزيارات ينتظرون الفرج والإفراج عنهم لحظة بلحظة؟ هذه هي ثقافة التنسيق الأمني الذي يفتخر به محمود عباس؟ الذي أبى إلا أن يحول قمة دافوس الاقتصادية التي هي قمة تنسيق أمني لتقديم تنازلات إضافية للاحتلال.
أما المفاجأة الثانية فكانت إعلان محمود عباس اتفاقاً يمنح الأردن حقوق "رعاية" مدينة القدس والأماكن المقدسة فيها، حيث تنص الاتفاقية على أن الملك الأردني هو صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس، وأن رعاية المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة تجعل الملك أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى، وأيضا الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها يكون وفقاً لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية.
وعلى ما يبدو أن القدس كانت حملاً ثقيلاً على ظهر محمود عباس وتعب منها فأراد أن يسلمها إلى الملك عبدالله ليكون الحامي لها، تحت وصاية اتفاقية السلام "وادي عربة"، فقد نبعت المفاجأة من كون الإعلان يعني ترسيماً لأمر واقع كان موضع اختلاف فلسطيني من ناحية، ويتنافى مع سعي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لترسيخ دعائم الدولة. وقد بررت قيادة السلطة هذا الاتفاق بأنه استمرار لما كان قائماً من جهة، ولمواجهة المخططات الإسرائيلية من جهة ثانية.
وفي حقيقة الأمر إنها بيع للقدس كما أشار لها اللواء الطيراوي. فهي لا تريد أن تعترف أن تنازلاتها التي تقدمها للاحتلال نابعة من ضعفها. لكن الواضح للجميع أن قرار إبرام اتفاق "الرعاية" في هذا الوقت يفضح أكثر من أي شيء آخر ضعف السلطة الفلسطينية وقيادتها.
إن ثقافة الشعب المحتل تقول كما سمعناها من رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وسمعناها من قبل من الرنتيسي وأبو جهاد وجمال عبد الناصر وأكدها الطيراوي وزكي مجددا أن الحقوق لا تسترد إلا بالقوة لا بالاستجداء والتنازل هذا ما شرعه لنا القانون الدولي، لذا ينبغي علينا إصلاح منظمة التحرير وإعادتها إلى ثوبها الأصلي الذي ولدت به، حتى تكون مظلة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني بجميع أطيافه ومرجعيته في السياسة والعسكرية والاقتصادية، دون تميز أو استعلاء وتكبر لطرف على الطرف الآخر.
د. أيمن أبو ناهية
ما قاله العضوان في اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي وتوفيق الطيراوي، عن إرجاع منظمة التحرير الفلسطينية إلى عهدها الأول التي كانت تتبنى آنذاك الكفاح المسلح وتعتبر التفاوض مع الكيان الصهيوني هو خيانة، إذ أنها تبنت ثلاث لاءات في29 أغسطس 1967 على خلفية هزيمة حرب 67 أو ما عرف بـ"النكسة". وقد عرفت القمة باسم "قمة اللاءات الثلاثة" حيث خرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
كما أن منظمة لتحرير قد سبق لها وأن تمردت على اتفاق "كامب ديفيد" لعام 1978 بين مصر والكيان الصهيوني، واعتبرته طعنة في ظهر الفلسطينيين والعرب ومخالف لقمة الخرطوم. وكانت تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه بالتفاوض مع الكيان الصهيوني من الفلسطينيين في الداخل، لذا هي التي أذنت للوفد الفلسطيني من داخل الأراضي المحتلة برئاسة د. حيدر عبد الشافي للمشاركة في مفاوضات مدريد عام 1991، وهي التي سمحت أيضا لنفسها بفتح قنوات تفاوض مع الاحتلال وكانت متمثلة بالمفاوضات السرية في أوسلو وغير أوسلو، بعدما تخلت المنظمة عن كل المبادئ السابقة التي كانت تتبناها.
إن تصريحات زكي والطيراوي لم تأتِ من فراغ، بإدراكهم حجم المؤامرة التي تدبر للقضية الفلسطينية برمتها، إذ أن الاثنين ظهرا ولأول مرة أكثر الناقمين على تصريحات محمود عباس في قمة دافوس في الأردن لما أثار به حفيظة كل الشعب الفلسطيني، بتصريحه العلني أنه لم يخجل من التنسيق الأمني مع الاحتلال ضد شعبه، ودلل على ذلك الإخلاص بإرجاع 96 جنديًا إسرائيليا إلى حكومتهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، كم فلسطينياً حياً استلم عباس من الاحتلال بنفس المعادلة؟ أو بمعنى آخر كم جثة شهيد استلم عباس بحجة التنسيق الأمني والسؤال الأهم ماذا كان يفعل هؤلاء الجنود في المناطق الفلسطينية، والذي يدعي عباس بأنهم تاهوا وضلوا الطريق؟ لم يكونوا مدججين بالأسلحة وفي مهام عسكرية في المناطق الفلسطينية للقيام بعمليات خطف وقتل ومداهمات تحت ستار التنسيق الأمني، وكم أسيراً لنا موجودين في سجون الاحتلال لم يشفق محمود عباس على هؤلاء الذين أمضوا عقودا طويلة في السجون جوعى وعطشى وعراة ومحرومين من الزيارات ينتظرون الفرج والإفراج عنهم لحظة بلحظة؟ هذه هي ثقافة التنسيق الأمني الذي يفتخر به محمود عباس؟ الذي أبى إلا أن يحول قمة دافوس الاقتصادية التي هي قمة تنسيق أمني لتقديم تنازلات إضافية للاحتلال.
أما المفاجأة الثانية فكانت إعلان محمود عباس اتفاقاً يمنح الأردن حقوق "رعاية" مدينة القدس والأماكن المقدسة فيها، حيث تنص الاتفاقية على أن الملك الأردني هو صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس، وأن رعاية المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة تجعل الملك أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى، وأيضا الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها يكون وفقاً لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية.
وعلى ما يبدو أن القدس كانت حملاً ثقيلاً على ظهر محمود عباس وتعب منها فأراد أن يسلمها إلى الملك عبدالله ليكون الحامي لها، تحت وصاية اتفاقية السلام "وادي عربة"، فقد نبعت المفاجأة من كون الإعلان يعني ترسيماً لأمر واقع كان موضع اختلاف فلسطيني من ناحية، ويتنافى مع سعي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لترسيخ دعائم الدولة. وقد بررت قيادة السلطة هذا الاتفاق بأنه استمرار لما كان قائماً من جهة، ولمواجهة المخططات الإسرائيلية من جهة ثانية.
وفي حقيقة الأمر إنها بيع للقدس كما أشار لها اللواء الطيراوي. فهي لا تريد أن تعترف أن تنازلاتها التي تقدمها للاحتلال نابعة من ضعفها. لكن الواضح للجميع أن قرار إبرام اتفاق "الرعاية" في هذا الوقت يفضح أكثر من أي شيء آخر ضعف السلطة الفلسطينية وقيادتها.
إن ثقافة الشعب المحتل تقول كما سمعناها من رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وسمعناها من قبل من الرنتيسي وأبو جهاد وجمال عبد الناصر وأكدها الطيراوي وزكي مجددا أن الحقوق لا تسترد إلا بالقوة لا بالاستجداء والتنازل هذا ما شرعه لنا القانون الدولي، لذا ينبغي علينا إصلاح منظمة التحرير وإعادتها إلى ثوبها الأصلي الذي ولدت به، حتى تكون مظلة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني بجميع أطيافه ومرجعيته في السياسة والعسكرية والاقتصادية، دون تميز أو استعلاء وتكبر لطرف على الطرف الآخر.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية