ثورة الشباب العربي والوضع الفلسطيني
النائب د.أيمن دراغمة
التغيير سنة كونية، وضعها الله سبحانه وتعالى في أيدي عباده، وأمتنا العربية والإسلامية بما حباها الله من نعم كثيرة بشرية وجغرافية واقتصادية ودينية تشكل محل اهتمام خاص، في ظرف دولي حرج، تحاول فيه الامبراطورية الأمريكية لملمة ما يصيبها من وهن وعدم توازن باتجاه إحكام سيطرتها على رسم السياسة الدولية، ولذا ولما لأمريكا من سلطة وهيمنة ونفوذ، فإن أي حدث في العالم يكون لأمريكا فيه موقف، وتخرج وزيرة خارجيتها لتدلي بموقف رسمي تجاه قضايا شعوب العالم والذي دائماً لا يحب سماع نصائحها وتقييمها للأمور، لقد وجدت أمريكا نفسها أمام أحداث متسارعة في فترة زمنية لم تستطع أن تلاحق وتتابع تداعياتها على برنامج إحكام السيطرة، ابتداءً من انهيار الاتحاد السوفييتي، وأزمتي الخليج الأولى والثانية، وحربها في العراق وافغانستان، واسرائيل ومشاكلها الأمنية المتصاعدة مع حزب الله وحماس وإيران، والمفاوضات التي تراوح للوراء، والأخطر من كل ذلك أزماتها الداخلية المتعددة (اقتصادية، اجتماعية، علمية، استراتيجية) ناهيك عن فقدانها لأهم عامل من عوامل السيطرة والتحكم وهو العامل الاقتصادي فالسبق الأمريكي لم يعد عامل الحسم في سباق القطبية، فأمريكا لم تعد قادرة فعلياً أن تبقى على سدة السيطرة على كل العالم، لقد وصل الحال بالوضع الأمريكي أن تجد أمريكا نفسها سوقاً استهلاكياً لصناعات الصين ودول أخرى، حتى أن البعض بدأ يتندر بالقول، أن العلم الأمريكي بات يصنع في الصين.
وها هي اليوم أمريكا تجد نفسها أمام عاصفة لم تكن متوقعة ولم تستطع السفارات الأمريكية رصد خطاها، ففاجأتها كما فاجأت وكلاءها في المنطقة وكذلك بدى واضحاً أن اسلوب التعامل الأمريكي مع الأزمة الجديدة كان مرتبكاً ومتسرعاً وعلى غير العادة، فليس من طباع أمريكا مجاراة رغبات الشعوب وتشجيع ثوراتها الشعبية من أجل تحقيق مصالحها في الحكم وما ينبثق عن ذلك من مرتكزات ديمقراطية اقتصادية وسياسية ليست في صالح امريكا إطلاقاً، ولذا نرى أنها لجأت لسياسة الاستدراك، والخروج بأقل الخسائر، وعدم التعامل بغباء مع ثورات الشعوب التي تمتد كالسيل الهادر الذي لا يمكن وقف زحفه، وكأن أوباما تعلّم بعض الدروس، ولم يجازف بالوقوف إلى جانب أنظمة فاشلة وميؤوس منها ولا يوجد فرصة لإنقاذها، فآثر أن يكون الموقف الإعلامي حضاري ويتناغم مع مبادئ الديمقراطية الأمريكية فأعلنت أمريكا وقوفها إلى جانب الشعوب في رغبتها في التغيير وهذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث، الذي تظهر فيها مواقف أمريكا تتناقض ولا تنسجم مع مصالحها، لكن كل ذلك كان موقفاً إعلانياً من أجل تقليل الخسائر، ومحاولة الإمساك بزمام الأمور وأطرافها بالطرق الاستخبارية من تحت الطاولة من أجل عدم تمكين الثورات من تحقيق كل أهدافها، وتحقيق ما يمكن أن لا يضر بالمصالح الاستعمارية الأمريكية برمتها بشكل استراتيجي ودراماتيكي.
لقد بدى التناقض واضحاً في الموقف الأمريكي، وفضيحة موقف أمريكا الأخير في مجلس الأمن واستخدام الفيتو ضد مشروع قرار لإدانة الاستيطان - على الرغم أن أمريكا لا تعترف بشرعيته- ، لكن الفيتو الأمريكي صوته يختلف عن الصوت الموجه للشعوب، والمرتب لمحاولة التضليل وخلط الأوراق، وزاد الموقف الأمريكي وضوحاً في التراجع المكالمة التي جرت بين أوباما وأبو مازن والتي كانت طويلة الزمن وخلت من أي شيء جديد يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الحاصلة وثورة الشعوب العربية، وكأن أوباما لا يزال يراهن على قدرة وكالة المخابرات الأمريكية، وذكائها في الوصول لهذه الثورات إلى حيث تريد، وعليه فإن الموقف الأمريكي فلسطينياً أصبح ميؤساً منه عند الجميع، حتى عند محبي أمريكا وسياساتها، وقُرئت عليه الفاتحة منذ زمن عند الشعب الفلسطيني في الشتات والداخل.
هذه المتغيرات لها انعكاسها المباشر على الوضع في المنطقة، بل على سياسات الدول وبرامحها الاستراتيجية، ومع أن الجميع مشغول في متابعة امتدادات الثورة وارتدادتها لبقية العواصم العربية، حيث أصبحت جميعها أمام تسونامي جماهيري لا يمكن وقف هديره، والذي ربما يمتد ليطال دولاً غير عربية في المحيط، ولذا فالجميع مرتبك وغير قادر على رسم خطواته المستقبلية نظراً لتسارع الأحداث، لكن الجميع غير مختلف على أنها مرحلة جديدة أصابت العالم، وواقع جديد فرض نفسه، وهكذا هي الأحداث الدولية العظيمة تصنعها الشعوب. والوضع الفلسطيني ولأهميته سيكون دائماً بؤرة الاهتمام في النظام العربي الشعبي الجديد، في أنظمة الشعوب العربية، لما لفلسطين والقدس من أهمية في الذاكرة والقلب والوجدان الشعبي العربي، لأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومهد المسيح، وبوابة الأرض نحو السماء، فليس غريباً أن يفرد أوباما حوالي ساعة من وقته الثمين في هذه الظروف العصيبة للحديث مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية تفادياً لعدم الوقوع في حرج جديد مع الجماهير العربية الثائرة. وأن تنشغل السياسة الأمريكية بموضوع الاستيطان، في زحمة هذه المتغيرات الاستراتيجية فهي دلالة أخرى.
نحن الفلسطينيون معنيون للاستفادة من هذه المتغيرات وأن لا نبقى ننتظر انعكاساتها وارتداداتها ونسماتها، الوضع الجديد بحاجة لمزيد من الوقت حتى ترتب العواصم العربية أوراقها، ولذا فالأمل المعقود للاستفادة من رياح التغيير بحاجة لصبر، وبحاجة لاستعداد مناسب، الموقف بحاجة لتفكير جماعي راشد، قيادة جديدة تمثل الجميع سياسة البرامج المختلفة والمحاور لم تعد تصلح في هذه المرحلة، والفرصة سانحة ومواتية لأن نعيد حساباتنا وان نصحح الأخطاء بشكل موضوعي وسليم بطريقة لا تسمح بأن نبني رؤيتنا على اختلافات ونزاعات وصراعات فلا أحد يستطيع أن يفرض رؤيته على الجميع. واقعنا يختلف، نعم نحن بحاجة أن تستثمر التغيرات الاستراتيجية بطريقة استراتيجية تؤسس للمستقبل على أسس جامعة موحدة، وانه لمن واجب الوفاء للجماهير العربية التي كانت تهتف مرة ضد النظام ومرة لفلسطين أن نكون عند طموحها وأملها، ولا نراهن على حسابات غير واقعية وغير معقولة وغير محسوبة العواقب، فتثوير الضفة أو غزة ليس في المصلحة الفلسطينية، وأنا واثق ومتأكد أن الجموع الفلسطينية عندها من الحكمة والدهاء ما يجعلني واثقاً أن أحداً لن ينزلق إلى مواقف غير محسوبة، فلن تثور جماهير الضفة إلا ضد الانقسام ومن أجل التوافق وضد الاحتلال، وأيضاً غزة هاشم لن تثور إلا ضد الحصار والاحتلال ومن أجل الوحدة.
الطريق قصير إن نحن أردنا الوصول، فالمسأفة بين رام الله وغزة قريبة، والواجب ومطالب شباب التغيير عندها برنامج واحد، عنوانه التوافق الفلسطيني، وليس مهماً على أي أرضية ستتم وفي أي عاصمة سيتم اللقاء مع أن هناك من الاتفاقيات الفلسطينية ما يكفي ليؤسس عليه، ولنكمل المشوار من خلاله، المهم أن نتفق على عنوان واحد وهو التوافق، وقيادة جديدة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات.
لا أحد يستطيع أن يدعى بأن عنده رؤيا سحرية، وبرامج خلاّقة لم تخطر على بال أحد، فعادة البرامج الوطنية تأتي من خلال الاستقراء والتحليل والتفكير الموضوعي للأمام، ونجده في الغالب حاضراً في أذهان العامة، بل إن وصفة الحل تجدها عند كل جدة وجد فلسطيني يمسك بمسبحته يذكر الله، ويؤكد على ترابط حباتها بخيط جامع ومانع وانسجامها مع اختلاف الوان حباتها.
إن حسن النوايا ليس بكاف بقدر ما نحن بحاجة لاستلهام دروس الثورات الفعلية والعملية، وتطمين الجماهير بتصريحاتنا ومواقفنا والأهم من كل ذلك أن نوقف كل الأخطاء المخجلة والغير أخلاقية حتى نبعث مؤشرات ثقة مطمئنة بأننا جادون، الشعب الفلسطيني بحاجة لقيادة فلسطينية موحدة، ونحن بحاجة لأن نقود الشعب نحو التغيير، لنغتنم الفرصة جميعاً حتى لا تحرجنا الجماهير أكثر من اللازم، وكل مسؤول مطلوب منه أن يقوم بخطوات كافية وصادقة وليس بالضرورة أن ننتظر كل هذا الوقت حتى تكمل الجماهير العربية تحركاتها ووضع أقدامها بشكل نهائي، فالقيادات عندها ما يؤهلها ويسهل رؤيتها الاستراتيجية، فهناك مفردات هامة نستطيع أن نبني عليها، منها فشل المفاوضات، نجاح صمود غزة، فشل الوعود الأمريكية وكذبها، عدم قدرة أي من الحكومتين على إقامة دولة أفلاطون أو مملكة سبأ، الضرر الاجتماعي والأخلاقي والوطني الذي نتج عن حالة الانقسام، وما لحق ذلك من انتهاكات بحق الحريات والحقوق للمواطنين، زيادةً على أن الشعب لا يريد إلا حالة التوافق "ليس بالضرورة حالة وحدة" وإنهاء الخلاف، وتشكيل قيادة فلسطينية موحدة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية