جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي
د.عصام عدوان
في ظل اشتداد المؤامرة الدولية على قطاع غزة وعلى المقاومة الفلسطينية، والتي أخذت أشكالاً متجددة ومبتكرة، كإغلاق المعابر، وتدمير الأنفاق، وقطع رواتب الموظفين، والتنكر لتفاهمات التهدئة القديمة والجديدة، واختلاق الأزمات التي تمس حياة الناس بصورة مباشرة، علينا العودة للهدي النبوي الشريف لنضيء طريقنا ونعيد توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح.
فبعد انتهاء وقائع يوم أُحُد بات الرسول وهو يفكر في الموقف، فقد كان يخاف أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئاً من النصر والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال، فلا بد من أن يندموا على ذلك، ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية، فصمم على أن يقوم بعملية مطاردة جيش قريش، فنادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو ـ وذلك صباح اليوم التالي من معركة أحد ـ وقال : ( لا يخرج معنا إلا من شهد القتال ) ، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد، والخوف المزيد، وقالوا : سمعاً وطاعة فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } [آل عمران: 172]. وسار رسول الله والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك . وأمر مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه.
ولم يكن ما خافه رسول الله من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقاً، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة تلاوموا فيما بينهم (كما فعلت إسرائيل بعد حربها على غزة)، قال بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم . فخالفهم أحد زعمائهم صفوان بن أمية قائلاً : يا قوم، لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج ـ أي من المسلمين في غزوة أحد ـ فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم . إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة . ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه، فقال : ما وراءك يا معبد ؟ فقال معبد ـ وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة ـ : محمد قد خرج في أصحابه، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ـ أو ـ حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة . فقال أبو سفيان : والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم . قال : فلا تفعل، فإني ناصح . وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب، *** ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة.[نقلا عن الرحيق المختوم للمباركفوري] ونزل القرآن فيهم: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) [آل عمران:173 - 174]
إن خيارات المقاومة الفلسطينية مفتوحة، ويجب ألا تنغلق أمام أي خيار حتى ولو كان استئناف القتال بالبدء بمهاجمة العدو المحتل. وبدلاً من أن تتكبد المقاومة أعباء الرواتب وضيق العيش لفترات طويلة فما عليهم إلا الحمل على الأعداء، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا. وقد شرع رسول الله القتال طلباً للرزق، فكيف لو كان من الأعداء، فقد ذكر ابْن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي" (رواه البخاري رقم 2914)
د.عصام عدوان
في ظل اشتداد المؤامرة الدولية على قطاع غزة وعلى المقاومة الفلسطينية، والتي أخذت أشكالاً متجددة ومبتكرة، كإغلاق المعابر، وتدمير الأنفاق، وقطع رواتب الموظفين، والتنكر لتفاهمات التهدئة القديمة والجديدة، واختلاق الأزمات التي تمس حياة الناس بصورة مباشرة، علينا العودة للهدي النبوي الشريف لنضيء طريقنا ونعيد توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح.
فبعد انتهاء وقائع يوم أُحُد بات الرسول وهو يفكر في الموقف، فقد كان يخاف أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئاً من النصر والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال، فلا بد من أن يندموا على ذلك، ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية، فصمم على أن يقوم بعملية مطاردة جيش قريش، فنادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو ـ وذلك صباح اليوم التالي من معركة أحد ـ وقال : ( لا يخرج معنا إلا من شهد القتال ) ، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد، والخوف المزيد، وقالوا : سمعاً وطاعة فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } [آل عمران: 172]. وسار رسول الله والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك . وأمر مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه.
ولم يكن ما خافه رسول الله من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقاً، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة تلاوموا فيما بينهم (كما فعلت إسرائيل بعد حربها على غزة)، قال بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم . فخالفهم أحد زعمائهم صفوان بن أمية قائلاً : يا قوم، لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج ـ أي من المسلمين في غزوة أحد ـ فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم . إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة . ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه، فقال : ما وراءك يا معبد ؟ فقال معبد ـ وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة ـ : محمد قد خرج في أصحابه، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ـ أو ـ حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة . فقال أبو سفيان : والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم . قال : فلا تفعل، فإني ناصح . وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب، *** ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة.[نقلا عن الرحيق المختوم للمباركفوري] ونزل القرآن فيهم: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) [آل عمران:173 - 174]
إن خيارات المقاومة الفلسطينية مفتوحة، ويجب ألا تنغلق أمام أي خيار حتى ولو كان استئناف القتال بالبدء بمهاجمة العدو المحتل. وبدلاً من أن تتكبد المقاومة أعباء الرواتب وضيق العيش لفترات طويلة فما عليهم إلا الحمل على الأعداء، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا. وقد شرع رسول الله القتال طلباً للرزق، فكيف لو كان من الأعداء، فقد ذكر ابْن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي" (رواه البخاري رقم 2914)
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية