جولة هنيّة.. في قلوب الشعوب!
لمى خاطر
منذ اليوم الأول لها، لم تشدّني الأبعاد السياسية المجردة لجولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية الخارجية – على أهميتها- أو دلالاتها على مستقبل حماس وغزة في ظل الربيع العربي، لكن ما كان جديراً بالتأمل بحقّ هو تلك المكانة الرفيعة الجليلة التي يحتلها إسماعيل هنية في قلوب الشعوب العربية والإسلامية، وهي تبدو شبيهة وقريبة إلى حدّ كبير بمكانة شيخ الأقصى رائد صلاح في وعي ووجدان جماهير الأمتين العربية والإسلامية.
ولعلّي هنا مضطرة لالتماس العذر لما طفا على السطح من غضب لسلطة رام الله وممثليها الرسميين في تونس تحديدا وانتقادهم للزيارة، فتونس دون غيرها يرونها اليوم تدير لهم ظهرها لتحتضن سواهم، ولتخلّي ما بين جماهيرها ومشاعرهم فيعبرون عنها تجاه من يرونهم جديرين بتمثيل فلسطين وبحمل لواء القضية. وتونس دون غيرها يرونها اليوم تسدّد صفعة كبيرة لمشروعهم وهي تردد مع إسماعيل هنية: قال القائد إسماعيل لن نعترف بإسرائيل، فتلجم أفواه المتشدقين باكتشاف تحولّات على نهج حماس وخطابها. وتونس دون غيرها يتحدث إسماعيل هنية من بين جماهيرها ومراكز مدنها كلها عن المقاومة والقدس وواجب تحرير فلسطين، وتحييه الجماهير بحرارة لم يظفر بمثلها أحد قبله، ولا يحلم بها حتى زعماؤها!
في تونس ما بعد الثورة، وما بعد قول الشعوب كلمتها، وما بعد التجربة الانتخابية الحرّة، رأينا التجليات الأولى للربيع العربي إذا ما استوى زرعه على سوقه، وأدركنا كيف أن قبلة القلوب ستتحول فوراً نحو فلسطين بلا تردد، وكيف أن حملة السلاح وصانعي الكرامة وحدهم من سيكونون ملء سمعها وبصرها، أما أشباه الرجال فسيوضعون في مكانهم الحقيقي، وسيهال تراب الرفض على سيرتهم ونهجهم.
وحين ننظر إلى تعاطف شعب طالع من رحم الثورة مع شخصية قيادية علينا أن نمعن النظر كذلك في خصائص تلك الشخصية، لأن أي شعب حرّ لن يكون مرغماً على الولاء والتأييد لأحد، ولا لأن يقدم له شيكاً على بياض، ولا لأن ينخدع بالشعارات أو يغترّ بالمظاهر. وأبو العبد لديه – ودون مبالغة أو مجاملة - من سمات التواضع الصدق والإخلاص ما يكفي لجعله قريباً حدّ الالتصاق بوجدان الجماهير، وفوق ذلك، فهو صاحب خطاب واضح وواثق ومفعم بحرارة الانتماء لأبجديات المقاومة، بعيداً عن التصنع والادعاء. فأبو العبد يغرف من معين بادٍ للجميع، معين الثوابت الحقة التي لا تقبل الاجتزاء، ولا تلقي بالاً لتأويلات الخصوم والأعداء، ولا تعبأ بإغضابهم، ولا تعنيها استمالتهم.
إن احترام مشاعر الجماهير، والتعهد أمامها بصون الأمانة وعدم التفريط بالحقوق، والإصرار على أبجديات عدم الاعتراف بالكيان، وعلى التمسك بالبندقية ليس ترفاً ولا كلاماً (شعبويا) يخاطب القلوب ويعزف عن اعتبارات العقل، بل هو اليوم برهان صوابية المسير، ثم احترام إرادة الأمة التي لا يمكن أن تجتمع على باطل.
ومخطئ من يرى أن الميل مع هذه الإرادة الشعبية يحتاج لكوابح ومصدّات للعواطف، لأن تلك إرادة صانعي حريتهم، والطالعين من رحم الثورة على الاستبداد، وهؤلاء طليعة الأمة وعنوان نهضتها الحقيقية، وهم من يستحقون التقدير والمبايعة على التمسك بالحق كاملاً غير مجتزأ، وهم من ينتظرون من قادة الأمة ورموزها أن يرتقوا إلى منزلة صلابتهم وسمّوهم ومستوى إصرارهم، فهذه قيم اختطوها بالدم، ولذلك فهي غالية وعزيزة وأصيلة، وتستحق أن تصان وتحترم.
لقد كان أبو البعد هنية في جولته يصول ويجول في قلوب الشعوب ووجدانها ووعيها، فهو القادم من غزة التي ما فتئت تسطّر الملاحم، وتطيّر في سماء الأمة شارات النصر وبارقات الأمل، وهو الذي علّم جوقة المتكومين على إفلاسهم وغيظهم ووجومهم كيف تحصّل الشرعية وكيف يُجبى التأييد المطلق، ولأن الثمن غالياً يقتطع من الأعمار والدماء، فسيظلّ هنية وصحبه في صعود، وسيظلّ المشنعين عليهم إلى انحدار، حتى وإن ظلّ صراخهم عالياً وحتى لو باعوا وهمهم للدنيا بأسرها!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية