حديث في المقامات العليا!
لمى خاطر
لا أدري إن كانت حالة الرخاء الأمني التي تعيشها الضفة الغربية على جبهتها مع الاحتلال هي التي أفرزت ذلك الطراز من الترف لدى الأجهزة الأمنية؛ حيث امتدّ نشاطها إلى صفحات التواصل الاجتماعي، وصار رصد منشوراتها مهمة وطنية، حتى تلك التي تندرج في إطار التنكيت السياسي.
صحيح أن (الفاضي بيعمل قاضي) كما يقول المثل، لكن دور أجهزة السلطة هنا توسّع ليشمل الرصد والتحقيق والفصل بحق من يتم اعتقالهم ومحاكمتهم على خلفية (التطاول على المقامات العليا)، هذا القانون الذي يعود للعهد الأردني ولا وجود له في القاموس الفلسطيني. ولكن حالة الإفلاس السياسي التي تعيشها السلطة تطلبت منها استحضار هذا القانون وهي تحاول رتق عوار المواقف التي لا زالت ترصّع بها رصيدها الصفري!
قصة أنس عواد كانت الأكثر غرابة واستهجاناً من قبل الرأي العام وهو يطالع أعاجيب قانون (المقامات العليا)، وأنس شاب فلسطيني من قرية عورتا بنابلس كتب تعليقا عام 2011 على الفيسبوك خلال زيارة محمود عباس لنادي برشلونة وانتقده فيها، ومنذ ذلك اليوم وأنس يتعرض للاعتقال والتعذيب بتهمة "إطالة اللسان" وقبل أيام أصدرت محكمة نابلس حكماً باعتقاله لمدة عام كامل على هذه التهمة.
أنس عوّاد لم يكن الوحيد الذي اعتقل وحوكم مؤخراً بتهمة التطاول على المقامات العليا، فهناك الشاب أمجد حسين، الطالب في جامعة بيرزيت، وفي قصته من أشكال الامتهان المعنوي والمادي ما يوجب فتح تحقيق واسع مع عناصر وضباط الأجهزة الأمنية، هذا على افتراض أن قيادة السلطة صادقة في ادعاءاتها بأن التعذيب لا يمارس في سجونها وبأنها تكفل حرية التعبير والرأي لجميع المواطنين.
تتلخّص قصة الشاب (أمجد حسين) في أنه اعتقل قبل نحو شهر على خلفية تهجم لفظي على محمود عباس من خلال حساب على الفيسبوك تشتبه المخابرات بأنه يعود للشاب، رغم أن ذلك لم يثبت خلال التحقيق مع الشاب الذي تضمّن شبحاً وضربا وحرماناً من النوم وحجزاً متواصلاً في زنزانة انفرادية، مع توجيه شتائم نابية له، وسبّ للدين من قبل عدد من المحققين عندما كان ينشغل أمجد بالتسبيح خلال شبحه، وبعد إعلانه إضراباً مفتوحاً عن الطعام بالغ المحققون في إهانته وقال له أحدهم: "لو أنك خرجت من هنا للقبر لتبعتك ونزعت اعترافاتك". وبعد ذلك تم الإفراج عنه بكفالة قدرها 10 آلاف دينا أردني! وما زالت قضيته معلقة وهو ينتظر أن تقرر المحكمة متى تبتّ في أمره!
إنه وجه آخر بشع وسافر لدولة (المؤسسات والقانون) التي طالما أتخم قادة السلطة أسماعنا بها، وهي الحقيقة كما تتجلى في سجون السلطة ومراكز تحقيقها، وليس كما يدّعي محمود عباس حين يؤكد ويجزم في خطاباته السياسية بأن النيل من ذاته متاح لمخالفيه، ولا حساب عليه ولا مساءلة، ولست أدري هنا فيما إذا كان قد وصل مقام حضرته بأن منتقديه أو الساخرين منه يتم جباية غرامات مالية كبيرة منهم، وليس فقط إهانتهم لفظياً وجسدياً عند اعتقالهم!
سهل على الأجهزة الأمنية وناطقيها محترفي التزييف أن يؤكدّوا بأن المحتجزين لديهم خلفياتهم جنائية كما حصل عند اعتقال الدكتورة عصمت عبد الخالق على التهمة ذاتها (أي التطاول على المقامات العليا)، أو أمنية كما يحدث يومياً مع كثير من الشباب الذين يستدعون للتحقيق أو يتم اعتقالهم من منازلهم، فهذه سياسة السلطة باختصار؛ أن تفعل ما تشاء سياسياً وأمنيا، وأن تعلّق على أفعالها بوحي من أكاذيبها المعروفة، لأنها أعجز من أن تبرّر تلك الأفعال والمواقف.
إنها دولة الكذب بلا منازع؛ ابتداء من توصيف (الدولة) الرازحة تحت بسطار المحتل، مروراً (بالمقامات) التي تحكمها، وليس انتهاءً بذلك الدور مكشوف الوظيفة لأجهزتها الأمنية، والذي يراد إرغامنا على الاقتناع بأنه يحمي المشروع الوطني وحلم الدولة!
لمى خاطر
لا أدري إن كانت حالة الرخاء الأمني التي تعيشها الضفة الغربية على جبهتها مع الاحتلال هي التي أفرزت ذلك الطراز من الترف لدى الأجهزة الأمنية؛ حيث امتدّ نشاطها إلى صفحات التواصل الاجتماعي، وصار رصد منشوراتها مهمة وطنية، حتى تلك التي تندرج في إطار التنكيت السياسي.
صحيح أن (الفاضي بيعمل قاضي) كما يقول المثل، لكن دور أجهزة السلطة هنا توسّع ليشمل الرصد والتحقيق والفصل بحق من يتم اعتقالهم ومحاكمتهم على خلفية (التطاول على المقامات العليا)، هذا القانون الذي يعود للعهد الأردني ولا وجود له في القاموس الفلسطيني. ولكن حالة الإفلاس السياسي التي تعيشها السلطة تطلبت منها استحضار هذا القانون وهي تحاول رتق عوار المواقف التي لا زالت ترصّع بها رصيدها الصفري!
قصة أنس عواد كانت الأكثر غرابة واستهجاناً من قبل الرأي العام وهو يطالع أعاجيب قانون (المقامات العليا)، وأنس شاب فلسطيني من قرية عورتا بنابلس كتب تعليقا عام 2011 على الفيسبوك خلال زيارة محمود عباس لنادي برشلونة وانتقده فيها، ومنذ ذلك اليوم وأنس يتعرض للاعتقال والتعذيب بتهمة "إطالة اللسان" وقبل أيام أصدرت محكمة نابلس حكماً باعتقاله لمدة عام كامل على هذه التهمة.
أنس عوّاد لم يكن الوحيد الذي اعتقل وحوكم مؤخراً بتهمة التطاول على المقامات العليا، فهناك الشاب أمجد حسين، الطالب في جامعة بيرزيت، وفي قصته من أشكال الامتهان المعنوي والمادي ما يوجب فتح تحقيق واسع مع عناصر وضباط الأجهزة الأمنية، هذا على افتراض أن قيادة السلطة صادقة في ادعاءاتها بأن التعذيب لا يمارس في سجونها وبأنها تكفل حرية التعبير والرأي لجميع المواطنين.
تتلخّص قصة الشاب (أمجد حسين) في أنه اعتقل قبل نحو شهر على خلفية تهجم لفظي على محمود عباس من خلال حساب على الفيسبوك تشتبه المخابرات بأنه يعود للشاب، رغم أن ذلك لم يثبت خلال التحقيق مع الشاب الذي تضمّن شبحاً وضربا وحرماناً من النوم وحجزاً متواصلاً في زنزانة انفرادية، مع توجيه شتائم نابية له، وسبّ للدين من قبل عدد من المحققين عندما كان ينشغل أمجد بالتسبيح خلال شبحه، وبعد إعلانه إضراباً مفتوحاً عن الطعام بالغ المحققون في إهانته وقال له أحدهم: "لو أنك خرجت من هنا للقبر لتبعتك ونزعت اعترافاتك". وبعد ذلك تم الإفراج عنه بكفالة قدرها 10 آلاف دينا أردني! وما زالت قضيته معلقة وهو ينتظر أن تقرر المحكمة متى تبتّ في أمره!
إنه وجه آخر بشع وسافر لدولة (المؤسسات والقانون) التي طالما أتخم قادة السلطة أسماعنا بها، وهي الحقيقة كما تتجلى في سجون السلطة ومراكز تحقيقها، وليس كما يدّعي محمود عباس حين يؤكد ويجزم في خطاباته السياسية بأن النيل من ذاته متاح لمخالفيه، ولا حساب عليه ولا مساءلة، ولست أدري هنا فيما إذا كان قد وصل مقام حضرته بأن منتقديه أو الساخرين منه يتم جباية غرامات مالية كبيرة منهم، وليس فقط إهانتهم لفظياً وجسدياً عند اعتقالهم!
سهل على الأجهزة الأمنية وناطقيها محترفي التزييف أن يؤكدّوا بأن المحتجزين لديهم خلفياتهم جنائية كما حصل عند اعتقال الدكتورة عصمت عبد الخالق على التهمة ذاتها (أي التطاول على المقامات العليا)، أو أمنية كما يحدث يومياً مع كثير من الشباب الذين يستدعون للتحقيق أو يتم اعتقالهم من منازلهم، فهذه سياسة السلطة باختصار؛ أن تفعل ما تشاء سياسياً وأمنيا، وأن تعلّق على أفعالها بوحي من أكاذيبها المعروفة، لأنها أعجز من أن تبرّر تلك الأفعال والمواقف.
إنها دولة الكذب بلا منازع؛ ابتداء من توصيف (الدولة) الرازحة تحت بسطار المحتل، مروراً (بالمقامات) التي تحكمها، وليس انتهاءً بذلك الدور مكشوف الوظيفة لأجهزتها الأمنية، والذي يراد إرغامنا على الاقتناع بأنه يحمي المشروع الوطني وحلم الدولة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية